“من العشيقة السرية إلى العلانية”.. كتاب جديد عن العلاقات وراء الكواليس بين إسرائيل وجهات عربية وإسلامية

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”: يكشف الباحث الإسرائيلي في تاريخ الإسلام والشرق الأوسط في الجامعة العبرية بروفيسور إيليه بوديه في كتابه الجديد بالعبرية “من عشيقة سرية إلى معروفة لدى الجمهور” فصولا بعضها يكشف عنه للمرة الأولى من العلاقات السرية بين إسرائيل وبين دول وأقليات في الشرق الأوسط مقدما تفاصيل أحيانا وفي أحيان أخرى يكتفي بإشارات عامة.

ويوضح بوديه أن اسم الكتاب يعكس رؤيته بأن إسرائيل “عشيقة سرية” تدير علاقات محظورة في حقول غريبة أحيانا بعيدة وقصيرة وأحيانا مكثفة ومن تحت الطاولة ويقول إنها لم تحب ذلك لكنها اضطرت للتعايش معه حيث تبدو كمرأة، راغبون بقربها لكنهم غير مستعدين للظهور معها ولجانبها علانية وأي تسريب عن وجودها يعني خيانة وانتهاكا لقواعد اللعبة والعقاب عندئذ- إنكار ونفي وربما قطع للعلاقات وفيما هي تحاول كالعشيقة تماما الظهور فإن دول عربية تحرص على السرية معها.

ومع ذلك كشفت “العشيقة” من خلال بعض سياسييها عن الأسرار أحيانا وهذا برأي بوديه سعيا منهم وراء تحقيق أرباح سياسية فورية حتى بثمن تهديد هذه العلاقة، ويقول إن رؤساء الحكومة الراحلين شيمون بيريز ومناحم بيغن وأرئيل شارون وبنيامين نتنياهو كانوا مسربيّن دائمين بينما حرص اسحق رابين ويتسحاق شامير على السرية ولم يكتبا حتى في مذكراتهم عن علاقات “العشيقة السرية”.

ويبدو أن الكاتب استلهم عنوان كتابه من أصحاب العلاقة السرية أنفسهم فهو على سبيل المثال يشير لزيارة سرية قام بها دافيد بن غوريون لطهران وخلال لقائه برئيس الوزراء الإيراني علي أميني الذي أوضح له لماذا لا يمكن نقل العلاقات السرية بين إيران وإسرائيل للعلنية: “دعنا نحتفظ بهذه العلاقة سرية فهي توازي علاقات حب حقيقية بين عاشقين يبقيان دون زواج ومفضل أن يبقى الوضع كذلك”.

ولاحقا اعترف وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي خالطباري بأن العالم العربي هو الزوجة الشرعية بينما إسرائيل هي الفتاة العشيقة، منوها إلى أن الشاه بنفسه وصف العلاقة بهذه الروح بقوله “علاقاتنا بإسرائيل هي كعلاقة حب حقيقية خارج إطار الزوجية” ويتابع بوديه في هذا المضمار: “في 1972 وبعد لقاء بين رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مئير وبين الشاه قالت لموشيه ديان: ما رأيك بقصة الحب هذه بيني وبين الشاه؟ اعتقد أن العلاقة أفضل مما يجب”. ديان وهو صاحب تجربة طويلة بالخيانة الزوجية أجاب: مفّضل أن تكون العلاقة أحسن من اللازم بدلا من أن تكون أسوأ من اللازم”.

مع تركيا والأردن

وحول الأتراك قال بن غوريون طبقا للكتاب إنهم طالما تعاملوا مع إسرائيل كمن يتعامل مع عشيقة سرية فيستغلها ويستمتع معها لكنه لا يقول لها مرحبا في الشارع أما وزير الخارجية التركي فاطين زورلو فوصفها بالقول إنها كـ”علاقات حبّ بلا زواج”.

ويقول الكاتب الإسرائيلي إن الأردن ظاهرة استثنائية في منظومة العلاقات السرية مع إسرائيل ففي 1994 وقع اتفاق وادي عربة معها لكن العلاقات السرية سبقته وبسنوات كثيرة وتبدو كأنها مأخوذة من فيلم سينمائي. ومن ضمن هذه المنظومة السرية ترأست غولدا مئير وفدا من الوكالة اليهودية التقى الملك عبد الله في منتصف نوفمبر/ تشرين ثاني 1947 وعشية اتخاذ قرار التقسيم الأممي وفي اللقاء قال لهم إن البريطانيين راحلون وإننا سنبقى هنا وجها لوجه والصدام بيننا مضر للطرفين واقترح تقسيم فلسطين بين جمهورية عبرية مستقلة داخل دولة يترأسها هو، ويضيف بوديه “لكن رفض العرب لفكرة التقسيم لم يساعد في دفع الخطة. في 11 مايو/ أيار 1948 قبيل إعلان إسرائيل الاستقلال بأيام رافق عزرا دانين رئيس القسم العربي في مخابرات الهغاناه (شاي) غولدا مئير وقد تظاهرا بأنهما زوجان، فارتديا قبعة شركسية بينما ارتدت هي زيا عربيا وسارا في طرق ملتوية حتى وصلا قصر الملك في عمان وفي اللقاء اقترح عليهما تسوية الدولة الواحدة التي تشمل حكما ذاتيا لليهود على أن يتم ضم الدولة هذه للأردن بعد عام فأجابته غولدا مئير: “نلتقي بعد الحرب”.

33 لقاء سري مع الملك حسين

ويشير الكتاب لـ33 لقاء سريا بين الملك حسين ومسؤولين إسرائيليين من بينهم يغئال يادين وآبا إيفن في الفترة بين حربي 1967 و1973 من بينها لقاء تم في منطقة “مسادا” (وادي عربة) في 1973 جمع بين الملك حسين وبين غولدا مئير وموشيه ديان وقائد الجيش دافيد العازار ورئيس الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا وقد وصل الملك لوحده في مروحية.

وحسب الكتاب فاجئ ديان المجتمعين عندما عرض على الملك ممرا بريا بين عمان والقدس ووصاية على الأماكن المقدسة لكن الملك حسين فكر قليلا ورفض وقال “إذا لم تعيديو لي كل الأرض التي احتلتوها (1967) خلال 48 ساعة سيقتلونني”. كما يشير للقاء غولدا مئير والملك حسين داخل مكاتب الموساد قريبا من تل أبيب قبيل حرب 1973 بعشرة أيام وفي الاجتماع أوضح أنه غير معني بالانضمام للحرب لكنه يرغب بالظهور متضامنا مع سوريا ومصر كي لا يتهم بالخيانة فأرسل وحدة عسكرية أردنية لجبهة الجولان السوري.

وعن ذلك يقول بوديه إن وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر كتب في مذكراته بسخرية: “فقط في الشرق الأوسط يمكن أن يطلب طرف في الصراع إذنا من العدو كي يقوم بخطوة عسكرية ضده”.

ويرى بوديه أن إسرائيل أبدت براغماتية وابتدعت وسائل خلاقة في نسج علاقات تعاون سرية مع الأردن، المغرب، الأكراد في العراق، الموارنة في لبنان، المسيحيون في السودان ومع إيران وتركيا وإثيوبيا وعمان والسعودية مثلما أجرت اتصالات مع أنظمة معرفة كعدو من بينها مصر الناصرية والسودان وإيران الخمينية وكذلك سوريا والعراق وكل ذلك في محاولة لخفض منسوب التوتر ومساعدة يهود محليين وكي لا تبدو جسما غريبا في المنطقة.

موارنة لبنان

ويشير الكاتب لعلاقات قديمة جدا مع موارنة لبنان لكنه يوضح أن بعض هذه العلاقات كانت فاشلة كما يتجلى في اغتيال بشير الجميل في 1982 وينقل بوديه عن الجميل قوله “إن اللقاء الذي تم بينه وبين مناحم بيغن داخل مكاتب مصنع “رفائيل العسكري” في عكا كان أسوأ لقاء في حياتي”.

ويكشف بوديه أن بيغن وصل وزوجته لفندق في نهاريا المجاورة ومنه تسلل ليلا إلى عكا لكن صحيفة “دغفار” علمت باللقاء السري فكتبت محررتها بعد شهر: “لم يكن الجميل ليجلس على كرسي الرئاسة في بيروت لولا الدبابات التي أرسلتها إسرائيل لدعمه لكن رئيسها مناحم بيغن اضطر للقاء به تحت جنح الظلام وهذا عار”.

ويتابع “حينما سئل بيغن عن ذلك وعما إذا كان يصادق على لقائه بالجميل قال: “لا يسألون جنتيلمان أين كنت خلال الليل”، وبعد أسبوعين اغتيل بشير وارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا على مرأى ومسمع الجنود الإسرائيليين”. ويقتبس بوديه من مذكرات رئيس الموساد الأسبق مئير عاميت حول علاقات إسرائيل السرية بالأكراد الذين أهدوه دبّا في واحدة من زياراته لهم واحتفظ بصورة له معها منوها لرغبة إسرائيل إضعاف العراق من خلال التعاون مع الأكراد. كذلك يشير لدورها في حرب اليمن الأهلية في ستينيات القرن الماضي. وعن ذلك يقول بوديه “في أوقات مختلفة وفي ظروف متنوعة أقامت إسرائيل علاقات تعاون سرية وعملت على زرع وتعميق الفرقى بين دول عربية وكانت وسيطا بين بعضها وبين الولايات المتحدة وقد اكتشفت هذه الجهات في المنطقة قوة فيها يمكنهم استثمارها لخدم مصالحها”.

اتصال مع إيران برئاسة الخميني

ويستعرض بوديه سلسلة لقاءات سرية بين إسرائيل وبين أعدائها في المنطقة ويؤرخ لها، بعضها معروف من قبل وتوثيقه يطال مجالات التجارة بالسلاح مع إيران برئاسة الخميني ويكشف عن عرض إسرائيل بتسليحها بصاروخ يمكنه حمل رأس نووي وذلك قبل عامين من الثورة الإسلامية. كما يتطرق الكتاب لعلاقة إسرائيل بالسعودية بما في ذلك معلومات من الموساد حول مخطّط لاغتيال الملك السعودي ومحاولة سعودية لجس النبض لفحص جاهزية رئيس حكومة الاحتلال الراحل مناحم بيغن للحديث حول سلام.

ويحتوي الكتاب معلومات عن العلاقات العميقة بين إسرائيل والأردن قبل توقيع اتفاق السلام في وادي عربة عام 1994 وعلاقاتها مع اليمن والمغرب وعمان ودول أخرى لا توجد معها علاقات دبلوماسية.

وكيف يمكن كتابة مادة تاريخية حقيقية حول علاقات سرية بين دول والمؤسسة الأمنية في إسرائيل ترفض تسليم الباحثين مستندات تاريخية وكذلك وزارة الخارجية والحكومة تبقي وثائقها طي الكتمان فترة طويلة جدا؟ من جهته يعترف بوديه بأن النتيجة في مثل هذه الحالة تكون كتابة تاريخ جزئي لا يرى الصورة كاملة وهو يغفل أيضا احتمال واقعي بأن إسرائيل اهتمت بتسريب معلومات عن علاقات سرية بل المبالغة في طرحها لدواع دعائية مفهومة خاصة في فترة خلت.

منوها إلى أنه استعاض عن هذا النقص بالبحث عن مستندات أرشيفية بطرق التفافية وغريبة مثل مواد “ويكليكس” التي تلقي الضوء مثلا على أحداث حدثت في العقدين الأخيرين علاوة على أرشيفات أجنبية وكتب مذكرات ومقالات بعدة لغات ومقابلة نحو 100 شخصية من خريجي الموساد والشاباك ووزارة الخارجية وغيرها ممن اشتركوا بأنفسهم بحراك سري من بينهم رؤسا سابقون للموساد أمثال افرايم هليفي، تامير فاردو، شبتاي شافيط ورئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت.

ومن ضمن استخلاصات الكتاب الإسرائيلي أنه بخلاف مزاعم إسرائيل الرسمية وبخلاف تاريخها الصهيوني الرسمي بأنها كانت محاصرة معزولة ومحاطة بالأعداء وسط قطيعة معهم فقد أدارت علاقات سرية مع جهات كثيرة في المنطقة منها 13 دولة عربية وإسلامية وثلاث أقليات مسلمة ومسيحية. ويتابع “رسميا لا يحدث شيء فإسرائيل دولة منبوذة ولا يعترفون بها لكن من وراء الكواليس حدث الكثير من الاتصالات بل التعاون وتم التّستر عليها من قبل القادة الإسرائيليين لاعتبارات شعبوية وسياسية داخلية وربما لاستصعابهم تغيير معتقدات سيكولوجية ضمن رؤيتهم المفاهيمية للواقع”.

اللقاء السري في القاهرة

وضمن استعراضه الأمثلة على اللقاءات السرية يقول بوديه إنه قبل 100 عام من اجتماع النقب التطبيعي بمشاركة وزراء خارجية الإمارات، البحرين، المغرب ومصر التقى مندوبون عن الحركة الصهيونية مع قاة عرب في “محادثات سلام” سرية. حسب بوديه تم ذلك في القاهرة عام 1922 وكما في اجتماع سديه بوكير في النقب وقتها أيضا شارك في الاجتماع ممثلون عن المنظمة الصهيونية وممثلون عن الحركة القومية العربية في سوريا، لبنان ومصر وبرز في غيابه مندوب فلسطين. وطبقا لمزاعم بوديه فقد توصل المجتمعون بعد لقائين إلى نص متفق عليه يتحدث عن الحاجة “لإيجاد أرض مشتركة للاتفاق لصالح الشعبين العرب واليهود المنتمين لعنصر واحد ويتحدثون بلغة واحدة وهم أبناء حضارة شرقية واحدة”.

ويقول بوديه أيضا إن النص اقترح مبادئ توجيهية للتداول في قضايا أساسية مطروحة- الهجرة اليهودية والتعامل مع وعد بلفور الذي أعلن عنه قبل خمس سنوات من الاجتماع. وعن مخرجات الاجتماع يقول إن المجتمعين احتفظوا بالسرية لكن اتفاقا لم يولد وقتها ويتساءل هل أهدروا فرصة كان استغلالها ممكن أن يؤدي لمنع مقتل الآلاف من الطرفين خلال القرن المنصرم؟ وما يلبث أن يؤكد بوديه أنه غير مقتنع بأنها فرصة مهدورة بل تاريخ بديل لم يتحقق”. ويضيف عن ذلك “راجعت 28 حالة في إطار الصراع العربي- الإسرائيلي بحثا عن فرص مهدورة ووجدت أن بعضها تقشعر لها الأبدان لكن أحداثا أخرى كثيرة بدت فرصا مهدورة لم تكن فعليا كذلك بسبب الظروف”.

بوديه نفسه يعتبر أن الاتصالات السرية بين إسرائيل ومصر عشية حرب 1967 فرصة تمت إضاعتها لأنه كان بمقدورها منعها أو تأخيرها. ويدعي الباحث الإسرائيلي الذي شارك في هندسة اتفاقات أوسلو أن رجل الموساد مئير عاميت التقى عام 1965 في باريس جنرالا في سلاح الجو المصري يدعى محمود خليل كان مقربا من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. يقول إنهما تباحثا في نص تفاهم لخفض التوتر ومنع عمليات عدائية. في مذكرته السرية لرئيس حكومة الاحتلال ليفي أشكول قال عاميت إن فتحة ضيقة فتحت في اللقاء مع الجنرال المصري وينبغي التمسك بها لأنني فهمت أن لدى عبد الناصر رغبة لفحص إمكانية إجراء اتصال أو علاقة ونحن نتجه لصنع تاريخ هنا”. لكن القيادة الإسرائيلية كانت متشككة ورفضت العرض المصري بعقد اجتماع في القاهرة وكتب عاميت في كتاب يومياته عن خيبة أمله وتابع “حالة ضيق تلازمني وتلاحقني، 15 أو 17 سنة نحن نصرخ بأننا نريد الحوار وعندما تحين الفرصة نبدأ بالتردد وفحص تفاصيل التفاصيل وقد شعر المصريون بالإهانة وتم قطع العلاقة بسبب “حروب اليهود” الداخلية وعندما حاولت تجديدها في مايو/ أيار 1967 لمنع الانزلاق للحرب لم أجد جوابا”.

اعتراف مقابل رشوة

وأمام لقاء التطبيع الذي جمع دولا عربية مع إسرائيل ضد إيران بصفتها “عدو مشترك” فقد كان التاريخ ولابد ينظر من شرفته ساخرا فإيران ذاتها كانت الدولة الإسلامية الثانية بعد تركيا التي اعترفت بها فعليا في مطلع 1950، حيث وافق رئيس الحكومة الإيرانية وعدد من وزرائه على الاعتراف بها مقابل مال. ويشير بوديه وقتها لوجود مصلحة مشتركة اعتبرت عبد الناصر والقومية العربية تهديدا مشتركا لاستقرار المنطقة.

وحسب الكتاب فإن إيران قبيل ثورة الخميني وتحديدا عام 1977 تباحثت مع إسرائيل حول تطوير سلاح منها طائرات ودبابات بل صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية بشكل مشترك يجمع المعرفة الإسرائيلية مع مصانع على الأراضي الإيرانية. ويقدم الكتاب تفصيلا عن تشكيلات السلاح المشترك الذي تباحثت به إيران وإسرائيل بغية إنتاجه بشكل مشترك استنادا لمستندات “ويكليكس” التي تكشف أيضا أن الولايات المتحدة وقتها قيدّت كثيرا تطبيق هذه الصفقات المقترحة من قبل وزير الأمن الإسرائيلي الراحل عازر وايزمان.

وحسب الكتاب حاول وايزمان إقناع الولايات المتحدة بأن بيع سلاح إسرائيلي لإيران هو مصلحة أمريكية لجانب المصلجة الإسرائيلية لكن البيت الأبيض رفض لعدة أسباب من بينها الرغبة بعدم المساس بصناعات النفط. لكن الكتاب يتطرق أيضا لاتصالات إسرائيلية إيرانية جرت حتى بعد ثورة الخميني عام 1979 منوها إلى أن منطق هذا التعاون قام على المنطق إياه مع نظام الشاه: “عدو عدوي صديقي”. ويتابع “في 1980 كان صدام حسين عدوا مشتركا كبيرا لإسرائيل وإيران التي احتاجت لقطع غيار خلال الحرب مع العراق كون سلاح جيشها مصدره من دول غربية مما اضطر طهران لإبداء موقف براغماتي فيما كانت إسرائيل والولايات المتحدة تتطلعان إلى أن هذه الصفقات ستحسن العلاقات مع جهات معتدلة داخل المؤسسة الإيرانية الحاكمة وعلى أمل أن تمسك بدفة الحكم لاحقا.

فضيحة إيرانغيت

وحسب هذا الباحث الإسرائيلي باعت إسرائيل عام 1980 للنظام الإسلامي في إيران كميات أسلحة منها مدافع رشاشة وعجلات للطائرات من طراز فانتوم وذخائر وغيره- بواسطة تجار أسلحة إيرانيين وغيرهم وقد نقل بعض المقتنيات مباشرة إلى طهران ولكن في كثير من الأحيان تم ذلك من خلال شركات أوروبية للتغطية على مصدرها. ويشير إلى أن هذه الصفقات بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة كانت أساسا للعلاقة التي عرفت عام 1984 بـ”إيرانغيت” وبموجبها كان من المفترض أن تزود واشنطن طهران بسلاح عن طريق إسرائيل مقابل قيام حزب الله بالإعفاء عن رهائن أمريكيين أما المقابل المالي الذي سدد فكان يفترض أن تنقله وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) إلى مقاتلي منظمة “كونتارس” التي نشطت في نيكاراغوا لإسقاط النظام الشيوعي المدعوم من قبل الاتحاد السوفياتي. وتم فضح أمر الصفقة قبل إخراجها لحيز التنفيذ وشكلت نهاية التعاون الإسرائيلي الإيراني ومن وقتها تحولت إيران لعدو أساسي لإسرائيل وهذه بداية شق الطريق للتعاون الإسرائيلي الخليجي.

الاتصالات مع السعودية

ويكشف هذا الكتاب الإسرائيلي عن قيام إسرائيل بإجراء اتصالات مع السعودية بدءا من ستينيات القرن الماضي ويقول بوديه إن المواد عن هذه العلاقة السرية متقطعة لكنه يشير لوجود تعاون بين الجانبين تحول إلى نوع من التحالف السري على أساس مصالح مشتركة منها وجود أعداء مشتركين في المنطقة.

وفي هذا الإطار يروي الكاتب عن قيام دافيد كمحي أحد قادة الموساد في باريس بتحويل معلومات استخباراتية للملياردير عدنان الخاشقجي المقرب من العائلة المالكة (شقيق جمال الخاشقجي الصحافي الذي اغتاله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اسطنبول عام 2018). وتعلقت هذه المعلومات بشيوعيين عرب تدربوا في موسكو للنشاط من أجل زعزعة استقرار نظام الحكم السعودي. ويتابع “إسرائيل في 1980 حولت بواسطة الموساد ووكالة استخبارات عربية مثل هذه المعلومات عن مخطط لاغتيال الملك فهد وخلف الكواليس تم تبادل معلومات استخباراتية محددة بين إسرائيل والسعودية لفترة غير قصيرة”.

كما يستعرض الكتاب تعاونا اقتصاديا غير مباشر بين إسرائيل والسعودية بعد حرب 1967 عقب احتلال هضبة الجولان السوري والتي يمر منها خط النفط من السعودية إلى لبنان عن طريق الأردن وسوريا. ويقول بوديه إنه بالتنسيق معها الولايات المتحدة وافقت إسرائيل على مواصلة ضخ النفط السعودي دون الحصول على مكافأة مالية لقاء ذلك. ويعتبر بوديه في استنتاجاته أن السعودية قبلت مبكرا بإسرائيل بحدود 1967 وبحدودها الجديدة لكن الأخيرة فضلت تجاهل ذلك ثم حاولت السعودية التقرب منها عدة مرات مباشرة أو عن طريق الولايات المتحدة لكنها ظلت تتجاهل وتعتبرها عدوا ولم تدرك التغيير الحاصل في الموقف السعودي وأهدرت الفرصة لبناء علاقات أعمق”.

الملك فيصل ومحمد بن سلمان ولقائه بنتنياهو

ويشير في هذا المضمار للقاء تم في باريس بين البارون ادومون روتشيلد مع الخاشقجي بعد حرب 1967 من أجل ترتيب لقاء مع الملك فيصل في الرياض ليكون وسيطا بين إسرائيل والعرب. ويقول بوديه إن الخاشقجي طلب من روتشيلد أن يحمل رسالة من رئيسة حكومة الاحتلال وقتها غولدا مئير لكنه عاد خالي الوفاض.

ويشير إلى أن إسرائيل تلقت عام 1969 توجها من الملك فيصل للشروع بمحادثات بغية إحراز تسوية سياسية. ويؤكد بوديه أن إسرائيل أضاعت فرصة لإنتاج علاقة مباشرة مع السعودية من شأنها أن تؤدي لشق طريق دبلوماسية. ويضيف “إن رفض (التحرشات) السعودية للتقرب لإسرائيل مفاجئة ومخيبّة. لكن تحولا كبيرا تم في 2006 بعد حرب لبنان الثانية حيث أدت مصلحة مشتركة-الصراع مع إيران وحزب الله والإرهاب- لتقارب ين إسرائيل والسعودية وقد جاء لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عام 2020 قد أخرج هذه العلاقات لحيز الضوء. هذا الشهر قال بن سلمان في مقابلة: “نحن لا نرى بالسعودية عدوة بل حليفة ممكنة”.

وفي أعقاب توقيع اتفاقات التطبيع الأخيرة يبدو أن دولة الاحتلال تحولت من عشيقة سرية لزوجة معلنة لدى الجمهور بل شريكة ولكن هناك من يواصل تفضيل العلاقة السرية معها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية