هناك في مصر ثلاث قضايا تستحق الاهتمام، من بين مئات القضايا العالقة، التي تحتاج الى علاج ناجع وحاسم. هذه القضايا هي، تصويت العسكريين، وسد النهضة في اثيوبيا، وحركة اتمردب. بالنسبة للقضية الاولى وهي تصويت العسكريين، فقد أثار قرار المحكمة الدستورية بشأن حق العسكريين في التصويت عواصف كبيرة. كانت الدستورية تبدى ملاحظاتها على قانون انتخاب مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية، فإذا بها تثير قضية كبيرة لها ما بعدها، هي السماح لضباط وافراد القوات المسلحة والشرطة بالتصويت في الانتخابات. قامت القيامة السياسية ولم تقعد حتى الان. هناك من انتقد القرار بشكل لاذع، وهناك من رأى أنه حق وليس واجبا، إذ أن ضباط وأفراد الجيش والشرطة جزء من اكلب التي ينص عليها الدستور. أما الذين عارضوا القرار فيرون مجموعة من النقاط السلبية في عملية تصويت العسكريين، لأنها تؤدي الى انشغال العسكريين بالسياسة، وانقسام أفراد الجيش والشرطة سياسيا، وربما يزيد التوتر القائم والصراع بين الأحزاب التي تتسابق لكسب أصوات العسكريين بأي ثمن، وقد لا يضمن الشعب عواقب سلامة العملية الانتخابية التي يؤمنها العسكريون. صحيح ان منع العسكريين من التصويت يبدوغير دستوري، ومن الواجب احترام الحقوق المنصوص عليها في الدستور لكل المواطنين، لا فرق في هذا بين مدني وعسكري. ولا يعني ذلك القرار والحق، إن كان واجبا أو غير واجب، إنه في صالح الوطن أو وحدة المؤسسة العسكرية والشرطة، وانه واجب النفاذ. وطبعا في هذا المقال او غيره مما يتناول أحكام القضاء، فإننا لا نتدخل في القضاء، ولا ينبغي لأي مواطن أن يفعل ذلك، إلا أولئك الذين لهم الحق في الطعن وخلافه، ولا نسعى للتأثير في هذه الدائرة، ولكنني هنا أناقش النتيجة للقرار كما أتوقعها بعد القيام بتحليلها.
السياسة عادة ما تتعرض لضغوط ونكسات الى جانب النجاحات، لأنها تتميز من بين ما تتمييز به بالحزبية والاستقطاب، وأحيانا التعصب للأحزاب والأفراد والجماعات والحركات، ولكن القوات المسلحة والشرطة يجب أن تظل أجهزة وطنية، تسعى لتحقيق أهداف الوطن، وتحمي من يسعى لتحقيقها، وهي فوق الأحزاب، وأهدافها أكثر شمولا واتساعا من أهداف الأحزاب. ستزداد الاتهامات الموجهة الى العسكريين كثيرا عن الصراع أو نظر قضايا تخص الأمن الوطني والقومي، ويكون مسؤولا عنها سياسيون، خاصة الكبار. هذه هي القضية الأولى التي أرى أن أضرارها أكثر من نفعها المتوقع، أو الحق الأصيل للمواطن أكان عسكريا أو مدنيا. وقد أعجبتني تصريحات للفريق السيسي يؤكد فيها أن القوات المسلحة المصرية لن تتسيس، ولن تتحزب ولن تنجر الى أمور غير غايتها ومسؤوليتها، ولن تكون إلا مؤسسة وطنية مسؤولة عن أمن شعب مصر. أما القضية الثانية فهي سد النهضة في اثيوبيا وبصرف النظر عن الاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الشأن بين مصر والسودان واثيوبيا، سواء في العشرينيات أو الخمسينيات من القرن الماضي، وبصرف النظر عن اليد الاسرائيلية الصهيونية وراء ذلك، لتدمير ما تستطيع تدميره من العالم العربي وتحول دون تنميته، والمياه من أهم عناصر التنمية، وبصرف النظر عن تراجع دور مصر في القارة الأفريقية، التي يحاول د.مرسي استعادته اليوم، بكثرة التنقل والسفر ان أمكن ذلك، بغض النظر عن كل تلك القضايا، ومنها ما هو استراتيجي وحيوي، إلا أننى فوجئت بالضبابية وعدم الشفافية التي تخلف معالجة هذا الموضوع على مستوى الرئاسة، اي الوطن وصولا إلى مستوى الاعلام. قرأت في الصفحة الاولى من االاهرامب يوم الأربعاء 29 ايار/مايو 2013 ما يلي بالنص :’وقد أثار القرار الإثيوبي ردود فعل رسمية وشعبية واسعة داخل مصر، حيث تحصل مصر والسودان على نحو58′ من مياه النيل من النيل الأزرق.
وقال عمر عامر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية إن ما أعلنت عنه إثيوبيا من قرار تحويل مجرى النيل الأزرق، لن يكون له تأثير سلبي على كميات المياه التي تصل إلى مصر، مشيرا إلى أنه إجراء هندسي. وأوضح في مؤتمر صحافي بمقر الرئاسة أمس، أن مصر تنظر إلى قرار إثيوبيا باعتباره إجراء طبيعيا، مشيرا إلى أن هناك لجنة ثلاثية من مصر والسودان وإثيوبيا، من المتوقع أن تقدم تقريرا حول الموضوع، وأن مصر سوف تعلن موقفها بعد صدور التقرير.
وصرح الدكتور محمد بهاء الدين، وزير الموارد المائية والري، بأن ما قامت به إثيوبيا مجرد إجراء هندسي بحت، يتم عند مواقع إنشاء السدود، ويهدف إلى إعداد الموقع لبدء عملية الإنشاء، مؤكدا أن عملية تحويل المجرى لا تعني منع جريان المياه التي تعود من خلال التحويلة إلى المجرى الرئيسي مرة أخرى. وأكد بهاء الدين أن البدء في إجراءات إنشاء السد من جانب إثيوبيا، لا يعني موافقة مصر على إنشاء سد النهضة، لأن مصر مازالت تنتظر نتائج أعمال اللجنة الثلاثية.
وأشار إلى أن موقف مصر المبدئي هو عدم القبول بأي مشروع يؤثر بالسلب على التدفقات المائية الحالية، وكشف الوزير أن هناك عدة سيناريوهات جاهزة للتعامل مع جميع النتائج المتوقعة، والمبنية على التقرير الفني إلى الجامعة، الذي ستقدمه اللجنة الثلاثية. وقال السفير محمد إدريس، سفير مصر في أديس أبابا، إن بدء إثيوبيا تحويل مجرى النيل الأزرق لا يعني قطع المياه، ولكن يعني إفراغ الموقع المخطط تمهيدا لبناء السد. وأضاف أن تحويل مجرى النهر لا يؤثر على المياه التي ستصل إلى المجرى من مسار آخر، وأن القرار لم يكن مفاجئا، فقد تم اتخاذه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
ومن جانبه، وصف كمال حسن السفير السوداني بالقاهرة ومندوبها بالجامعة العربية، قرار إثيوبيا بالصادم، وقال إن مصر والسودان قد تلجآن إلى الجامعة العربية لبحث الأمر، وأشار إلى أن هناك اتصالات متواصلة بين السودان ومصر لبحث القرار الإثيوبي المفاجئ. وقال المهندس عبدالنبي عبدالغني رئيس شركة المحطات المائية لإنتاج الكهرباء من السد العالي، إن محطة إنتاج كهرباء السد العالي سوف يتأثر إنتاجها من الكهرباء جراء تحويل مجري النيل الأزرق، لأنها تعتمد في تشغيلها على منسوب ضخ المياه، وإذا قل المنسوب يقل إنتاج الكهرباء.
وأكد الدكتور محمود أبوزيد وزير الري الأسبق، أن تحويل مجرى النيل الأزرق أمر طبيعي، ولكن الخطوة الأكثر خطورة هي بناء سد النهضة نفسه لما سوف يترتب عليه من آثار خطيرة، مطالبا الحكومة المصرية بضرورة التحرك الفوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على حد قوله.
أما رئيس تحرير االأهرامب عبدالناصر سلامة فيقول في نفس الصفحة الأولى:
‘بالتأكيد من حق الشعب المصري أن ينتفض ويشتاط غضبا إثر الإعلان الإثيوبي المفاجئ بتحويل مجرى النيل الأزرق للبدء في إنشاء سد النهضة، لأن هناك لجنة فنية مشتركة من الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، مازالت مجتمعة بمساعدة خبراء دوليين لتقييم آثار هذا السد وتقديم تقرير شامل، كان من المفترض أن تنتهي من أعمالها (الثلاثاء 28/5/2013)، إلا أن إثيوبيا لم تنتظر حتى تنتهي اللجنة من عملها وسارعت بهذا الإعلان لفرض الأمر الواقع.
والحقيقة التي يجب أن نعترف بها هي أننا أمام أمر واقع بالفعل، أسهمت فيه قوى دولية بالدراسة والتمويل والتنفيذ، وأخرى إقليمية شقيقة وصديقة، تقدمت بطلبات لإقامة استثمارات زراعية هناك، أي أننا قد نكتشف أننا أمام مؤامرة واضحة المعالم، لم تبدأ الآن، وإنما بدأت منذ نيسان/أبريل2011 حينما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آنذاك عن البدء في التنفيذ، وما يؤكد ذلك هو إسناد مهمة إدارة وتوزيع ونقل الكهرباء الناتجة عن السد لشركة إسرائيلية.
ولأن الأمر كذلك، فنحن أمام قضية فرضت نفسها، ربما هي أخطر ما واجهته السياسة الخارجية المصرية على مدى عقود عديدة، إلا أنه من المهم رصد مجموعة نقاط أساسية، هي إن الشفافية قد غابت منذ البداية عن الرأي العام في ما يتعلق بهذا المشروع منذ الإعلان عنه، أي على مدى ثلاثة أعوام، بل حدث ما هو أخطر من ذلك، وهو أن التصريحات الرسمية المطمئنة، قد تعارضت تماما طوال الوقت مع آراء الخبراء في تقييم آثار السد، الذين رأوا أنه سوف يمثل كارثة بكل المقاييس، سواء على مستوى المياه، وجفاف الأراضي الزراعية، أو على مستوى الكهرباء، ومدى تأثر ناتج السد العاليب. انتهى كلام رئيس تحرير االأهرامب.
ويرى عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية السابق، أن هذا العمل يمثل تحولا تاريخيا في مسار مياه نهر النيل. ويرى ضرورة المفاوضات مع أثيوبيا وفق خطة واضحة المعالم وفاعلة مع دول حوض النيل، أما د.حسين العطفي وزير الري الاسبق، فيرى أن اثيوبيا تتصرف وهي تدرك ضعف مصر وتدرك جيدا وضعها المائي الحرج ومحدودية حصتها من مياه النهر. ويرى ضرورة البدء بالعمل والمصارحة لتوفيق الرؤى والوصول الى حل مناسب للجميع.
أما الدكتور وحيد عبد المجيد، فيرى أن اثيوبيا كانت تسعى لاقامة السد من قديم وأنها وجدت أن السلطة القائمة في مصر ليست معنية كثيرا بمصالح الدولة المصرية والشعب المصري، وأنها معنية أكثر بمصالح الجماعة التي تمثلها السلطة، وتركيزها على مشروع الأخونة أكثر من حماية الدولة نفسها، ويرى أن هذه الخطوة تعكس استهانة من جانب اثيوبيا بالسلطة القائمة في مصر واعتقادها أنها لا تفعل شيئا تجاه الازمة’، لك الله يا مصر.
أما القضية الثالثة فهي قضية اتمردب فسنناقشها في مقال قادم بمشيئة الله تعالى، لضيق المجال اليوم.
‘ كاتب مصري