بالضبط حين كفت الريح عن أن تحمل معها البالونات من غزة، هبت علينا الأوبئة العالمية واستقبلت كنسيم ريح منعشة. مرة أخرى يمكن أن نفتح الغرف الحربية ونأمر ونوجه ونصدر التعليمات لإدارة الأزمة. لقد بات ممكناً أن نراهن على توقع الحالة: في انتخابات صيف 2020 ستحتل الكمامات البيضاء محل السترات السوداء. ليس كمثل الوباء لتعطيل السكرة التي تلي ليلة انتخابات بائسة انتهت مرة أخرى بإعلان مسبق بالنصر. منذ سنين والجمهور الإسرائيلي يعيش أعراض الإشفاء من انصراف التهديد الوجودي. فالبالونات والطائرات الورقية لم تنجح في أن تكون بديلاً مرضياً، ولكن في الوباء العالمي ينطوي الآن على احتمال لمواصلة الإبقاء على الناخبين في وضع مرغوب فيه من القلق. هذا هو المكان الذي ترتبط فيه مصالح وسائل الاتصال والسياسيين: الفزع يجلب التغطية الإعلامية، والهستيريا توقف التطلع لزعيم قوي.
لم يوفر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الصحة يعقوب ليتسمان الفرصة والقبض ببهجة على الفيروس الجديد في ظل فرضهما الإغلاق شبه التام على الدولة وشلل معظم النشاط المدني فيها. المناسبات الثقافية فيها تلغى، صناعة الطيران والسياحة تنهار، النشاط التجاري يتباطأ، وآلاف الإسرائيليين (بحساب حذر) يوشكون على إضاعة رزقهم. المهم ألا يمرضوا بالإنفلونزا.
“من الأفضل الحذر على الندم”، يقضي القول المأثور الذي ثبته ذات مرة كاتب إيرلندي، ولكنه لم يقصد أن تقطع لنفسك القدم كي تمتنع عن إظفر منغرس في اللحم. فبعد ثلاث حملات انتخابية كلها جاءت لإنقاذ شخص واحد من وضعه القضائي، من الصعب ألا يشتبه في الخطوات الهستيرية التي اتخذت هذا الأسبوع أنها لم تأت إلا لخدمة الغاية ذاتها.
عندما يأتي كل شيء لإنقاذ رئيس الوزراء من ربقة القانون، فلا أساس حقيقياً للوحدة، ونتائج هذه الانتخابات أيضاً ستؤدي إلى مأزق سياسي. هذه هي لحظة “أزرق أبيض” لإبداء زعامة مسؤولة لم تظهر فيهم في حملات الانتخابات الثلاثة السابقة: الشكر من كل القلب لرئيس الوزراء في أنه اختار “ألا يشعل الشرق الأوسط” (مع أن هذا كان سيخدمه، على حد تعبيره) واستبداله بحكومة ضيقة.
لا حاجة بها لأن تكون حكومة مستقرة وطويلة الأيام. تحتاج إلى أن تربط كل الأصوات (62) التي صوتت ضد استمرار ولاية نتنياهو ولو للحظة واحدة. وحتى لو سقطت في تصويت لحجم الثقة صباح الغد، فإنها ستصبح حكومة انتقالية تدار وفقاً لاعتبارات لن تملى بما سيحصل بين جدران قاعة المحكمة المركزية في القدس. يمكن لليبرمان أن يشكل فيها جسراً يدعو رفاقه في الليكود للانضمام، وإذا امتنعوا – فسنتوجه إلى انتخابات رابعة. يمكن لهذه أن تكون حكومة موضوعية، لا تنشغل بالتعيينات وبالتشريعات لمجرد تحسين المواقع في المحاكمة، وحتى لو أدت إلى الانتخابات، فإنها ستأتي بعد أشهر يتوقف فيها جنون ربط دولة كاملة لإنقاذ متهم واحد وستجري بين المواقف وليس بين المعسكرات التي تكره بعضها. انتخابات كهذه قد تشكل لنا تجربة إصلاحية تذكرنا لماذا تعدّ الديمقراطية شكل الحكم الأفضل.
إن الارتباط بين “أزرق أبيض”، و”إسرائيل بيتنا” والقائمة المشتركة ليس سهلاً ومريحاً، حتى لو دار الحديث فقط عن تأييد من الخارج من جانب المشتركة ليوم واحد. ولكن الساعة تطلب ربطاً وظيفياً كهذا، يسمح بتشكيل حكومة مسؤولة تعالج الأزمات التي أمامنا ليس انطلاقاً من رعب لائحة الاتهام التي تحوم فوقها.
انتخابات حقيقية
إن التحدي الأمني الحقيقي هو في الشمال وليس في كورونا، والتفكير بأن رئيس الوزراء حتى لو كان تسلى بفكرة استخدام التحديات الأمنية التي لإسرائيل.. مقلق جداً.
بعد الصدمة من تصفية سليماني عاد حزب الله إلى جهود استئناف مشروعه للصواريخ الدقيقة. فجهوده لإعادة إشعال جبهة هضبة الجولان في الأسابيع الأخيرة تبدو مثل رد فعل على العملية المنسوبة لإسرائيل، التي آلمته في لبنان. على إسرائيل أن تواصل إحباط مساعي دقة الصواريخ لحزب الله، ولكن أن تدير هذا بحكمة ودون أن تنجر إلى أثمان المواجهة الواسعة. بيني غانتس ليس الرجل الذي يشعل المنطقة، لأن هذا سيخدمه سياسياً، والجيش الإسرائيلي تحت وزير الدفاع غابي اشكنازي لن ينشر أشرطة الإرث القتالي عن الحملة المجيدة لهدم منزل مخرب في رام الله، مثل الشريط الذي أصدره هذا الأسبوع. كما أن تصريحات الضم العليلة التي فضلاً عن إيقاظها للإرهاب لا تساهم لنا بشيء، فتخزن تحت مثل هذه الحكومة. مثل هذه الحكومة، حتى لو كانت حكومة انتقالية، ستفرض على المنتخبين العرب أن يختاروا بين الشراكة والانعزالية. من نقطة مراقبتي الواسعة، وإن كانت غير علمية، فإني على قناعة بأن معظم المصوتين العرب سيفضلون الشراكة. إن النتيجة التي حققتها القائمة المشتركة هي النتيجة الدراماتيكية لهذه الانتخابات: فإنها تفرض علينا أيضاً، نحن الأغلبية اليهودية، أن نفكر بمكان خُمس سكان الدولة التي حكم علينا وعليهم أن نعيش بشكل مشترك.
إن عدم الحسم في نتائج الانتخابات هذه يجب أن يستبدل به عمل مصمم، حتى لو أدى إلى انتخابات أخرى، ولكن على أن تكون هذه انتخابات حقيقية بين بدائل وطنية وألا تدور فقط على مستقبل شخص واحد. المجتمع الإسرائيلي المنهك من جولات الانتخابات العنيفة التي مررنا بها، لا يحتاج إلى مزيد من التهديدات، والتخويفات والأوبئة – يحتاج إلى أمل.
بقلم: الون بن دافيد
معاريف 6/2020