ما نوع المستقبل الذي تتمناه لنفسك؟ هذا التساؤل كان من السهل علينا جداً الإجابة عنه عندما كنا صغار، فعندما كان يوجه لنا شخص ما هذا السؤال، كانت إجاباتنا تنهمر على سمعه وكأنها فيضان من الأماني المشروعة التي تحتاج لتخطيط على الأمد البعيد. لربما كانت إجاباتنا نابعة من براءة الطفولة، أو من آمالنا العريضة، أو بالأحرى من محدودية نظرتنا المستقبلية. وعندما كبرنا، لم يعد بمقدورنا الإجابة على هذا التساؤل بسهولة. وكلما فهمنا ما يدور حولنا، واتسع لدينا مجال رؤية ظروفنا الحقيقية، ومدى ملاءمتها لآمالنا، نصمت إذا تم توجيه سؤال كهذا لنا. جل ما يبغاه المرء هو رغد العيش الذي توفره حياة سهلة خالية من التعقيدات، تتوافر فيها أغراض لا تتطلب بذل مجهود كبير للتمتع بها.
ولما كان رغد العيش لا يمكن أن يتوافر للجميع؛ بسبب ضعف الإمكانيات المادية، بل ويشق على الكثير التمتع حتى بفتات الحياة الرغدة، ظهر عالم التكنولوجيا ليوفر قبساً من حياة هانئة تطال كل فرد على حد سواء. فبالنظر للهيئات الحكومية في دول العالم الثالث، نجد أننا جميعنا قد مستنا بشكل أو بآخر ويلات التعامل مع الموظف الكسول الراغب عن تأدية المهام المنوطة به لخدمة المواطنين، على الرغم من أنه يعمل في وظيفة حكومية خدمية، وأن تيسير خدمة المواطنين هو لب أعباء وظيفته. ولا يمحي أبداً من ذاكرتي ما حدث لأرملة تسعى لاستخراج معاش زوجها – الذي توفاه الله – بأقصى سرعة؛ لأنها وأولادها الصغار في أمس الحاجة المادية إلى جنيهات المعاش. لكن على مدار عام كامل، كان الموظفون بهيئة التأمينات الاجتماعية يردونها بخيبة الأمل؛ بحجة أنهم لا يجدون ملف زوجها. وأخيراً، تم اكتشاف أن الملف قد قذفه أحد الموظفين بإهمال ليستقر خلف إحدى الخزانات. وبدلاً من البحث عن الملف، استسهل الموظفون رد السيدة المكلومة خالية الوفاض، لكن، تم وضع حد لمواقف شبيهة بذلك الموقف المخزي مع انتشار شبكات البيانات والمعلومات، التي سهلت الغالبية العظمى من المهام المنوطة بالموظفين المقصرين، بل صار من الصعب وجود حالات شبيهة. ولم يقف التأثير الإيجابي للرقمنة على قواعد البيانات، بل تخلل إلى توفير سبل الراحة لكل فرد لتسهيل التعامل مع الحاضر، والتحفيز على تخطيط المستقبل. فعلى سبيل المثال، تم توفير العديد من الوظائف التي لا تتطلب التواجد الدائم، أو حتى التواجد على الإطلاق في مقر العمل. فتوافر وظائف يمكن تأديتها من داخل المنزل سهلت الأمر على كثير من السيدات اللاتي يتحتم عليهن كسب قوتهن، ورعاية أطفالهن في آنٍ. وأيضاً، أرست الوظائف الإلكترونية قواعد المساواة لكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة. أضف إلى ذلك، العمل داخل المنزل، منح العاملين حرية عدم التعامل مع البشر، الذين قد يسببون الإزعاج للآخرين، وينغصون عليهم حياتهم بالمكائد. ومن أعظم فوائد الرقمنة أنها قامت بحماية أجيال ناشئة من التعامل مع المتنمرين داخل جدران المدارس، وفي حجرات الدرس؛ حيث سهلت مهمة الآباء الذين اختاروا حماية أولادهم بالتعليم داخل المنزل، عوضاً عن الذهاب للمدرسة، والاختلاط بأقران ليسوا على مرتبة الرقي والحساسية، أو التفهم نفسها.
الهجمات السيبرانية على إستونيا سبقها بعدة سنوات هجمات على المواقع الإلكترونية المهمة في أمريكا بدأت عام 2003 واستمرت على مدار ثلاث سنوات، وكانت تعرف باسم «مطر العملاق» Titan Rain، والتي قيل إن الصين هي التي كانت تشنها على الولايات المتحدة.
وبدون أدنى شك، لو كان الحاسوب هو «الثورة»، نجد أن شبكات الإنترنت العنكبوتية هي النافذة التي تطل بها هذه «الثورة» على العالم بأسره لتمنح كل فرد خصوصية لطالما حلم بها، وتوفر له صوتا حرا مستقلا يعبر به المرء عن آرائه وآماله بكل وضوح وشفافية، بدون أدنى خوف. ولتوكيد حق كل فرد في الخصوصية والحرية، أكد مخترع الشبكة العنكبوتية الذي يلقب بـ«أبو الإنترنت» العالم والمهندس الإنكليزي تيم بيرنرز لي (المولود عام 1955، ولا يزال على قيد الحياة) أن «تم تصميم الإنترنت بحيث يكون محاكاة تقريبية لنظام لامركزي. وفي الوقت الحالي، تتواصل الدول مع بعضها بعضا بطرق شتى، ومن ثم لا يوجد مفتاح إيقاف واحد، وليس بمقدور أيِ كان أن يوقف شبكات الإنترنت في العالم بأسره بضغطة زر». ومن ذلك المنطلق، تسابقت الدول في أن تكون آية من التقدم والرقمنة؛ لتصير مثالاً يحتذى به. وظهرت دولة إستونيا على رأس الدول الأوروبية التي جعلت من نفسها آية من التقدم والرقمنة، ومثالاً تتوق كل بلاد العالم أن تحذو حذوه. فقد وفرت إستونيا الرفاهية والخصوصية الرقمية لجميع مواطنيها؛ حيث تحولت إلى «مجتمع إلكتروني»؛ فقد ربطت جميع هيئات وشبكات الدولة الخدمية والحكومية والخاصة، بل حتى البنوك على شبكات بيانات عملاقة لتنفذ جميع أعمالها بكل سهولة ويسر، بدون اتخاذ أي إجراءات ورقية. وضم هذا «المجتمع الإلكتروني» في جنباته أعمال الأحزاب السياسية، وأعمال البرلمان الإستوني، وحقوق التصويت إلكترونياً. وكانت دولة إستونيا أول بلد في العالم تجعل من الاتصال بالإنترنت حقاً إنسانياً يتمتع به جميع أفراد الشعب البالغ عددهم 1.316 مليون نسمة، والذين طاب لهم إجراء جميع التعاملات النقدية إلكترونياً، إلى أن صار 99.9 ٪من التعاملات المالية تتم عن طريق خدمات مصرفية إلكترونية.
وشهد يوم 27 إبريل/نيسان من عام 2007 تبخر ذلك الحلم الإستوني بضغطة زر واحدة. فقد كانت دولة إستونيا أول دولة في العالم تتعرض لهجوم سيبراني كاسح شنه عليها الكرملين. والسبب، رغبة الكرملين في تلقين إستونيا درساً لن تنساه أبداً. وقد نجم موقف الكرملين شديد العدائية هذا إزاء دولة إستونيا من جراء رغبة من إستونيا في نقل نصب تذكاري يرجع تاريخه إلى الحرب العالمية الثانية، يمجد ذكرى انتصار روسيا في الحرب. وهذا النصب التذكاري عبارة عن تمثال من البرونز، تم وضعه في وسط مدينة تالين ليكون رمزاً للحرية. وبمجرد إبداء إستونيا رغبتها في نقل النصب التذكاري، أخذ الكرملين يكيل لإستونيا التهديد والوعيد، وانهالت على إستونيا تهديدات بفرض عقوبات من قبل الكرملين عقبت الخطوة التي اتخذتها إستونيا. أضف إلى ذلك، اعتدى مشاغبون على السفير الإستوني في موسكو. وفي إثر هذه الأحداث، تم شن هجمة إلكترونية شرسة من قبل الكرملين، ضربت مواقع الأجهزة الحكومية الإستونية، والبرلمان، والأحزاب السياسية، والصحف والبنوك وإشارات المرور، وجميع مرافق البلاد. وقد استمرت الهجــمات الإلكترونية على إستونيا على مدار ثلاثة أسابيع، وكانت الهجمات يتم تنفيذها على هيئة دفعات لتصيب أستونيا بشلل تام فعليّ تم خلالها اختراق جميع قواعد البيانات بالدولة وضربها من قبل قراصنة الكمبيوتر. وبهذا، كانت دولة إستونيا أول دولة في العلم تتعرض لحرب إلكترونية، أردفتها حرب معلومات كاسحة، ما أصاب البلد بالشلل التام.
ومن الجدير بالذكر، أن الهجمات السيبرانية على إستونيا سبقها بعدة سنوات هجمات على المواقع الإلكترونية المهمة في أمريكا بدأت عام 2003 واستمرت على مدار ثلاث سنوات، وكانت تعرف باسم «مطر العملاق» Titan Rain، والتي قيل إن الصين هي التي كانت تشنها على الولايات المتحدة. ويلاحظ أن الحرب الإلكترونية على إستونيا لم تكن الأولى من نوعها، لكنها أيضاً لم تكن الأخيرة. فقد شهدت مصر عام 2010 انقطاع خدمة الإنترنت عن البلاد، انقطاعا تاما حين قامت الدولة بقطع الخدمة عن البلاد لفض تظاهرات عام 2010 الكاسحة.
أما عن إقليم كشمير في الهند، فهو ساحة مستديمة لقطع خدمة الإنترنت بشكل تام ومتواصل من قبل الحكومة الهندية؛ لأنه منطقة قلاقل سياسية، ودوماً ما تحدث اشتباكات حدودية بين الهند وإقليم كشمير. ومن ثم، الحرب السيبرانية على إقليم كشمير هي أسلوب إذلال وإخضاع. أما أحدث الحروب السيبرانية الموسعة التي شهدها العالم مؤخراً ما حدث في تركيا عام 2016 حين قطعت السلطات خدمة الإنترنت عن البلاد لخمد احتجاجات المتظاهرين.
ولم ولن يقف الأمر عند هذا الحد، فقد صار قطع الإنترنت عن البلاد إجراء سياسيا متبعا عالمياً تحت ذريعة حماية البلاد والمواطنين، إذا كان من قبل السلطات الحاكمة. أما إذا كان من قبل دولة أخرى، فهو وسيلة لتركيع وإذلال الخصم. فقد بدأت رؤية تيم بيرنرز لي في التبدد بعد أن صارت لا مركزية الإنترنت مهددة بعد أن طالتها القرصنة، والحروب السيبرانية. أما عن حرية الرأي، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان والوظائف وحماية النشء من التنمر، وغيرها الكثير والكثير من رفاهيات العالم المرقمن، فجميعها مآلها التلاشي، وكأنها لم تتواجد قط، من جراء كبسة زر واحدة الغرض منها قطع شرايين الحياة عن جميع منابر الدول والشعوب. حقاً، مركزية العالم المرقمن تثبت يوماً تلو الآخر أنها ضرب من ضروب الأساطير لطالما لا يمكن التكهن بمن بيده الزر.
٭ أكاديمية مصرية
موضوع مهم و عميق احسنتى يا دكتورة
الحروب الالكترونيه اصبحت الاهم بعصرنا من هنا نذكر حادثه قطر وجاراتها والعداء المستمر من سنتين تقريبا وشرارته كانت قرصنه على مواقع اخباريه تابعه لقطر من جيرانها.نحن دكتوره نعيش حرب الكترونيه والزر بيد قراصنه يعملون تحت اوامر دول. رائعه دكتوره بكل ما تسطرين .يسعد صباحك بكل خير