اسطنبول: تشهد تركياً سنوياً تصوير نحو 60 مسلسلاً تغزو الشاشات في مختلف العالم، وقد أثبتت مكانتها في هذا القطاع في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، وأصبحت المصدر الثاني للمسلسلات بعد الولايات المتحدة، في نحو 170 دولة.
في سماء حي توباني في اسطنبول، يُرسل سرب من طيور النورس للتحليق تزامناً مع تسيير طائرة “درون” تصوّر شرطياً يعتقل امرأة في الشوارع ضمن مسلسل تلفزيوني يحمل عنوان “ديغينلر”.
ويقول إردي إسيك، مدير التطوير في “آي يابيم”، أبرز شركة مصدّرة للأعمال التركية في العام الفائت ومنتجة مسلسل “يارغي” (“القضاء” بالنسخة الموزعة في العالم العربي) الفائز بجائزة إيمي عن أفضل مسلسل تلفزيوني في تشرين الثاني/نوفمبر، “إنّ الأميركيين اللاتينيين يعتبرون أنّ المسلسلات التركية قريبة جداً من ثقافتهم”.
ويضيف “عندما أعرض مشاهد من مسلسلات على إحدى اللجان، وحتى لو لم يكن أعضاؤها يفهمون التركية، يستنتجون موضوع العمل لأن ثقافة الأسرة متشابهة إلى حد كبير”.
وتتيح قيود الرقابة المفروضة في تركيا إنتاج أعمال درامية لا تتخطى الخطوط الحمر في المجتمع إجمالاً، ما يحمل أهمية للمشاهدين من الشرق الأوسط والدول الناطقة بالإسبانية التي اعتاد سكانها على مشاهدة المسلسلات التلفزيونية عائلياً.
ويقول إردي إسيك “نحن نفكر في السوق التركية أولاً”، رغم “أننا نختار ممثلين يلبّون التوقعات العالمية”، متحدثاً عن حوالى 20 ممثلاً تركياً يحظون بشعبية كبيرة خارج تركيا.
– مواضيع تاريخية أو عائلية –
وقد حقق مسلسل آخر هو “كان يا ما كان في تشكوروفا” (Bir Zamanlar Cukurova بالنسخة التركية الأصلية)، نجاحاً مع فوزه بجائزة أفضل مسلسل تلفزيوني للعام 2020 في أميركا الجنوبية، بالإضافة إلى نيل بطلته مكافأة عن أدائها.
وتحظى المسلسلات التركية التي تتناول مواضيع تاريخية أو مكائد عائلية أو قصص حب، بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول البلقان، وكلّها كانت تخضع لحكم السلطنة العثمانية. وهذه المسلسلات رائجة أيضاً في الولايات المتحدة حيث اجتذبت جمهوراً من ذوي الأصول اللاتينية.
ويقول كزافييه رامبير، رئيس قسم الأبحاث والتسويق في شركة “غلانس” المتخصصة في إحصاء المتابعين، إنّ “المسلسلات التركية تُبث في أوقات ذروة المشاهدة في إسبانيا والمملكة العربية السعودية ومصر”، مشيداً بـ”التأثير الذي تحمله هذه الأعمال”.
ويضيف “إن قدرة الأتراك على توفير كميات كبيرة من المحتوى بتكاليف مضبوطة تتيح ملء البرامج بأسعار معقولة”.
وفي المجموع، تستقطب المسلسلات التركية نحو 700 مليون مشاهد عالمياً، بحسب وزارة الثقافة التركية.
وتقول أوزليم أوزسومبول، وهي مديرة للمبيعات في شركة “ماد” التي توزع مسلسلات من إنتاج “آي يابيم”، إن النجاح يعود أيضاً إلى جودة الأعمال، مضيفةً “نحن دائماً نصوّر في المواقع الفعلية” للأحداث الواردة في القصة بدل التصوير في استوديوهات.
وتُكتب كل حلقة لتصويرها في الأسبوع التالي، استناداً إلى حبكة عامة تتطور لتتكيف مع المشاهدين. فحلقة مدتها ساعتان قد يُكتب السيناريو الخاص بها وتُصوّر ويجري إنتاجها في ستة أيام.
وقد تُزال شخصيات من العمل أو يتم تحجيم دورها. وتشير أوزسومبول إلى أنّ كبار النجوم فقط هم من يضمنون مشاركتهم في ما يصل إلى 15 حلقة.
ويقول أوزليم أوزدمير، مؤسس مجلة “إبيزود” التي تغطي البرامج التلفزيونية التركية، “بما أنّ المسلسلات تُنتج للقنوات في تركيا، من غير الممكن استرداد تكاليفها جراء بثّها فقط في تركيا”.
– “جيل جديد” –
ويتم تالياً تكييف الأعمال مع السوق الدولية. ويقول أحمد زيالار، المشارك في تأسيس شركة “إنتر ميديا” ورئيسها التنفيذي، إنّ “نظامنا مميز لأننا نصوّر لمدة ساعتين ونصف ساعة تقريباً كل أسبوع. ثم ندخل تعديلات بما يتناسب مع السوق الأجنبية لتتكيّف مع الإعلانات”.
ويمكن تحويل حلقة أسبوعية مدتها 90 إلى 120 دقيقة في تركيا إلى ثلاث حلقات مدة كل منها 45 دقيقة تُبث يومياً في دول أميركا اللاتينية.
وبدأ زيالار يعمل على ما يُسمى بمسلسلات “الجيل الجديد” والتي تتألف من ثماني إلى 12 حلقة، والمخصصة فقط لمنصات البث التدفقي.
ويقول “إنّها أقصر وذات أحداث أسرع وأكثر جرأة وجاذبية، وأقل مواجهةً للرقابة”.
ولهذا السبب لا تتردد بطلة مسلسل “ديغينلر” الذي صُوّرت مشاهد منه في حي توباني، في إطلاق شعارات مؤيدة للأكراد لعنصر الشرطة الذي يوقفها.
ويقول كاتب السيناريو سارب كالفا أوغلو “يمكننا التطرق أكثر إلى السياسة عندما ننتج عملاً مخصصاً للعرض على المنصات”. وسيُعرض “ديغينلر” في تركيا عبر منصة “غين” Gain.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة “إنتر ميديا” كان أوكان “نعتقد أن مسلسلات الجيل الجديد هذه ستجد مكانا لها في السوق الدولية إلى جانب المسلسلات الرئيسية التي سنواصل إنتاجها”.
ويشير أوكان إلى أنّه توصل أخيراً إلى اتفاق مع قناة “كاراكول” الكولومبية بشأن مسلسل مؤلف من 120 حلقة باللغة الإسبانية.
ويقول إردي إيسيك “نعلم أن (الرئيس رجب طيب) أردوغان لا يحبّذ دائماً محتوياتنا، لكنه لا يبدي أي ردة فعل لأننا ندرّ إيرادات طائلة على البلاد ونساهم في ازدياد عدد السياح” في تركيا.
(أ ف ب)