في إطار تنسيق التوقعات قبيل مناورة محتملة في رفح، إذا ما حصلت، يجدر التشديد على أنها ستكون مختلفة جوهرياً عما رأيناه في قطاع غزة حتى الآن، وذلك بسبب قيود الأمريكيين، غير المستعدين لأن يحتملوا إمكانية إصابات للأبرياء، إضافة إلى مطالب الإغاثة الإنسانية، قبلها، في إطارها وبعدها. أما المصريون فيطالبون بتنسيق أمني وثيق.
أي قذيفة طائشة تقتل مدنيين دون قصد، ستؤدي إلى وقف الحملة. ولهذا، فإن المهمة الملقاة على فرقتي 98 و162 تختلف عن تلك التي اعتادتا عليه في القطاع، واستخدام النار سيكون حذراً للغاية. لقد سبق للأمريكيين أن أوضحوا بأنهم لن يحتملوا إصابات للمدنيين، وهذه مهمة على حدود المتعذر في منطقة مع أكثر من مليون مواطن.
تخوف من اقتحام جماهيري
هناك خطوتان تجريان بالتوازي: التنسيق مع المصريين، ومع الأمريكيين؛ المصريون يخشون اقتحام الجماهير للمعبر، بل وعلى طول الحدود. وقدرت محافل إسرائيلية بأنه في اللحظة التي تنضغط فيها حماس من عملية عسكرية، فربما تدفع المواطنين في رفح إلى الحدود كي يمارسوا ضغطاً على المصريين الذين سيعملون على وقف العملية الإسرائيلية.
وعليه، فإن الجيش المصري على استعداد خاص. من ناحيته، هذا سيناريو كابوسي. ويستخلص الدروس من اقتحام جماهيري مثلما في 7 أكتوبر. هذا التخوف دفع المصريين لممارسة ضغط أكبر على حماس للوصول إلى صفقة ولمحاولة منع العملية الإسرائيلية.
من المتوقع اليوم أن يزور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إسرائيل ويتجول في ميناء أسدود وفي أبو سالم ليفحص عن كثب نقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. تكون هذه جملة مجنونة جداً في الأيام العادية. وزير القوى العظمى في العالم، شخص مجهول بعض الشيء، يطير إلى الطرف الآخر من العالم كي ينظر إلى شاحنات قمح تدخل إلى قطاع غزة. لكن في واقع الأمر هذه هي كل القصة؛ تريد إدارة بايدن إعطاء الأكثر كي تتاح الحملة في رفح.
إلى جانب المبادرة الأمريكية للتطبيع مع السعودية، والحلف الأمني الإقليمي، يريد بلينكن أن يتأكد من أن الجيش الإسرائيلي يفعل كل شيء كي يمتنع عن المس بغير المشاركين في أثناء الدخول إلى رفح، وكذا مواصلة الجهد الإنساني في القطاع حتى في وقت المناورة في جنوبه. اليوم، مثلاً، سيعرضون عليه بالضبط مكان مناطق إخلاء السكان، كم مستشفى وعيادة ستعالج الجرحى، وأي غذاء سيحصل عليه المخلون لرفح في مناطق التجمع.
واضح للجيش الإسرائيلي بأنه سيدخل إلى رفح. لن يكون ممكناً استكمال أهداف الحرب دون المرور عبر معقل لحماس الأخير في غزة. لخطة العمر مراحل مختلفة مع قدرات توقف وتغيير للمهمة وفقاً للضغط الذي يمارس على إسرائيل.
أزمات شرعية في الحد الأدنى
لاستكمال هذه الخطوة مع الحد الأدنى من أزمات الشرعية الدولية والحد الأقصى من الإنجازات العسكرية، عمل مكتب تنسيق الأعمال في “المناطق” [الضفة الغربية] والجيش في الأسابيع الأخيرة على خطة إنسانية – مدنية استثنائية في حجمها.
كيف عمل ذلك؟ بداية، تم توسيع الجهد الإنساني إلى قطاع غزة. بمعنى أن إسرائيل زادت عدد الشاحنات التي تدخل اليوم إلى القطاع (250 – 400 في اليوم)، خطوة أغرقت القطاع بالمساعدات. يصعب الادعاء بالجوع في القطاع حين تخرج نحو مئة شاحنة كل يوم إلى شماله وتمتلئ الأسواق.
إلى جانب هذا، أقيمت مستشفيات ميدانية في المجال الإنساني الذي حدده الجيش الإسرائيلي في منطقة المواصي وكذا في منطقة معسكرات الوسط، وفتحت وأصلحت أنابيب المياه إلى قطاع غزة في الجنوب والوسط وفي شمال القطاع. الكرزة التي في القشدة هي الرصيف العائم المؤقت للجيش الأمريكي الذي يقام هذه الأيام في شواطئ غزة، والذي سيستوعب المساعدات الإنسانية عبر البحر، بالتوازي مع ميناء أسدود الذي فتح بتعليمات الكابنيت الإسرائيلي لإدخال المزيد من المساعدات عبر إسرائيل.
المناورة في رفح ستكون باعثة على التحدي، مناورة إنسانية. دون صلة بالتحدي الدولي في ضوء غياب الشرعية لمواصلة الحرب في غزة – بخاصة داخل منطقة مكتظة تضم أكثر من مليون إنسان. يقدر الجيش بأن قرابة 200 ألف فلسطيني من أصل 1.4 مليون تركوا رفح في الأسابيع الأخيرة، أساساً إلى خانيونس ومعسكرات الوسط، ويستعدون بكثافة لإخلاء المليون المتبقي، حتى لو لم يتركوا كلهم في ضوء دعوات الجيش للتحرك شمالاً. يدرك الجيش الإسرائيلي بأن مستوى الشرعية الدولية لمواصلة الحرب قل جداً عن ذاك الذي حظينا به في أكتوبر. لهذا الغرض،كان مطالباً بزيادة الجهد الإنساني، حتى لو لم يحظ هذا بالرضى في العين الإسرائيلية. بينما هناك من يشكو من كل شاحنة غذاء تدخل إلى القطاع – يتابع البيت الأبيض بدقة كل كيس أرز وقمح يجتاز الحدود معبر المعابر. في الوضع الحالي لإسرائيل التي تقاتل منذ أكثر من نصف سنة في عدة ساحات بالتوازي بينما الحل العسكري أو السياسي لمشكلة الشمال بعيد عن التحقق – يدرك الجيش، مثلما في كابنت الحرب أيضاً، بأن ليس لنا ترف لرفض الطلب الأمريكي لبادرات إنسانية في قطاع غزة مقابل مواصلة الدعم والمساعدة من جانب البيت الأبيض.
حتى لو خرجت العملية بالفعل إلى الدرب، هذا إذا لم يوقفها الأمريكيون وحتى لو هزمت أربع كتائب حماس في المكان – فلن يكون هذا النصر المطلق. الأمر الأهم في رفح هو إغلاق محور التهريب. ولا يمكن لهذا أن يحصل إلا بتنسيق كامل مع المصريين لأن الجيش الإسرائيلي لن يبقى إذا ما تقرر بناء عائق تحت أرضي في الجانب المصري ليكون منكشفاً أمام الإصابة.
يمكن للجيش الإسرائيلي أن ينفذ أعمال كشف، لكنها لا تكفي لتدمير كامل لأنفاق التهريب. كما أسلفنا، نفذت التهريبات أيضاً عبر المعبر نفسه، ولهذا فإن إسرائيل بحاجة إلى التعاون المصري.
يوسي يهوشع
يديعوت أحرونوت 1/5/2024