من شعر البند

حجم الخط
0

كان الشاعر والباحث الراحل عبد الكريم الدجيلي، أهمّ من كتبوا عن «شعر البند» إذ كرّس له كتاباً بعنوان «البند في الأدب العربي تاريخه ونصوصه» صدرت طبعته الأولى عن مطبعة المعارف في بغداد عام 1959. وأكد الدجيلي أن البند هو فن أدبي عراقي، نشأ في أواخر القرن الحادي عشر الهجري، ثم انتقل إلى منطقة الخليج العربي وشاع فيها مدة ثلاثة قرون. ويصف الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي – توفي 1936 – البند بأنه (حلقة وسطى بين النظم والنثر وهو مستعمل عند الفرس والترك). ويأتي البند على بحر الهزج وهو:
مَفَاعِــيــلُنْ مَفَاعِــيــلُنْ مَفَاعِــيــلُنْ مَفَاعِــيــلُنْ
ويرى عدد من الباحثين والشعراء أن البند كان بداية مبكرة لكتابة الشعر الحر «شعر التفعيلة» لكن باستعمال بحر الهزج دون غيره، وهذا ما يمكن أن يحكم عليه قارئ نصوص البند بنفسه.

كائناتٌ مُبهَمة

بلا سابقِ إنذارْ
أتوا، من أينَ؟ لا تدري، استباحوا يومكَ الحالمَ تحتَ الشمسِ، فرّوا تحتَ جنحِ اللّيلِ، لم يُبقوا لأوقاتِكَ أَنْوارْ
أمانيكَ تضيءُ الّليلَ كانتْ، وأغانيكَ تُغذّي الرّوحَ أشعارْ
ظلامٌ غَمَرَ الأرجاءَ، لا فجرٌ مضيءٌ، لا نهارٌ يُبصِرُ الشمسَ، ولا ليلٌ يرى نجماً وأقمارْ
وما عادتْ بقيثارتكِ المكتظةِ الألحانِ أوتارْ
تلاشَتْ في أراضي حقلِكَ الظامئ أشجارٌ وأنهارْ
يدورونَ بلا أفقٍ، ينامونَ بلا حُلْمٍ، يغنّونَ بلا صوتٍ، فهُمْ من كوكبٍ آخرَ، جاءوا ويجيئونْ
بطولٍ واحدٍ يدونَ عنْ بعدٍ، وعمرٍ واحدٍ كانوا، وما كنتَ ترى ما يضمره الواحد منهمْ، لمْ تكن تعرف ماذا هُم يرومونْ
ولكّنْ، فجأة طالوا جميعاً، بَغْتَةً صاروا جموعاً، صرخوا، قالوا كلاماً مبهماً، شنّوا هجموا كلّهمْ، في غفلةٍ منكَ، عليكْ

٭ ٭ ٭

كئيباً فِقْتَ من نومِكِ، لَمْ يبقِ لكَ الكابوسُ أشعاراً وأسرارْ

مناطيدٌ وخيباتْ

صباحاً، عندما استيقظتَ، كانت تحجبُ الشمسَ مَناطيدْ
وظهراً بدأتْ تهبطُ فوقَ الأرضِ أفواجُ مناطيدْ
لماذا احتشدتْ جواً وأرضاً، ولِمَنْ جاءتْ، متى ترحلُ.. كَيْفْ؟
أنتَ لَمْ تُشْهِدْكَ أيّامُكَ مُنطاداً، ولكِنّكَ لا بُدّ قَرَأتْ
أو شَهِدْتْ
بعضَ ما دُوّنَ، أو صُوِّرَ، ممّا صارَ جُرْحاً يؤلمُ الروحْ
توجّعْتَ عميقاً، وتواريْتْ
بعيداً عن شُرورٍ وخَطايا تتخفّى في المناطيدْ
تذكّرتَ حكاياتِ اِبنَ فِرناسْ٭٭
وكيفَ اِختارتِ الأيّامُ عبّاسْ
ليغدو أوّلَ الناسْ
مِنَ الساعينَ للتحليقِ
لكّنْ لم يُحَلّقْ
مثلما شاءْ
فقد خابَ جناحاهْ
فَدَعْ عنكَ خياناتِ المناطيدْ
وخيباتِ اِبن فرناسْ
وعِشْ مِنْ دونِ أشجانٍ ووِسْواسْ
بعيداً عن ظنونِ الجنِّ والنّاسْ

٭٭ عباس بن فرناس، هو عالم أندلسي كان أول من فكر بتحليق الإنسان، وأطلقت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا اسمه عام 1950 على فوهة من فوهات القمر تكريما لإسهاماته الطيبة في الطيران وعلم الفلك.

شاعر عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية