شهدت تركيا نهاية الأسبوع الماضي تفجيرا وقع في شارع الاستقلال في منطقة تقسيم السياحية الشهيرة وسط إسطنبول، ما أسفر عن مقتل 6 وإصابة 81 شخصا. ونجح جهاز الأمن التركي في القبض على منفّذة الهجوم المنتمية إلى تنظيم «وحدات حماية الشعب»، الذي يمثل الفرع السوري لما يسمى «حزب العمال الكردستاني» المصنف في قوائم الإرهاب، خلال أقل من 24 ساعة من وقوع التفجير.
وكان ذلك بمثابة تجسيد للنجاح الذي حققته الشرطة التركية في السنوات الأخيرة. لأن الهجمات في الماضي، كانت تظل مجهولة الهوية، لكن بعد التغيير الكبير الذي طرأ على الشرطة والاستخبارات التركية خلال السنوات الماضية، أصبحت تركيا تلقي القبض على المنفذين قبل مرور 24 ساعة. وهذا يدل على نجاح جهازي الشرطة والاستخبارات.
بعد الحرب العالمية الثانية، وقيام دولة إسرائيل، تم إخضاع منطقتنا دائما عبر الانقلابات العسكرية. ورأينا جميعا كيف أطاحت الجيوش في المنطقة، من إندونيسيا وحتى الجزائر، بكل قائد يحب وطنه ويعمل لصالحه، بعد فترة وجيزة من توليه السلطة. واكتشفنا بعد انتهاء الحرب الباردة، أن الطغمات العسكرية التي نفذت الانقلابات في هذه المنطقة، والجهات الداعمة لها، تعمل دائما لصالح القوى الخارجية، وجعلت بلادها خاضعة لخدمة تلك القوى وسياساتها، ولم تتخل هذه الطغمات عن عبوديتها إطلاقا على حساب إفقار شعوبها. وقع أول انقلاب عسكري في تركيا بتاريخ 27 مايو/أيار 1960 وبعد ذلك عاش الشعب التركي انقلابات 12 مارس/آذار 1971، و12 سبتمبر/أيلول 1980، و28 فبراير/شباط 1997 أخيرا 15 يوليو/تموز 2016. وبعد كل انقلاب، يتدهور المجتمع التركي والدولة التركية ماديا ومعنويا، وعانت البلاد من كساد اقتصادي وسياسي. كما حدث استقطاب شديد وتم تحريض شرائح المجتمع ضد بعضها بعضا، ثم تبيّن لنا أن الجهات التي تعمل على تمزيق وتفريق المجتمع كانت طغمات عسكرية موالية للغرب، وكان رجالها يتغلغلون داخل التيارين اليميني واليساري في المجتمع. حتى إنه عندما وقع انقلاب 1980، نشر الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر، رسالة مفادها «لقد نجح رجالنا». وبعد قرن الانقلابات، تعيش منطقتنا اليوم «قرن الإرهاب»، في محاولة لإخضاعها بوسيلة جديدة. وأصبحنا نرى القنابل يتم تفجيرها فورا في كل دولة في منطقتنا تتعافى وتزدهر قليلا على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وزادت حدة التفجيرات في منطقتنا بشكل خاص على خلفية هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية. وعندما تخوضون تفاصيل تلك التفجيرات، يمكنكم بسهولة معرفة نوع المؤامرات التي تحيكها القوى الأجنبية لزعزعة السلام في منطقتنا باستخدام التنظيمات الإرهابية.
أصبحنا نرى القنابل يتم تفجيرها فورا في كل دولة في منطقتنا تتعافى وتزدهر قليلا على الصعيدين السياسي والاقتصادي
اكتسبت تركيا زخما كبيرا وازدادت قوتها السياسية والاقتصادية في السنوات العشرين الماضية عقب تولي حزب العدالة والتنمية الحكم. وكلما تصاعد نفوذها وازدادت قوتها، حاولوا تنفيذ الانقلابات العسكرية ضدها، كما كان الحال في السابق إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل خلال السنوات العشرين الماضية. وعندما فشلت الانقلابات العسكرية، لجأت القوى ذاتها هذه المرة إلى استخدام تنظيمي «داعش» و»حزب العمال الكردستاني» الإرهابيين بهدف تقويض أجواء السلام والطمأنينة السائدة في المجتمع التركي. ورغم تحقيق الهجمات الإرهابية لأهدافها سابقا في بعض الأحيان، إلا أن الشرطة والاستخبارات التركية أصبحت اليوم تحقق نجاحات لافتة في توجيه ضربات قاصمة ضد التنظيمات الإرهابية والدول التي تقف وراءها.
خلاصة الكلام؛ كان هدف التفجير الأخير في شارع الاستقلال أيضا هو تقويض طمأنينة المجتمع التركي، ولا يساور أحد أدنى الشك أن مثل هذه الهجمات الإرهابية التي أحبطت الوحدات الأمنية العشرات منها، تستهدف أمن تركيا واستقرارها وسلامها وصعودها. أصبح أبناء منطقتنا يرون هذه المؤامرات بكل سهولة، وأصبحت شعوبنا تلاحظ بوضوح شديد الأعمال الإرهابية التي تلجأ إليها الطغمات العسكرية لتشتيت شعوبها، والإجراءات التي تتخذها القوى الأجنبية ضد الإدارات السياسية المدنية، باستخدام التنظيمات الإرهابية. لذلك، مثلما بات «قرن الانقلابات» يلفظ أنفاسه الأخيرة في هذه المنطقة، سوف ينتهي «قرن الإرهاب» أيضا بحكمة الشعوب، من دون شك.
كاتب تركي
الإرهاب لا دين له , محاربة الإحتلال شيء , ومحاربة الأبرياء شيئ آخر !
فقتل البريئ وترويعه لا يقبل به شرع و لا دين !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
تحياتي لك أستاذ توران
خالص تعازينا للشعب التركي العظيم في ضحايا الجريمة الارهابية في اسطنبول حفظ الله تركيا من آفة الإرهاب والمؤامرات الإقليمية والدولية
*هذه ضريبة نجاح تركيا وتقدمها في جميع المجالات.
ينطبق على الإرهابيين (قاتلهم الله) المثل
(القافلة تسير.. والكلاب..).
1)- صحيح أن تركيا اكتسبت “زخما كبيرا وازدادت قوتها السياسية والاقتصادية (والعسكرية) في السنوات العشرين الماضية عقب تولي حزب العدالة والتنمية الحكم”، ولا ينكر هذه النهضة إلا جاحد ، لكن من المؤسف أن هذا التطور الكبير ربما أصابها بالغرور وجعلها تتخلى عن “صفر مشاكل مع الجيران” ، وخاصة مع سوريا . التفجير الذي شهدته تركيا نهاية الأسبوع الماضي في شارع الاستقلال في منطقة تقسيم السياحية الشهيرة وسط إسطنبول، وأسفر عن مقتل 6 وإصابة 81 شخصا ، لا يمثل شيئا بالنسبة لما وقع في سوريا .
الجزائر ، بعد الحرب العالمية الثانية ، لم تكن مستقلة حتى يقع فيها الانقلاب ، بل كانت محتلة من فرنسا ، التي لم تكتف بجيوشها الجرارة وإنما استعانت أيضا بالحلف الأطلسي ، وتركيا كانت ومازالت جزءا أساسيا في هذا الحلف ، ووقفت إلى جانب فرنسا الاستعمارية ضد طموح الجزائريين وثورتهم التحررية . والبداية كانت في سبتمبر 1955، عندما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إجراء تصويت لأعضائها لمناقشة “المشكلة الجزائرية” ، لكن تركيا فضلت أن تكون في صف فرنسا ، ضمن 26 دولة التي صوتت ضد قرار المناقشة من الأساس، بينما صوتت 39 دولة في صالح القرار، وامتنعت 5 دول عن التصويت.
2)- ولم تتخلص تركيا من تلك الحالة المخزية تجاه الجزائر إلا بعد الانقلاب ، في 1960، والإطاحة برئيس الوزراء التركي وإعدامه شنقا. لقد أبدت حكومة الانقلاب العسكريرغبتها في تدشين موقف إيجابي تجاه الثورة الجزائرية . وبناء على ذلك التحول، أعلن الرئيس التركي جمال جورسيل في لقاء عقده بالقاهرة عن دعم بلاده الصريح لتطلعات الجزائريين في الاستقلال ، وأخيرا صوتت تركيا بـ “نعم” على قرار الأمم المتحدة ، رقم 1573 ، الخاص بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم .
الرئيس الأول للحكومة الجزائرية المؤقتة ، فرحات عباس، صرح في 1963 : ” لقد خذلت تركيا الجزائر وتركت أهلها وحدهم في اليأس حين احتاجوا إليها” ، بينما الرئيس السابق ، هواري بومدين ، ردا على سؤال صحفي تركي ، في جوان 1965 ، قال بأن الجزائر ستظل مستاءة من موقف تركيا الداعم للفرنسيين في الأمم المتحدة، والذي يعد نكرانا لعلاقات تاريخية بيننا امتدت لـ 300 سنة .
3)- من حسن حظ العلاقات الجزائرية التركية أن الرئيس ، تورغوت أوزال ، عبر ، أثناء زيارته للجزائر ، في فبراير 1985، عن اعتذاره من موقف الحكومة ، في الخمسينيات القرن الماضي ، من “القضية الجزائرية” ، وتمنى من الطرف الجزائري، تخطي ذلك، والدخول في علاقات طبيعية مع الأتراك ، وهو ما نشهده الآن .
هل الطغمات العسكرية ، التي نفذت الانقلابات في هذه المنطقة ، بعد انتهاء الحرب الباردة،
هي فقط الموالية للغرب، وهي فقط من تعمل دائما لصالح القوى الخارجية، وتخضع بلادها لخدمة تلك القوى وسياساتها، على حساب إفقار شعوبها ؟.
ربما تكون حدة التفجيرات زادت في منطقتنا بشكل خاص على خلفية هجمات 11 سبتمبر 2001 ، لكن أظن أن المنطقة لم تعرف التفجيرات (ومنها تفجيرات المساجد وفي المساجد) إلا بعد الحرب على أفغانستان وصناعة “القاعدة” ، وازدادت عنفا وتخريبا بعد 2011 ، في الجمهوريات العربية التي أصيبت بوباء “الربيع العربي” ، وهي طبعا مؤامرات يحيكها “الغرب الحر” عبر التنظيمات الإرهابية لزعزعة الاستقرار في منطقتنا ، لكن من المؤسف أن دولا عربية وإسلامية شاركت ودعمت هذه القوى الأجنبية والتنظيمات الإرهابية . هذا ليس استنتاجا لمواطن بسيط ، وإنما “وشهد شاهد من أهلها” .