من قضى على عصر ريال مدريد وبرشلونة الذهبي؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”: اهتزت الصورة المحفورة في الأذهان عن النسخة الحديثة لريال مدريد وبرشلونة، كفريقين من كوكب آخر في بداية الألفية، حيث كانا يستحوذان وبشكل حصري على أعظم وألمع نجوم اللعبة، بعد الثورة التي فجرها الرئيس فلورنتينو بيريز، تنفيذا لمقولته الخالدة “نجوم العالم وُلدوا ليرتدوا قميص ريال مدريد”، التي تحولت حتى سنوات قليلة إلى سياسة وأسلوب حياة بالنسبة لناديه وللغريم الكتالوني، قبل متغيرات العقد المنقضي، التي نسفت المعتقد السائد، بأن لاعبي الريال والبارسا أعلى جودة وأكثر شهرة من باقي المنافسين، سواء على النطاق المحلي أو القاري.

 

واقع جديد

لا يُخفى على أحد، أن الدوري الإسباني كان يُعرف حتى فترة قصيرة بين نشطاء “السوشيال ميديا” بدوري “توم وجيري”، كنوع من أنواع التهكم على ما كان يفعله ريال مدريد وبرشلونة في خصومهما المحليين، بانتصارات ساحقة وتعثرات تكاد تكون نادرة على مدار الموسم، لكن الملاحظ في المواسم القليلة الماضية عموما، وهذا الموسم على وجه الخصوص، أن المستويات تقاربت بصورة لم يعهدها جمهور الليغا منذ سنوات طويلة، كما توضح نتائج الكبيرين من قبل، حتى أزمة كورونا، في ما كانت رسائل تحذير أو إشارات إلى تجرؤ المنافسين وكسر هيبة اللعب أمام الريال والبارسا، قبل أن تصبح حقيقة ملموسة في الوقت الراهن، بعد تقلص الفجوة بينهما وبين الخصوم، لا سيما الطامعين في الألقاب، والدليل على ذلك ما يفعله أتلتيكو مدريد، بالتمسك بالصدارة بفارق 4 نقاط ومباراتين أقل من أقرب ملاحقيه، وتبعه الأسد الباسكي أتلتيك بلباو، بافتراس اللوس بلانكوس والبلو غرانا في كأس السوبر الإسبانية، هذا ولم نتحدث عن الفصول الأوروبية الباردة، التي عصفت بالكبرياء والسمعة المعروفة عن عملاقي الليغا، من نوعية سقوط ليونيل ميسي ورفاقه أمام الغريم التقليدي كريستيانو رونالدو وزملائه في يوفنتوس بالثلاثة في قلب “كامب نو”، وقبلها فضائح الخروج المُذل في آخر 3 نسخ لذات الأذنين. ونفس الأمر ينطبق على الريال، الذي استنزف الكثير من هيبته في أوروبا، بسبب هزائمه الصادمة، التي بدأت بوصمة عار أياكس في ثمن نهائي في نسخة حملة الدفاع عن اللقب للموسم الرابع توليا، وما حدث بعد ذلك، آخرها التأهل بصعوبة بالغة إلى أدوار خروج المغلوب. والسؤال الآن: كيف تبدلت أوضاع ريال مدريد وبرشلونة؟ وهل هي مؤشرات نهاية عصرهما الذهبي؟

 

ضريبة التغيير الإجباري

يعرف أصغر مشجع مدريدي قبل كبير محللي “ماركا” و”آس”، أن بيريز دشّن حقبته كأسطورة، كواحد من أعظم رؤساء النادي في كل العصور، بفضل سياساته الجريئة، التي كانت ترتكز على استقطاب صفوة نجوم اللعبة، كما فعل في ولايته الأولى بجمع ما كان يُعرف بفريق “الأحجار الكريمة”، بوجود أسماء بحجم زين الدين زيدان ولويس فيغو وديفيد بيكهام وروبرتو كارلوس، إلى جانب أساطير النادي كراؤول غونزاليز وإيكر كاسياس وبقية أفراد فريق الأحلام، حتى بعد عودته في الولاية الثانية عام 2009، لم يغير من قناعاته، بل قاد ثورة الغلاء الثانية في أوروبا، بتحطيم الرقم القياسي لصفقة زيدان، بدفع 100 مليون يورو لتحرير كريستيانو رونالدو من مانشستر يونايتد، وظل على نفس المنوال، حتى عام 2014، حين جلب خاميس رودريغيز من موناكو بحوالي 80 مليون يورو، وقبله بعام جاء غاريث بيل من توتنهام في صفقة قياسية، تخطت حاجز الـ100 مليون من نفس العملة. منذ ذلك الحين، أخذت سياسة الملياردير الإسباني شكلا مختلفا، بتحول الإستراتيجية 180 درجة، من غول لا ينافسه أحد في السوق، إلى مؤسسة قائمة على الاستثمار في الجواهر الخام، بأسعار لا تزيد على 40 أو 50 مليون يورو، باستثناء صفقة إيدين هازارد، ولو أنها تمت بنصف الثمن، لاستغلال عامل الوقت، مع دخول هازارد موسمه الأخير مع تشلسي، وهي نفس الحيلة التي خطف بها تيبو كورتوا بثمن بخس من البلوز، وكما يخطط أيضا للانقضاض على كيليان مبابي مع اقتراب نهاية عقده مع باريس سان جيرمان.

أما غير ذلك، فأكثر من 90% من الاستثمار في السنوات الماضية، كان موجها الى صفقات المستقبل، متمثلة في الكتيبة البرازيلية فينيسيوس جونيور ورودريغو غوس وإيدير ميليتاو ورينير، وأصحاب الجنسيات المختلفة كالياباني كوبو، والأوكراني أندريا لونين، والنرويجي مارتن أوديغارد وآخرين، أغلبهم إما معارون أو تم بيعهم بصفة نهائية، والسبب وراء هذا التحول الكبير في سياسة النادي الأبيض، ويرجع إلى ما أشارت إليه صحيفة “موندو ديبورتيفو”، في عدم قدرة النادي في دخول معارك اقتصادية مع القوى العظمى الجديدة، مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان وبدرجة أقل كبار البريميرليغ وحتى الأندية المتوسطة، التي باتت قادرة على إبرام صفقات تتجاوز حاجز الـ50 و60 مليون إسترليني، حتى أتلتيكو مدريد، الذي كان يمثل الطبقة الكادحة، تّحول إلى واحد من أغنى المؤسسات الأوروبية وأكثرها ربحا، ما ساهم بشكل أو بآخر في اتساع دائرة المنافسة، وتوزيع النجوم على أكبر عدد ممكن من الأندية، على عكس الوضع حتى منتصف العقد الماضي، أو بالأحرى قبل ظهور نوايا السكاي بلوز والعملاق الباريسي، كقوة شرائية تفوق إمكانات وقدرات أعتى أندية أوروبا والعالم، إلى جانب، التغير الكبير في سياسة ليفربول ومانشستر يونايتد وغيرها من الأندية، التي تعاظمت قوتها الشرائية في السنوات الماضية، وأصبحت قادرة على إغراء نجومها برواتب تفوق ما ينتظرهم في “سانتياغو بيرنابيو” أو “كامب نو”. وما زاد الطين بلة، الخسائر الفادحة التي تكبدها النادي الملكي بسبب جائحة كورونا، وأجبرته على تخفيض فاتورة الأجور، ببيع وإعارة جيش من اللاعبين، من دون ضم لاعبين جدد، في حدث غائب منذ 40 عاما، لهذا، بدأت تصدق توقعات النقاد والخبراء قبل بداية الموسم، حول المعاناة والضريبة الباهظة التي سيتحملها زيدان، جراء المقامرة بفريق أقل جودة وخبرة من الموسم الماضي.

 

تخبط زيدان

لا شك أبدا في أن زيدان يعمل في ظروف صعبة، لا تساعد أحداً على تحقيق توقعات وتطلعات الجمهور المدريدي الأكثر طمعا على هذا الكوكب، لكن ما يُثير الريبة، طريقة اختياراته للعناصر الأساسية، وقراءته للمباريات، خاصة في ما يتعلق بالتغييرات، آخرها ما فعله في الدقائق الأخيرة أمام بلباو، بإشراك ماريانو دياز على حساب كريم بنزيما، فضلا عن تأخره في إعطاء حلول حتى منتصف الشوط الثاني، ثم فضيحة الخروج المبكر من كأس الملك على يد ألكويانو، نتيجة الاختيارات العشوائية، والاستخفاف بالمنافس، بالاعتماد على قوام رئيسي أغلبه عناصر لم تلعب معا مباراة واحدة منذ بداية الموسم. والأخطر من هذا وذاك، إصراره العجيب على سبعة أسماء لا تمس، في ما يعرفون بالحرس القديم الذي فاز معه بالثلاثية التاريخية في الفترة بين عامي 2016 و2018، وهم داني كاربخال وسيرخيو راموس ورافاييل فاران وتوني كروس وكاسيميرو ولوكا مودريتش وكريم بنزيما، ولنا أن نتخيل أنهم يمثلون القوام الرئيسي والمفضل للمدرب منذ نهائي 2017 أمام ليفربول وحتى هذه اللحظة. وفي المقابل، أجرى تغييرات في أضيق الحدود، بإعطاء الفرصة لتيبو كورتوا على حساب كيلور نافاس وفيرلاند ميندي وهازارد على حساب مارسيلو ورونالدو، والأسوأ من ذلك بالنسبة للإدارة، أنه ضرب خطة النادي في مقتل، بعدم الاستفادة من استثمارات الشباب بالشكل المطلوب، الى درجة أن البعض يتهمه بإهدار أموال الريال، لانطفاء بريق اللاعبين الشباب معه، والمشكلة الكبرى، أن أعمار هؤلاء النجوم المفضلين بالنسبة للمدرب الفرنسي، أكبر الآن بأربع سنوات، وهذا يفسر أسباب معاناة الفريق بدنياً وتراجع نتائجه مع ضغط المباريات. والأمر الذي لا يعطي مؤشرات إيجابية هذه المرة، أن النتائج لم تتحسن مع زيادة الضغوط على المدرب، كما كان يحدث في كل مرة يكون فيها زيدان قاب قوسين أو أدنى من الإقالة، بل تدهورت إلى حد الخروج من بطولتين في ظرف أسبوع، منهما وصمة عار أمام ألكويانو الناشط في دوري القسم الثالث الإسباني، وبعشرة لاعبين بعد طرد اللاعب رامون لوبيز مع بداية الشوط الثاني الإضافي، وهذه الأمور الفنية يُسأل عنها ويتحملها المدرب بمفرده، وبالتبعة قد تتسبب في إقالته قبل نشر المقال.

 

نيران برشلونة

بالنسبة لبرشلونة، فمشاكله تفوق العدو المدريدي، كونها مشاكل متراكمة على مدار سنوات، بدأت بوقوع إدارة الرئيس السابق جوسيب ماريا بارتوميو، في نفس خطأ زيدان الحالي، بعدم تجهيز بدلاء على نفس مستوى جيل تشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا الذهبي، بجانب الإفراط في الاعتماد على عبقرية ليونيل ميسي، حتى بعد تقدمه في السن وانخفاض معدلاته البدنية، من دون تعويضه بساحر قادر على ملء الفراغ الذي تركه صديقه المقرب نيمار جونيور، باستثمار ولا أسوأ في الأموال العائدة من أغلى صفقة في العالم، بضخها في ضم عثمان ديمبيلي وفيليب كوتينيو، ومئات الملايين الأخرى في صفقات تندرج تحت مسمى “أنصاف نجوم”، وأخرى في مراكز لا يحتاجها الفريق. ولا تنسى عزيزي القارئ الصراعات الداخلية، ومنها على سبيل المثال مناوشة “البرغوث” ميسي مع المدير الرياضي السابق إيريك أبيدال، التي انتهت بالإطاحة بالأخير من منصبه، لحديثه عن اللاعبين بطريقة لم ترق لليو، وكان ذلك، بعد فترة وجيزة من الشرخ العميق، الذي أحدثه الرئيس بارتوميو بإقالة إرنستو فالفيردي وتعيين كيكي سيتيين، على عكس رغبة اللاعبين، فجاءت العواقب وخيمة، بفقدان صدارة الليغا واللقب عقب استئناف النشاط في يونيو / حزيران الماضي، فضلا عن الضربة القاضية، بالانحناء أمام بايرن ميونيخ في ما تعرف بـ”فضيحة القرن”، بخسارته 2-8 في ربع نهائي دوري الابطال، التي لم يتجاوزها الفريق حتى الآن، رغم انتصار ميسي في معركته مع بارتوميو، التي انتهت باستقالة الأخير، بعد انقلاب المعارضة عليه، بجمع التوقيعات اللازمة للقيام باستفتاء لعزله من منصبه، بجانب تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، والدليل على ذلك، المعاناة التي يعيشها المدرب رونالد كومان، بالعمل مع مجموعة ما زالت بحاجة الى مزيد من الوقت والخبرة، لإظهار شخصية برشلونة الحقيقية على أرض الملعب.

 

مشروع غامض

أقل ما يُمكن قوله، إن كومان تسلم فريقا مفككا، خارجاً لتوه من مأساة لا تتكرر مرتين في العمر، وبعناصر أقل خبرة وجودة من الأسماء التي تم الاستغناء عنها، مثل إيفان راكيتيتش ولويس سواريز وآرتورو فيدال وآرثر والبقية، في المقابل، جاء ميراليم بيانيتش في الصفقة التبادلية مع آرثر، ومعه الظهير الأيمن سيرجينيو ديست والجناح اليافع ترينكاو، وهذا ما جعل ليو يعترف علنا، أنه تعرض للخداع من قبل بارتوميو، مرة بالتحايل عليه لإلزامه بالبقاء، بمساومة النجم الكبير بالشرط الجزائي في عقده والمقدر بنحو 700 مليون يورو مقابل السماح له بالرحيل، رغم وجود بند في عقد النجم الكبير، يتيح له حق تقرير مصيره سواء بالبقاء أو الرحيل في موسمه الأخير، والمرة الثانية، بالتراجع عن الاتفاق المُسبق معه، بالتوقيع مع صفقتين أو ثلاثة “سوبر ستار”، أبرزهم نيمار ولاوتارو مارتينيز، ليستعيد الفريق هيبته ويعود للمنافسة محليا وقاريا، وهذا واحد من أكثر الأسباب التي تعيق المدرب الهولندي، وتكبل يداه في عملية الإحلال والتجديد التي يحاول القيام بها، للفارق الشاسع بين جودة ومهارة العناصر المتاحة معه الآن، مقارنة مثلا بالقائمة التي فازت بالثلاثية التاريخية الثانية عام 2015 تحت قيادة لويس إنريكي. لذا في الغالب، سيحتاج ليو ورفاقه الصغار الى شبه معجزة لتحقيق تطلعات وآمال الجماهير في نهاية الموسم، بالظفر بالدوري أو بدوري الأبطال أو حتى كأس الملك، فيما ستكون ضريبة عدم الاستقرار الفني والإداري على مدار الموسمين الماضيين، بتغيير مجلس الإدارة وتناوب 3 مدربين على الدفة الفنية للفريق، وأيضا ضريبة التخطيط السيئ من قبل الإدارة السابقة، التي أوصلت برشلونة ليكون أقل جودة فرديا وجماعيا من منافسيه على الألقاب، وقبل أي شيء، يتشارك مع الريال في نفس الكارثة، بعدم القدرة على الدخول في معارك اقتصادية مع القوى العظمى الحديثة، إلا إذا جاء الرئيس المحتمل بأفكار وخطط جديدة، من شأنها أن تُعيد زمن “التيكي تاكا” الجميل، وقوة البارسا، التي تسببت ذات يوم في ارتعاش يد السير أليكس فيرغسون بعد الخسارة أمام ليو وزملائه القدامى مرتين في نهائي دوري أبطال أوروبا عامي 2009 و2011. والسؤال الآن: هل ولى عصر البلو غرانا والميرينغي الذهبي بلا عودة؟ أم ستكون لهما عودة أقوى من أي وقت مضى مع تحسن أوضاعهما المالية؟ دعونا ننتظر ونراقب ما سيحدث معهما في ما تبقى من هذا الموسم المتقلب.

 

 

زيدان مدرب الريال يعلم أن الاقالة قريبة

 

راموس وزميله أسينسيو لا يصدقان خيبة الريال

 

ميسي ومدربه كومان في ورطة مع برشلونة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية