من قناة “المنار” والجيش الإلكتروني إلى مزارع الذباب والتحالفات الرقمية: “حزب الله” أصبح لاعباً مهماً في الفضاء العالمي

إبراهيم درويش
حجم الخط
5

لندن – “القدس العربي”: تحت عنوان “حزب الله الرقمي والحرب السياسية على الفضاء الإلكتروني” نشرت مجلة “ناشونال انترسيت” مقالاً لبيير بهلوي، البرفسور في الكلية الملكية العسكرية بكندا، قال فيه إن “حزب الله” اللبناني تطور، وعلى مدى العقد الماضي، إلى واحد من أبطال الإنترنت على الساحة العالمية اليوم. وأشار لما كتبه تي إي لورنس (لورنس العرب) بمقال كتبه عام 1917: “لا تحاول فعل الكثير بيدك”، و”من الأفضل لو فعله العرب بطريقة مقبولة بدلاً من عملك إياه بشكل تام”، وهذا بالضبط ما تتبناه الجمهورية الإسلامية في علاقتها المتزايدة مع “حزب الله”، وبخاصة في مجال السايبر أو العالم الإلكتروني.

 وعندما يتعلق الأمر بإستراتيجية التأثير، عرف قادة إيران، وفي مجال التبادل المعلوماتي والتفويض للاعبين غير الحكوميين، أن لا مجال للاعتماد على التواصل الرسمي لكسب عقول وقلوب السكان. فنشر المحتويات الأيديولوجية عبر الشبكات المحلية قد يكون له الأثر العميق من نشرها عبر القنوات الوطنية.

مراقبون أمريكيون ربطوا، عام 2002، المشاعر المعادية لأمريكا بما تبثه الدعاية الإيرانية وقناة “المنار” من رسائل.

وفي عالم الوسائط الإعلامية المتعددة، العمل مع أصدقاء محليين وحلفاء، وعبر الإعلام المحلي هو بالتأكيد ملمح حيوي وحساس لأي إستراتيجية تأثير إلكترونية.

وحتى منذ إنشائه عام 1982 من فروع الإيرانيين، وبدعم من الحرس الثوري الإيراني، فقد كان “حزب الله” عاملاً مهماً في كسر عزلة طهران وتوسيع بصماتها في الشرق الأوسط و”بطرق أخرى”. ولعب “حزب الله” كمنبر استطاعت من خلاله إيران نشر تأثيرها وعقيدتها في المنطقة وإطالة إستراتيجياتها غير العسكرية.

وعادة ما يوصف التعاون مع لاعب غير حكومي بأنه دولة داخل دولة. هكذا جرى الاعتماد على شبكاته بطريقة تملأ الفراغ ما بين الجهود الرسمية والوصول إلى الشباب والمستهلكين والساسة وصناع الرأي في لبنان والشرق الأوسط. وباعتماد طهران على حزب شيعي لتكبير صدى رسالتها في الشارع العربي فقد عوضت إيران عن ضعف في العوالم التقليدية، وخلقت حدوداً افتراضية مع إسرائيل، وتحدياً للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي العمق الإستراتيجي لها.

 وعمل “حزب الله”، منذ الثمانينات من القرن الماضي، على إعادة إنتاج العمليات الإيرانية، التي تراوحت بين عمليات التمرد العسكرية والبروباغندا ضد أمريكا وإسرائيل والسعودية. وأصبح “حزب الله”، الذي مزج بين الأساليب التكنولوجية النفسية المتقدمة وطرق الحرب غير النظامية، رائداً في فن إستراتيجية التأثير المتعددة الأوجه، بشكل ساعده على نشر تأثيره بدون الحاجة للمواجهة العسكرية المباشرة مع أعدائه الأقوى.

ولاحظ بن شيفر أن أساليب الحزب “مستلهمة ومعدلة بدعم من إيران”، بحيث حوّل أساليب الضغط من حرب الشوارع وميادين الحرب نحو المواجهات مع خصومه الغربيين. فبعد استخدامه كمساعد  في حرب العصابات، أسهمت إيران في تطور الحزب إلى وكيل- سايبري قادر على تكبير القوة الأيديولوجية الإيرانية. وعلى مدى السنين تطورت هذه القوة الخطيرة لكي تصبح واحدة من أبطال العالم السايبري المهمين.

باحث إسرائيلي: لأنه لم يملك أسلحة دمار شامل فقد اعتمد “حزب الله” على أسلحة الإقناع الشامل فخرج منتصراً في الحرب اللبنانية الثانية.

ففي السنوات التي أعقبت الثورة عام 1979 بدأت إيران بالاعتماد على جيوب الشيعة في الدول ذات الغالبية السنية لنشر رسالتها. وبأتباع من 140 مليوناً شكّلوا مجتمعاً واحداً يمتد دون انقطاع ما بين البحر المتوسط ووديان الغانغ. مثّل الشيعة هؤلاء مصدراً للتأثير الإيراني، وبخاصة أن ثلثي النفط تركّز في مناطقهم.

 وفي سياق “حزب الله”، تركزت سياسة التواصل الدينية الإيرانية على نشر الرسائل المؤيدة للنظام من خلال المساجد والحسينيات وشبكات الإعلام المرتبطة بالجمهورية، مثل هيئة الإذاعة للجمهورية الإسلامية. وواحد من أهم القنوات المرئية في الدبلوماسية الموجهة للتجمعات الشيعية المحلية العربية، هي قناة “العالم” التي قدمت للناطقين الشيعة العرب الأخبار المؤيدة لإيران. وأنشئت في عام 2003، خلال الغزو الأمريكي للعراق بمكاتب في كل من طهران وبغداد وبيروت، حيث قدمت نفسها كبديل للقنوات الفضائية الأخرى في الخليج. واكتشف المسؤولون عن التأثير الإيراني أنه لسد فجوة “3 أقدام”، التي تقف ما بين طهران والجمهور المستهدف، عليهم تحويل رسالتهم ونقلها عبر شبكات “حزب الله”. وتأكد المسؤولون من تخصيص أموال من الدعم لتقوية شبكة دعاية متجذرة في المجتمع اللبناني، وليس فقط لدعم الجهود العسكرية.

ومن هنا ظهرت قناة “المنار” عام 1991، والتي وضعت نفسها في مركز دعاية إيران بإدارة “حزب الله” وداعميه الإيرانيين. وعبرت القناة عن هدفها، في صفحتها على الإنترنت، بأنها أول قناة عربية تهدف لشن حرب نفسية ضد العدو الصهيوني. وكانت العائدات بالنسبة لطهران كبيرة، فقد تحولت “المنار” لقناة وكيلة لبث الرسائل الإيرانية الأيديولوجية، وبدون نسبة مبادراتها مباشرة للجمهورية الإسلامية. وبعبارات أخرى “وسيلة أداة تبييض معلومات”. ولدعم الشراكة تم في تشرين الأول/أكتوبر إنشاء المنظمة الوطنية للدفاع السلبي، وهي منظمة سايبر للنخبة بهدف نشر المصالح الإيرانية وتنظيم “الوسائل غير الفتاكة”، بما في ذلك الأعمال النفسية، واستخدام القنوات الإعلامية.

وأصبحت منظمة الدفاع السلبي تعمل كجزء من عجلة التأثير الإيراني مع “حزب الله” لنشر “عقيدة المقاومة في المنطقة”. وبهذه الطريقة أتقن “حزب الله” وقنواته الفضائية فن الدبلوماسية العامة لإثارة مشاعر السكان العرب ضد واشنطن. لدرجة أن الكثير من المراقبين الأمريكيين ربطوا في عام 2002 المشاعر المعادية لأمريكا لما تبثه الدعاية الإيرانية وقناة المنار من رسائل معادية للولايات المتحدة.

وصفَ جنرال إسرائيلي “حزب الله” بأنه “مقاول فرعي” لـ “الحرس الثوري”. مثال هذا الدور تَنَاقُل وصف نصر الله لمقتل مهسا أميني بأنه “حادث غامض” في كل منصاته.

 وكانت الحرب التي استمرت 33 يوماً بين الحزب وإسرائيل في عام 2006 نقطة تحول في الشراكة الإعلامية بين الحزب وإيران، فقد ساعدت الحرب الحزب على تحقيق انتصار رمزي على إسرائيل وجيشها، وهو انتصار تحقق في الإعلام والفضاء الإلكتروني. وقال رون شيفر من جامعة أرييل: “كيف فرضت قوة من مئات المقاتلين إرادتها على أكبر قوة عسكرية في المنطقة”. ورأى أن المواجهة بين الحزب وإسرائيل هي أوضح مثال عن الحرب النفسية غير المتكافئة. وهي مثال عن قدرة طرف ضعيف على التوازي مع قوة ضاربة وأخذ المبادرة منها.

ويرى الباحث السياسي الإسرائيلي أن “حزب الله” انتصر عبر “حرب الصور”، والتركيز على تقنيات التواصل وأساليب نشر الرسائل. ولأنه لم يملك أسلحة دمار شامل فقد اعتمد “حزب الله” على أسلحة الإقناع الشامل والخروج منتصرا في الحرب اللبنانية الثانية. واستفاد الحزب من نظام الحرب النفسية القوي، الذي أشرفت عليه وحدة التجسس، وعملت بذكاء على نشر الصور المؤثرة على السكان المحليين وفي المنطقة والمشهد الدولي. ولعبت قناة “المنار”، التي تعتبر مركز الحرب النفسية للحزب، دوراً حاسماً، فقد كانت أول قناة تعلن عن خطف الجنديين الإسرائيليين، وأول من استضاف الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله عندما قال “نحن نقترب من النصر”.

وفي غضون شهر تحول الحزب من جماعة إسلامية مسلحة إلى أهم حركة مقاومة ضد الصهيونية الإمبريالية، والفضل يعود لآلة الدعاية التي قدمتها “المنار”.

وإلى جانب النصر غير المباشر على إسرائيل، قدمت حرب لبنان الثانية لـ “الحرس الثوري” أرضية لفحص ما أطلق عليها عقيدة الحرب الفسيفسائية غير المتكافئة التي تبناها عام 2005. فمن خلال تطبيق مقترحات الحليف الإيراني استطاع الحزب الانتصار. ولم تكن مصادفة اعتراف قائد “الحرس الثوري” الجنرال محمد علي جعفري بعد أسابيع أنهم استخدموا أساليب الحرب غير المتكافئة في مواجهة العدو المسلح جيدا. وأثبتت حرب  عام  2006 بأنها محورية، فعند هذه النقطة بدأ الاختصاصيون العسكريون يتحدثون عن “النزاعات المهجنة” التي تعتمد على الوسائل العسكرية وغير العسكرية.

وكانت حرب الـ 33 يوما بداية تعاون بين إيران و”حزب الله” في المجال الإلكتروني. وبالتحديد عند اكتشاف الحزب المنافع التي قدمها التأثير السايبري، التي لم يلتفت لها سابقا. ففي هذا النزاع بدأ الحزب الشيعي بشن هجمات إلكترونية ضد المواقع الإسرائيلية والأمريكية، لكن هذه الهجمات تم استخدامها للدعاية والترويج لقوة الحزب ونشر الصور. وبالإضافة لشمول هذه الهجمات ضرب مواقع صحيحة إلا أنها ركزت على نشر عقيدة “حزب الله” ودعايته.

وأسهم الحزب في نشوء موجة من الحرب المهجنة لكي يستخدمها منذ 2010 للترويج لمكاسبه السياسية والنفسية. ولم يطور “حزب الله” جيشاً إلكترونياً موازياً لراعيته الإيرانية إلا في عام 2011، فقد أجبر هجوم “ستوكسنت” في عام 2010 الذي عطل أجهزة الطرد المركزي في البرنامج النووي الإيراني، الحرس الثوري للاستثمار وتدريب الخبراء والاستعانة بهم.

وفي تقرير لشركة تكنولوجيا بريطانية “سمول ميديا” كشف أن إيران زادت من استثماراتها في الأمن الإلكتروني بنسبة 1.200% وذلك ما بين 2013 و2015. وانسحبت النفقات الكبيرة على الحرب الإلكترونية على “حزب الله”، الذي زاد من استثماراته وجهوده من “أجل قدراته الإلكترونية”.

لا تقتصر جهود جيش الحزب الإلكتروني على الشرق الأوسط، بل لقد انتشر عالمياً لمواجهة الحملات الإلكترونية الأمريكية والأوروبية والاستفادة من الاستقطاب داخل الدول وتقويض ثقة الناس بالديمقراطية.

وكشفت شركة التهديد الاستخباراتي الإسرائيلية، تشيك بوينت سوفت وير، في 2015 عن ولادة جيش “حزب الله” الإلكتروني وشن حملة “الأرز المتطاير” بهدف اختراق البرمجيات الإسرائيلية والغربية، وهي حملة متقدمة نظراً للتعاون بين جيش “حزب الله” و”الحرس الثوري” الإلكترونيين. وفي منتصف عام 2010 اكتشف قادة “حزب الله”، وهم يقومون بنشاطات تجسس وتخريب إلكترونية تقليدية، أنهم يستطيعون الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي لنشر التأثير. وقدمت شركات فيسبوك وتويتر وواتساب وسنغنال وتليغرام، التي انتشرت بشكل واسع، الفرصة لجيش حزب الله الإلكتروني لكي يجمع ويرتب وينشر المعلومات وتقديم نفسه بـ “جبهة المقاومة” ضد أمريكا والسعودية وإسرائيل. واستخدم الحزب، الممنوع من فتح حسابات باسمه، في هذه الشركات ما يأتي على حساب تويتر “المنار” الذي زاد عدد المعجبين به إلى نصف مليون. ولا يختلف استخدام “حزب الله” عن طريقة “بيغ بروذر” (الأخ الأكبر) الحافل بالإشارات لكلام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ونشر على قنوات يوتيوب خطابات حسن نصر الله، فيما سمحت منصات أخرى للحزب مواصلة الدبلوماسية عبر البث الحي.

وسرعان ما توسعت عمليات الجيش الإلكتروني لنشر الرسائل عبر خلايا أجنبية، وهي، وإن كانت ساكنة وبعيدة عن النظر، إلا أنها نشطة وفاعلة في العالم السايبري. وأصبح الملصق والإذاعة والكتيّبات أمراً من الماضي. ورغم وصول تكنولوجيا الأمن الإلكتروني لـ “حزب الله” إلى درجة النضج إلا أن جيش “الحرس الثوري” الإيراني الإلكتروني مستمر في تقديم المواد والمحتويات والدعم المادي والمعنوي لجيش الحزب، لدرجة وصف جنرال إسرائيلي الحزب بأنه “مقاول فرعي” عن “الحرس”. وبدا هذا الدور من خلال رد كل منصات التواصل المرتبطة بالحزب على مقتل مهسا أميني، عندما نقلت وصف نصر الله في تشرين الأول/ أكتوبر للوفاة بأنها “حادث غامض”، كل هذا لم يمنع الكثيرين من وصف الجيش الإلكتروني التابع لـ “حزب الله” بأنه مكتف ذاتيا للعمل بمفرده على فضاء السايبر. وبدا هذا واضحاً من قدرة الحزب على فرض نفسه كقائد للتشدد والتجنيد ونشر المعلومات المضللة.

وبالإضافة للقنوات الفضائية والإذاعات، يشرف الحزب على أكثر من 20 موقعاً على الإنترنت باللغة العربية والأذرية والإنكليزية والعبرية والفارسية والإسبانية، هذا إلى جانب منابر تواصل اجتماعية جاهزة للرد ونشر الرسائل المعادية لأمريكا وإسرائيل.

 ويستثمر جيش “حزب الله” الإلكتروني وجوده على فضاء السايبر للقيام بعمليات تجنيد لكوادره وليس فقط للقوة الناعمة. وينظم الجيش مؤتمرات ومعسكرات في لبنان، حيث يتم تدريب الأجانب على أساليب التضليل والتأثير الإلكتروني، حسبما ذكرت صحيفة “تلغراف” في آب/أغسطس.

وإلى جانب التدريب على الحروب الإلكترونية، فإن الهدف هو بناء “مزارع ذباب إلكتروني” والانضمام لتحالف رقمي إلى جانب “حزب الله” وإيران. وبعد نهاية التدريب يرسلون إلى دول أخرى مثل اليمن، حيث يستفيد الحوثيون من الخبرات، والعراق للعمل مع مشغلي كتائب “حزب الله”، وعددهم 400 حسب المصادر الأمريكية.

 ولا تقتصر جهود جيش الحزب الإلكتروني على الشرق الأوسط، بل لقد انتشر عالمياً لمواجهة الحملات الإلكترونية الأمريكية والأوروبية والاستفادة من الاستقطاب داخل الدول وتقويض ثقة الناس بالديمقراطية.

وقاد “حزب الله” وإيران حملات إلكترونية ضد إدارة دونالد ترامب. ويشك بقيامها بحملات تأثير في غرب أفريقيا مثل مالي وغينيا وبينين وموريتانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    ممتاز ✅

  2. يقول محمود:

    وماذا عن الاغتيالات الممنهجة للعلماء وأعضاء الحرس الثوري داخل إيران وخارجه؟؟؟

  3. يقول عيسى التلحمي:

    كل الاحترام
    لدى ايران وحزب الله تفكير ووعي وخط استراتيجي يعملون في كل الجبهات
    ماذا لدينا نحن العرب؟

  4. يقول فراس-سوري في ميونخ:

    للاسف اثر تخريبي وافكار هدامة

  5. يقول مصطفى:

    اظن ان الحرب في سوريا اماطة اللتام عن النفس السوداء لهؤلاء ،فمهما اخفوا فتلك فضحتهم

إشترك في قائمتنا البريدية