لن تنجو من هذا الليل…
الصوت ذاته يرن في أذنيك
الصرخة التي تأتي من كهف في السماء
وأغنية تمسح عن ظهرها غبار العصور
الضوء.. الوقت.. والفكرة
تسقط الآن في بئر لا قرار لها
ربما نجوتَ من السقطة الكبرى.. وارتفعت عاليا ً
ربما نجوتً من الغرق..
وجفًّ النهر بدموعك
ربما بكيت كصخرةٍ على الشواطئ
وظل قلبك العاري ينبض في جدران المساء
ربما لم يلتفت إليك الغرباء بأجسادهم النحيلة
ولم تعبر الجسر إلى الضفة الأخرى
٭ ٭ ٭
ستصحو والرماد يشع من أعماقك
ستصحو بقنديلك الشاحب.. لترى ظلاً يشبهك
يتمدد كلما تقلص العالم
ويتقلص كلما اتسع خوفك ليغطي سحابة من الثلج
ستصحو لترى الآخرين استعاروا صوتك وملامحك الكئيبة
وحكاياتك في المقهى
استعاروا جنونك.. وظلامك المرئي في النهار
استعاروا كُلَّ شيء
ما عدا وهمك العظيم .. وسماءك الواسعة
ستصحو وعين الطائر الدامية
ترمقك من خلف النافذة
والصوت ذاته يرن في أذنيك
لن تنجو من الليل ..
لن تنجو من الحلم أبداً
أبيض.. كليل الخديعة
لم أنتظر سيمفونية هذا المساء
لأبني أكواخ العزلة
ولا فراشة تخرج لي من دفتيّ كتاب
لألهو مع السنابل والرعاة في بلاد بعيدة
أنتظر أن يخرج أوصياء الرب والشياطين
ليستحمّوا عراة في النهر
أو يلتهم العالمَ حريقٌ دفعة واحدة
لأنحتَ من صلصاله وجهاً لمجرتنا الغريبة
عندما يعلو صوتُ البرابرة في الحروب
كان يمكنني أن أسمع أناشيد الملوك
بخيولهم الشقراء وعرباتهم المذهبة
كان يمكنني أن أدُلَّ الموتى
إلى عناونيهم ورسائلهم
عندما تنادي الحجارة باسمي
أو يَتَصَدّع سرابٌ في المخيلة
فتحت النافذة.. ولم أرَ سواي
أي شعاع حملني إلى هنا؟
ها أنا قبل عشرة أعوام
بذات البؤس والمشية المتراخية
بذات الصمت الذي تنبت منه شجيرات هادئة
وهدير محترق
لكن جرسا ما يهتز في عنقي
وشفتاي شاحبتان.. كملح الخديعة
أعرف الرعب الذي يسيطر على عقلي
أعرف الأغنية التي سأتمتم بها بعد قليل
يمشي هو / وواقف أنا
واقف هو / ويمشي (أنا )
يتكئ على ظله.. فأحلم
أحلمُ.. ليبقى متكئاً على حلمه
بهذا القلق.. مشينا طويلا ً
حلمنا وكبرنا في العاصفة
والليل استفاق بعينين من ياقوت
الدخان يتكاثف على القمم
والقطن يهبط .. بطيئاً
خفيفا ً كنوم عميق
٭ كاتب عراقي