خلال نهار واحد تلقت دولة الاحتلال الإسرائيلي سلسلة ضربات موجعة تنوعت مصادرها القانونية والسياسية والدبلوماسية والحقوقية، ولكن مضامينها توحدت حول حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزة، وسجلت انتكاسات نوعية، كما ترددت مفاعيلها في عقر مؤسسات الحكومة الإسرائيلية ذاتها.
ففي لاهاي تواصل محكمة العدل الدولية الاستماع إلى إحاطات شفهية وأخرى مكتوبة تقدمت بها عشرات الدول من مختلف أنحاء العالم بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، في سياق الطلب الذي تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة لإصدار فتوى حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ حرب 1967، والإجابة عن سؤالين. الأول يخص التبعات القانونية الناجمة عن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستمرار احتلال الأراضي وإقامة المستوطنات، والسؤال الثاني يتعلق بكيفية تأثير الانتهاكات الإسرائيلية على التوصيف القانوني للاحتلال.
وبين الأكثر إيلاماً للاحتلال كانت إحاطة مندوب جنوب أفريقيا، الذي اعتبر أن دولة الاحتلال تمارس ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية نسخة أشد تطرفاً من تلك التي طبقتها جنوب أفريقيا ضد السود قبل 1994، وأن الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي يجسد جريمة الأبارتايد ذاتها، وأنه يقع على عاتق دولة جنوب أفريقيا «واجب خاص» لفضح الأبارتايد أينما وقع، و«العمل على إنهائه فوراً».
وفي أديس أبابا شهدت أروقة الجمعية العامة للاتحاد الأفريقي سحب صفة «العضو المراقب» الذي كانت دولة الاحتلال تتمتع به، استكمالاً لما شهدته القمة ذاتها السنة الماضية من طرد المندوبة الإسرائيلية خارج قاعة الاجتماعات. وفي المقابل، استقبلت القمة رئيس الوزراء الفلسطيني واستمعت منه إلى خطاب أكد فيه أن الفلسطينيين «يدافعون عن أنفسهم مثلما دافعتم في إفريقيا عن أرضكم ضد الاستعمار» كما أدان الاتحاد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واعتبره رئيس مفوضية الاتحاد الانتهاك «الأكثر فظاظة» للقانون الإنساني الدولي، متهماً الاحتلال بالعزم على إبادة سكان غزة.
وفي بروكسل طالبت 26 من أصل 27 دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي بـ«هدنة إنسانية فورية تؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار» حسب بيان صدر عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد، كما بادرت بلجيكا الرئيسة الحالية للاتحاد إلى توجيه نداء إلى دولة الاحتلال بالامتناع عن مهاجمة مدينة رفح المكتظة بالنازحين. وإذا كان بيان الـ26 لم يصدر بالإجماع فلأن الدولة التي صوّتت ضده لم تكن سوى المجر وحكومة فكتور أوربان المتهمة بالعنصرية واليمين المتطرف، وفي هذا ضربة أخلاقية إلى الكيان الصهيوني.
وأما في تل أبيب ذاتها فإن رسالة غادي آيزنكوت إلى مجلس الحرب في الحكومة الإسرائيلية فضحت مستويات جديدة من أكاذيب الائتلاف الحاكم ورئيسه بنيامين نتنياهو شخصياً حول مجريات العدوان على القطاع، خاصة لجهة تأكيد جنرال متقاعد ورئيس أركان أسبق وعضو حالي في مجلس الحرب بأن العمليات العسكرية تقتفي «إنجازات تكتيكية فقط» من دون «تحركات كبيرة لتحقيق إنجازات استراتيجية».
وهكذا، من لاهاي وأديس أبابا إلى بروكسل وتل أبيب، الضربات الموجعة تتوالى على الاحتلال، والقادم يبدو أبعد عاقبة.