بعد تشكيل حكومة أقصى اليمين بقيادة نتنياهو وشركائه المتشددين دفعت المنطقة لحافة الهاوية بسياساتهم وفكرهم المتطرف الرافض للاعتراف بحق الفلسطينيين ورفض قبولهم بوجودهم ـ بفكر تلمودي عنصري متطرف. اختطف الشركاء الصهاينة والصهيونية الدينية خاصة بن غفير وزير الأمن الداخلي، وسيموترتش وزير الدفاع!، نتنياهو العلماني رهينة بابتزازه وترهيبه لخدمة أجندتهم المشتركة.
لم يعد نتنياهو يتردد بالاعتراف بفوقية «أنني أفشلت اتفاقية أوسلو»! التي أسست السلطة الفلسطينية الهشة عام 1993، كانت أكبر فخ ومكيدة للفلسطينيين!
حول الفاشيون نتنياهو لرهينة يحقق أهدافهم لتقاطع مصالحه مع أطروحتهم العنصرية البغيضة برفض وقف حرب غزة والتوصل لوقف إطلاق النار ومنع توسع الحرب وفتح جبهة لبنان مع حزب الله. يُضاف لذلك تمكين بايدن لنتنياهو للاستمرار بمواقفه المتشددة.
وطرحت تساؤلات واقعية للفرص العديدة التي كانت بيد بايدن لتفعيلها لممارسة ضغط حقيقي يقلب الطاولة على تعنت وعناد نتنياهو، خاصة بعدما قرر التنحي لمصلحة نائبته كامالا هاريس ليرشحها الحزب الديمقراطي رسمياً مرشحة للحزب. لكن للأسف أضاع بايدن جميع الفرص وكرّس الاصطفاف الكلي دعما وإسناداً وتمكيناً عسكرياً وسياسيا وتبنى الرواية الإسرائيلية في غزة والضفة بلا ملل، بحق إسرائيل الدفاع عن نفسها دون أدنى انتقاد أو ضغط لوقف آلة القتل والإبادة. وفوت بايدن الفرصة أيضا عندما لجأ الصهاينة لجريمة إرهابية بتفجير أجهزة الاتصالات آلات النداء «بيجر» والأجهزة اللاسلكية تحولت لقنابل موقوته بتفخيخها قبل وصوله الشحنة إلى حزب الله عبر شركة وهمية خدعت حزب الله وفخخت حوالي 5000 جهاز بيجر-أدى لمقتل 37 من قياديي وعناصر حزب الله وإصابة 3400 بتفجير الأجهزة المفخخة!
ولتُكمل إسرائيل عدوانها باستهداف اجتماع سري لفرقة الرضوان يوم الجمعة الماضي في معقل حزب الله الرئيسي في الضاحية الجنوبية لبيروت وتغتال في اختراق أمني كبير-القائدين إبراهيم عقيل مسؤول العمليات الخاصة في حزب الله خليفة فؤاد شكر وأحمد وهبي، ومعهما 12 من عناصر فرقة النخبة ـ »الرضوان» ـ تتهمهم إسرائيل بمبالغة، بالتخطيط باجتياح الجليل، مماثل لما قامت به حماس في عملية طوفان الأقصى!
وللمرة الرابعة تستهدف إسرائيل حزب الله وقياداته ومعاقله منذ يناير الماضي باغتيال صالح العاروري القيادي في حركة حماس وفؤاد شكر قائد العمليات في حزب الله والرجل العسكري الأول نهاية يوليو الماضي-ولتكمل عدوانها باغتيال إبراهيم عقيل في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية.
لا يجرؤ أي مسؤول أمريكي انتقاد جرائم إسرائيل الفاضحة والمدانة، ما يعمق كراهية شعوب المنطقة لأمريكا وانحيازها السافر والدائم لإسرائيل
ما يُثبت أن حزب الله برغم جميع إمكانياته وقدراته مخترق أمنيا من إسرائيل التي تكتشف تحرك واجتماعات ولقاءات قياداته وتفخيخ أدوات الاتصالات ـ ما تسبب بانتكاسة مؤلمة وضربة موجعة اعترف بها أمين عام حزب الله في خطابه مساء الخميس الماضي توعد به بالرد والقصاص القاسي والعادل من العدو دون تحديد نوع وشكل الرد، وأكد على لاءاته برفض وقف إسناد المقاومة في غزة مهما كانت التضحيات «لن تضعفنا» وتحدى نتنياهو ووزير حربه غالنت أن المستوطنين لن يعودوا (60 ألفاً أُجبروا على النزوح) من الشمال إلا بوقف الحرب على غزة.
وسبق أن اغتالت إسرائيل أبو مهدي الخفاجي مستشار كتائب حزب الله العراقي في دمشق صباح الجمعة، يوم اعتدائها على الضاحية الجنوبية! ما يعني نجحت إسرائيل في يوم واحد وفي تحد وإحراج لبايدن وإدارته ومطالباته بلا جدوى بضرورة وقف حرب غزة وعدم توسع الحرب وفتح جبهة لبنان وتفجير حرب إقليمية. وتلك آخر ما يخشاه بايدن وإدارته قبل شهر ونصف من انتخابات رئاسية حاسمة يراهن نتنياهو على فوز ترامب، وتمنيه هزيمة كامالا هاريس نائبة بايدن! ليمنحه ضوءا أخضر ليفعل ما يريد، وأكثر من ضوء بايدن البرتقالي.
ويبقى الصادم مع علم بايدن أن نتنياهو ينصب له فخاً لتوريطه بحرب إقليمية مهد لها بعدوانه على إيران واغتيال إسماعيل هنية قبل سبعة أسابيع، والتصعيد مع حزب الله الأسبوع الماضي وبانتظار الرد الإيراني الانتقامي ورد حزب الله على حرب «البيجرات، ووكي توكي» واغتيال إبراهم عقيل وقيادات فرقة الرضوان» مازال بايدن يتواطأ مع وحشية حروب نتنياهو في غزة والضفة الغربية. وبرغم اتهام بايدن نتنياهو علنا-»بعدم القيام بما هو مطلوب منه للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقة الإفراج عن الأسرى».
سقف بايدن وإدارته-الإصرار على الاستمرار بالتفاوض العقيم بلا ضغوط حقيقية وتكرار مطالباته التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وعدم توسع دائرة الحرب. وإلغاء وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن زيارته لإسرائيل، لكنه يرسل حاملة الطائرات هاري ترومان وفرقاطات لشرق المتوسط تحسبا واستعداداً لردع إيران وحلفائها عن شن عمليات انتقامية ضد إسرائيل. وتباين ناعم من منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط :»لا نتفق مع الحكومة الإسرائيلية بأن الحرب في لبنان ستعيد السكان إلى الشمال»!
لاحظوا لا يجرؤ أي مسؤول أمريكي انتقاد جرائم إسرائيل الفاضحة والمدانة، ما يعمق كراهية شعوب المنطقة لأمريكا وانحيازها السافر والدائم لإسرائيل! لا يبدو أن بايدن سيقوم بما يحتم عليه واجبه الأخلاقي وتصويباً لإرثه، ولهزيمه ترامب. وهذا سيضمن تخليد إرثه الملطّخ بدماء الأبرياء لمهادنته وشراكته إسرائيل بحرب إبادتها الوحشية!
أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت