دفعتني عملية فرار ستة أسرى، صباح يوم الإثنين السادس من أيلول /سبتمبر الجاري ، من سجن جلبوع، شمالي فلسطين المحتلة ، للاتصال بالكاتب الصديق ماهر اليوسفي؛ صاحب كتاب ” معتقل أنصار كيف حفرنا الأنفاق” الصادر عن دار الأهالي في دمشق عام 1989، وسأذيل لاحقاً شيئاً من شهادته حول الهروب الكبير من معتقل أنصار جنوب لبنان الذي قضى فيه عشرين شهراً قبل عملية تبادل جرت في شهر تشرين ثاني /نوفمبر 1983. لكن سنلتقي الضوء بداية على عمليات هروب الأسرى من المعتقلات الصهيونية.
محطات الهروب من المعتقلات
زخر التاريخ بعمليات هروب ناجحة وكذلك فاشلة؛ وثمة رسائل ومعاني تحملها عملية النفق بحد ذاتها والعمليات السابقة، في المقدمة منها قدرة الأسرى على إرباك مصلحة السجون الصهيونية وزعزعة الأمن الصهيوني من الداخل؛ وتالياً تنفس الحرية مهما طال الوقت والتأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده والتي ترسخت خلال هبة الأقصى الرمضانية.
ومن أبرز عمليات كسر قيد السجان الصهيوني؛ عملية هروب كبيرة من سجن شطة عام 1958، وفي حينه، خاض نحو 190 أسيرا فلسطينيا مواجهة مع سجانيهم، وسيطروا على عدد منهم، فاستشهد 11 أسيرا، وقُتل سجانان إسرائيليان، ونجح آنذاك 77 أسيرا في الهرب؛ وتمكن الفلسطيني حمزة يونس من قرية “عارة” جنوب مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني، من الفرار ثلاث مرات؛ كانت الأولى: من سجن عسقلان في 17 أبريل/نيسان 1964؛ والثانية: من المستشفى عام 1967، والثالثة: من سجن الرملة عام 1971.
وتمكن محمود عبد الله حمّاد، ابن قرية سلواد شمال شرق رام الله، من الهروب خلال نقله من سجن إلى آخر في نوفمبر/تشرين ثاني 1969، وظل مطاردا لتسعة أشهر قبل أن ينتقل إلى الأردن، كما نجح ابن بلدة “سلواد” ناصر عيسى حامد، في الهروب من محكمة الاحتلال في رام الله في 27 يناير/كانون الثاني 1983، لكنه اضطر لتسليم نفسه بعد أيام من المطاردة، وفي 17 مايو/أيار عام 1987، وقع الهروب الكبير من سجن غزة، بعد قص قضبان نافذة المرحاض، وكان العقل المدبر للهروب هو الشهيد والأسير السابق مصباح الصوري المولود في مخيم المغازي في قطاع غزّة عام 1954، والذي سبق وحاول الهروب سجن بئر السّبع أكثرَ من مرة، إلى جانب الصوري كان أيضا: صالح إشتيوي، وسامي الشيخ خليل، ومحمد الجمل، وعماد الصفطاوي، وخالد صالح، واستطاع الصوري من الاختفاء 4 أشهر، لكنه استشهد في اشتباك مع قوات الاحتلال، ثم استشهد محمد الجمل وسامي الشيخ خليل بعد أشهر، واعتقل صلح إشتيوي بعد 7 أيام من الهرب، في حين تمكن عماد الصفطاوي، وخالد صالح من مغادرة غزة، وخلال عام 1987 نجح الأسير خليل مسعود الراعي من حيّ الزيتون بغزة، مع رفيقيه شوقي أبو نصيرة وكمال عبد النبي، في الهروب من سجن نفحة، لكن أعيد اعتقالهم بعد ثمانية أيام خلال محاولتهم المغادرة إلى مصر؛ وقائمة فرار الأسرى من المعتقلات الصهيونية تطول وتحتاج إلى دراسة مطولة.
كيف حفرنا الأنفاق؟
بالعودة إلى شهادة الصديق ماهر اليوسفي، حول أنفاق معتقل أنصار والهروب الكبير؛ فقد أشار البداية إلى أن المعتقلات الصهيونية في الداخل الفلسطيني بما فيها معتقل جلبوع محصنة بشكل كبير، ولايقارن مع سجن أنصار المؤلف من خيم متفرقة في معسكرات متلاصقة تحيط بها أسلاك شائكة وابراج صهيونية للمراقبة.
ومعتقل أنصار أقامه جيش الاحتلال الصهيوني إبّان احتلاله لجنوب لبنان، وقد افتتح في 14 يوليو/ تموز 1982 في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتم زجّ أربعة آلاف من اللبنانيين والفلسطينيين والعرب فيه.
وقد أجبرت المقاومة اللبنانية القوات الإسرائيلية على الانسحاب من بيروت والجبل وصيدا والزهراني وصور والبقاع الغربي، واكتمل الأمر بإقفال معتقل أنصار في 4 أبريل/ نيسان 1985 وفي الثالث والعشرين من تشرين ثاني /نوفمبر 1983 تمت عملية تبادل أسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل؛ وتم إطلاق (1100) أسير فلسطيني وعربي باتجاه الجزائر، وعدد كبير أطلق سراحهم وبقوا داخل الأراضي اللبنانية، منهم عدد كبير من الفلسطينيين واللبنانيين.
في الثامن من شهر آب /أغسطس عام 1983 كانت عملية الفرار الكبير من معتقل أنصار؛ وقد أشار الكاتب والأسير المحرر ماهر اليوسفي إلى أن عدد مجموعة الفرار الكبير وصل إلى (76) أسيراً ، وقد تمً حفر عدة أنفاق، لكن نفق الهروب تمً استكماله والتخطيط للهروب بعد مظاهرات للأسرى تمً خلالها حرق الخيم واستخدام أوتادها الحديدية بالحفر ورمي الأتربة بعد كل عملية حفر بأوعية المياه في حفر الحمامات العميقة للتمويه من مراقبة السجانين الصهاينة، وأكد اليوسفي أن الجندي الموجود في برج المراقبة ارتجف وتعذر عليه إطلاق النار بشكل مباشر وسريع على الأسرى الفاريين بسبب الهلع والخوف الشديد الذي انتابه.
وادي جهنم
لكن بعد تلك العملية عمد الجيش الإسرائيلي إلى نقل المعتقلين إلى ما أُطلقت عليه تسمية “وادي جهنم” وأعادوا تأهيل المعتقل بحيث قسّموه إلى معسكرات منفصلة عن بعضها تفصل بينها الأسلاك الشائكة، وجعلوا الأرض من الإسفلت التي تبلغ سماكته أكثر من 20 سم، يضاف إليهم المقدار نفسه في أرض كل خيمة.
لقد أصبحت سماكة الإسفلت في أرض الخيمة 40 سم في حدّها الأدنى وهو الذي يمنع أي تفكير في حفر نفق كما حصل في المرة السابقة. عندما اكتمل تجهيز المعتقل عمل الإسرائيليون على إعادة المعتقلين من المكان المؤقّت الذي وضعوا فيه “وادي جهنم” إلى المعسكر الجديد. لكن مجموعة منهم من أربعة شباب لبنانيين كانوا قد حفروا في المكان الجديد ملجأ داخل الأرض واختبأوا فيه على أمل أن يخرجوا منه بعد أن تكتمل عملية إعادة المعتقلين إلى المعسكرات الجديدة؛ ولكن ما لم يكن بالحسبان لديهم هو إقدام الجيش الإسرائيلي على إحضار جرافات، حيث عملت على حفر خنادق في الأرض، وكان أن انهارت الحفرة التي اختبأ فيها الشباب الأربعة. فانضموا إلى قافلة شهداء الحركة الأسيرة، وكان منهم الشهيد عباس بليطة والشهيد إبراهيم خضرا.
ويبقى القول إن عملية هروب الأسرى من السجون والمعتقلات الصهيونية وكذلك معارك الأمعاء الخاوية والاضراب العام عن الطعام ، دلالة كبرى على وحدة الحركة الأسيرة ونضالاتها التي لم ولن تنضب؛ مدعومة بتضامن شعبي وفصائلي فلسطيني حتى النصر ودحر المحتل الصهيوني وتفكيك معالمه الاحتلالية وفي المقدمة منها السجون والمعتقلات الصهيونية.
كاتب فلسطيني
بوركت اخي نبيل على هذا السرد الرائع والمقارنه ببن السجون التي انشأها الاحتلال في انصار والسجون التي في الداخل الفلسطيني.لكن المعاناه والاصرار على نيل الحريه لم يفارق مخيلة جميع الاسرى .
وربنا يفك اسرهم قريبا
الله يعطيك العافية مقال جميل وثري بالمعلومات
صديقي العزيز أحييك على هذه الروح وهذا النفس الوطني وهذه المعلومات القيمة
دمت لقيتها ذخرا