ثمة خط ممتد بين ليل 4 كانون الثاني 2023 وصباح 7 أكتوبر من تلك السنة. في المساء الذي ظهر فيه وزير العدل على شاشة التلفزيون، حاقداً ومنتقماً، وأعلن عن ولادة “الإصلاح القضائي”، زرعت بذور الاضطرابات التي أدت في غضون تسعة أشهر إلى هجمة حماس. يريف لفين، بإذن وبتخويل من رئيس الوزراء، نفذ عملية ضد الأساسات الديمقراطية لإسرائيل، وعلى رأسها المحكمة العليا وجهاز القضاء كله. على مدى تسعة أشهر هو والسانشوبنسا خاصته سمحا روتمان، الذي تفوق عليه أحياناً، عملا بشغف وبكد على سحق الدولة والمجتمع الإسرائيلي طولاً وعرضاً. في اللغة العسكرية المتبعة اليوم، قاما بعملية “تمهيد” أو “تسطيح” في خدمة العدو من الجنوب.
الشعب تمزق بين مؤيدي الإصلاح ومعارضي الانقلاب ضد الديمقراطية. وضعت وحدة الجيش لأول مرة قيد الشك. جنود وضباط احتياط أعلنوا أنهم لن يخدموا نظاماً دكتاتورياً (لكن الأغلبية وعدت بأنه إذا ما تعرضت إسرائيل للهجوم فسيمتثلون للخدمة). تضرر الردع، واهتز الاقتصاد ومرافقه، وفتحت فجوة عميقة فاها بين إسرائيل والولايات المتحدة، ما يشكل خطراً على أمن إسرائيل.
التحذيرات والإخطارات تدفقت من كل صوب: من “أمان” و”الشاباك” و”أصدقائنا الأمريكيين”. أما نتنياهو فقد ألغى واستخف. لكن يوآف غالانت، كان شجاعاً ليحذر من “خطر واضح وفوري على أمن الدولة”، قبل أكثر من نصف سنة من المذبحة. وقد عوقب بالإقالة، التي ألغيت، ومنذئذ أصبح العدو رقم 1 لعائلة نتنياهو. واليوم يحوم من فوق رأسه سيف الإقالة.
غالانت، ربما بسبب مسؤوليته عن القصور، يبدي التزاماً حقيقياً لإعادة الـ 101 مخطوف من غزة. حتى بثمن وقف الحرب. يشاركه في ذلك قادة جهاز الأمن. لكن مثلما في أيام الانقلاب، للرجل جدول أعمال آخر تماماً. بين 4/1 و7/10 سعى للانتقام من جهاز القضاء الذي “حاك له ملفاً” وضرب استقلاليته، كي لا يتجرأ أحد على لمسه لاحقاً.
منذئذ وهو يركز على بقائه السياسي والشخصي. كانت هذه هي الفريضة العليا، أو الفكرة التأسيسية التي يستقيم معها كل شيء. وعليه، فمنذ تشرين الثاني من العام الماضي، رد وأحبط وعرقل كل مبادرة لصفقة مخطوفين. في كل مفترق كان مطالباً فيه الحسم بين إعادة المخطوفين وتعميق المناورة العسكرية، أو احتلال مدينة ما، فعل خياره. اليوم، يقدر الأمريكيون بأن السنوار حي، وأن لا مصلحة له في الصفقة. فلماذا يبدي نتنياهو مصلحة فيما هو يتنازع مع الرئيس بايدن غير القادر على رفع هاتف له دون ابتلاع قرص ضد الغثيان، وعشية تدهور محتمل لحرب إقليمية شاملة؟ وهل لنتنياهو مصلحة في صفقة تهدئ المنطقة وتساعد كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية أم أنه غارق حتى الرقبة في حملة ترامب؟.
هذه ليست المرة الأولى التي تتقاطع فيها مصالح نتنياهو والجار الغزي. الفرق بينهما أن الأول يخدم الثاني. في العقد الأخير، كان نتنياهو هو عراب المفهوم القائل بوجوب تعزيز حماس لإضعاف السلطة الفلسطينية؛ أعطى، والسنوار أخذ. قال يئير لبيد ذات مرة عن نتنياهو إنه لن يقام على اسمه مكب في إسرائيل. لكن إذا ما بني ذات يوم ديزني لاند في غزة، يجدر بها حينئذ أن تسمى على اسم رئيس وزراء إسرائيل. الرجل والخيال.
بعد سنة، لم تنته الحرب، بل تتسع. المعاناة لا تنتهي، و101 مخطوف لا يزالون في غزة. كان يمكننا مواجهة الوضع بسهولة لو وجدت حكومة طبيعية تهتم بمواطنيها وليس بنفسها، ولو وجد رئيس الوزراء ووزراء يتصرفون بما يتناسب مع ذلك، ولو كان نتنياهو يبدي ذرة من عطف بايدن وكبار إدارته لعائلات المخطوفين، ولو وجد وزراء يبصقون لا يبصقون في وجوهنا كل يوم، ولو لم تكن ميري ريغف تمزق المعمورة في رحلات فساد تكلف الملايين فيما لا يستطيع رجال الاحتياط الوصول إلى وحداتهم بسبب السبت، ولو لم يكن يريف لفين يواصل حملته في التدمير، ولو تصرف سموتريتش كوزير مالية دولة في أزمة وليس كوزير مالية المستوطنات، ولو لم يكن دودي أمسلم يستفز عن قصد حين يتساءل “ما الذي حصل”، ولو أن اسحق غولدكنوف وآريه درعي ما كانا يقدسان تلاميذ المدارس الدينية المتملصين من الخدمة ويذرفان دموع التماسيح على الشهداء، ولو كان بن غفير يعالج الجريمة ومشكلة الفلسطينيين بدون تحريض ضد المصلين في المسجد في يافا؛ لا يهم أي منصب يحتله الرجل، فهو يصل دوماً إلى الساحة ليصرخ ويشهر ويفتري.
هذا المساء سيجرى احتفال الذكرى. سيبث الاحتفال العائلي مباشرة من حديقة اليركون في تل أبيب، وبعده الحكومي المسجل مسبقاً لوزير الاحتفالات ريغف. هي بالمناسبة أمسك بها أمس متلبسة بالكذب حين حاولت إخفاء موعد وجودها خارج البلاد على حساب مشاركتها في جلسات الكابنت السياسي – الأمني.
ننتظر لنرى كيف دللت ريغف، الأرنبة المخلصة لمحب الاستمتاعات، زعيمها وزوجته. بخطاب؟ بفيلم يعظم أعمال السيدة الشهيرة؟ كيف يمكن استيعاب حصول من كان سبب القصور والمذبحة، على زمن هواء لنثر شعاراته الهزيلة. غولدا مائير، التي يشحب قصورها أمام قصوره، أزاحت نفسها حتى يومها الأخير، حتى بعد الانتصار العسكري اللامع في حرب استمرت ثلاثة أسابيع فقط. أما نتنياهو فلا يبدي ذرة ندم أو ألم، أو إحساساً بالذنب أو تعذيب ضمير. لأنه ببساطة لا ضمير له.
لم يعترف بالمسؤولية ولن يعترف. لم يشكل لجنة تحقيق رسمية ولن يشكل. حكمه مضمون حتى أكتوبر 2026. فما الذي حصل؟.
يوسي فيرتر
هآرتس 7/10/2024