تأخرت في الكتابة، رغم أنني عدت في طائرة للخطوط الجوية العمانية ليس فيها غيري وستة أشخاص. تأخرت في الكتابة رغم أنني عدت من اتساع الصمت، الذي أوحى لي باتساع الحياة. لم أذهب إلى عمان إلا مرتين. الأولى كانت عام 2006، والثانية كانت هذا العام بدعوة من النادي الثقافي، الذي تديره عائشة الدرمكي، وبمتابعة رائعة من الكاتب القاص يعقوب الخنبشي. عدت من الأولى بدهشة الصمت والهدوء، حتى أننا جلسنا وقتها معا أنا والشاعر سيف الرحبي وعدد من كتاب عمان الشباب، نفكر كيف يخرج الأدب العماني من صمته وانعزاله، وانتهت الجلسة بالضحك الشديد، حين قال أحد الكتاب لن يحدث ذلك إلا إذا خرجنا نحن عن صمتنا وهدوئنا. لقد أوحى لي هذا الصمت بنوفيللا «شهد القلعة» عن رجل وامرأة زارا قلعة هناك وحدهما، فخرج عليهما صمت القلعة، بما يمكن أن تخرج به القلاع من تاريخ للرعب، الذي أخَّر عناقهما، هما اللذان ذهبا للعناق بعيدا عن الزحام غير الموجود أصلا. اختارا قلعة وسط الفراغ، فخرج عليهما تاريخ القلاع في كل الدنيا. لم يفارقني هذا الصمت، حتى نسيت أنني زرت يوما مسقط في عمان.
عدت من هناك لأقيم ندوة في المقهى الثقافي في معرض القاهرة للكتاب عن الأدب العماني ذلك الوقت، وكانت دهشتي من حضور بعض الأسماء للفاعليات الثقافية في مصر وسفرهم بدون أن يحدثوا أي صخب، كأنهم يبحثون عن النسيان. لم أجد تفسيرا لقلة الصخب حولي إلا أن عُمان الحضارة القديمة، التي امتدت شرق افريقيا، وإلى الهند لدى أهلها اكتفاء من الدنيا. يمضي الزمان ويبرز الأدب العماني يوما بعد يوم، وتفوز جوخة الحارثي بجائزة المان بوكر العالمية، ويفوز الشاعر الشاب حسن المطروشي بجائزة الشعر العالمي في إيطاليا، وأقابل بعض الكتاب هنا أو هناك مثل، سليمان المعمري، الذي لا أراه إلا صامتا، رغم صخب ما يكتبه عن الانتحالات والسرقات، أو محمود الرحبي الذي في لقاء معي منذ ست سنوات في الشارقة لمحته بين الجالسين، وكانت الجلسة نســـــائية كلها، وحــــين قدمته وأنا أتحدث باعتباره كاتبا عربيا مهما من عمان، احمر وجهه واشتعل بالخجل، وأنا أقول يا سبحان الله كل هؤلاء النساء في الندوة، وأنت يا محمود تشتعل خجلا.
لبّيت الدعوة للراحة من صخب القاهرة.. عدت بلقاءات جميلة وكتب أجمل. كنت أتوقع الانعزال وقتا استرجع فيه المطاعم والمقاهي التي جلسنا فيها والزيارات لبعض الأماكن، ومنها قصر الحاكم الذي لم أجد في الطريق إليه أي قوى أمنية، ووقفنا جانبه كأننا نقف تحت شباك بيتنا. كانوا هم يشرحون لي كل شيء وأنا شارد أفكر في هذا الاطمئنان الذي لا أجده حولي للحاكم، أو لأي مسؤول يمر في الطرقات، ما عدت به روايات ليونس الأخزمي الذي قرأت له الآن «بر الحكمان» أول ثلاثيته المكانية، وكذلك رواية «حديقة السهو» لمحمود الرحبي وغيرهما، وكذلك «حيتان شريفة» لمحمد سيف الرحبي وقصصه القصيرة جدا «أنواع». كذلك مجموعة قصصية هي «رغيف أسود» لسعيد السيابي وروايته «جبرين.. وشاء الهوى»، وكتاب في أدب الرحلات هو «عشر سماوات فاتنات» لخلفان الزيدي ورواية «ثورة المريدين» لسعيد بنسعيد العلوي، ودراسة جديدة من نوعها هي مقاربة بين مدينتي صور الكنعانية وصور العمانية للخطاب المزروعي، ودراسة «سيميائية النص الثقافي في عمان» لعائشة الدرمكي و«الرواية العمانية في ميزان النقد الثقافي» لخالد البلوشي و«في السرد الروائي العماني الحديث « ليوسف حطيني.
كم نحن في مصر في حاجة إلى هذه الطلة الشاملة على الأدب العماني. أتمنى من القاهرة الصاخبة أن تتسع لهدوء أهل عمان وستنتعش بصخب أعمالهم الجميلة الفائقة.
لماذا أذكر تقريبا كل الأمثلة الممكنة على ما عدت به، لأقارن بين ما جرى من تطور في الحياة الثقافية العمانية الآن، ومنذ زيارتي السابقة حيث لم نكن نعرف عن عمان وأدبائها هنا في مصر إلا قليلا، ساهمت في معرفته مجلة «نزوى». قرأت من قبل أعمالا منفردة لكتاب مثل بدرية الشحي وسليمان المعمري وليلى عبد الله الأصغر ومع بدرية الشحي، وأعمالا لعلي المعمري وغيرهم ممن هم أسبق، ولأنني لا أعمل بالنقد ومشغول بما أكتب هروبا مما حولي من منفى، ربما أشرت إلى بعضها على الفيسبوك ونسيت الأخرى.
الآن اندهش من أعمال يونس الأخزمي وطموحه الكبير الذي يجعله بين أهم الكتاب العرب. إن ثلاثيته التي نشر منها جزءان يمكن قراءة كل منهما مستقلا، فهي عن المكان والحياة فضلا عن رواية «كهف آدم» تضعه في هذه المكانة، كما هو الأمر مع محمود الرحبي بأعماله المتعددة، ومحمد بن سيف الرحبي وكلاهما محل دراسات في الجامعات والمراكز الثقافية المهمة في مصر، وكذلك سعيد السيابي وكل الأسماء التي أشرت إليها كما أسعدتني الكتابات النقدية التي أشرت إليها، مؤكدة أن عُمان في قلب المشهد الأدبي العربي. في عمان يبنون قصورا بعيدة إن لم نستطع أن نذهب إليها فنستطع أن نعيش بينها مع كتّابها. سؤال يراودني دائما عن كم الخسارة التي يعانيها المبدع، الذي لا يستطيع أن يتابع كل شيء لانشغاله بما يكتب، وحظ الناقد الذي يكون عمله هو عما يكتب المبدعون، لكنها حكمة الله وهي كذلك لا تمنعني من القول إن في عمان قصورا وقلاعا من الروايات والقصص والشعر وجدت طريقها واتسع . رغم أن الدراسات تقول إن أول رواية عمانية كانت عام 1981 وإن كان البعض يعود إلى عام 1963 حين كتب عبد الله الطائي روايته «ملائكة الجبل الأخضر» ثم ظهرت أسماء مثل سعود المظفر، التي وصلت رواياته إلى أكثر من عشر روايات، وسيف السعدي وحمد الناصري وعلي المعمري، الذي كتب القصص القصيرة والرواية، وما أكثر ما التقينا في مقهي الحرية في القاهرة. وبدرية الشحي بروايتها التي نالت شهرة كبيرة «الطواف حيث الجمر»، التي أسست للرواية النسوية في عمان، كما أجمع النقاد، رغم أنني لست متماهيا مع تعبير النسوية، لأن الإبداع كله فعل نسوي إن كتبه الرجل أو الأنثى، لكنه تعبير عن هموم الأنثى حين تكتبه امرأة.
ومع بداية الألفيات ظهرت أسماء أخرى مثل حسين العبري ومحمد بن عيد العريمي. مع من سبقهما من الأسماء التي أشرت إليها في البداية مثل محمد بن سيف الرحبي وعلي المعمري، واستمروا ومعهم أحمد الزبيدي وينضم إليهم عبد العزيز الفارسي ويونس الأخزمي ومحمود الرحبي بقصص وروايات وسليمان المعمري وغيرهم مثل خالد الكندي وسالم آل توية وسالم الجابري وكاتبات آخرهن ليلى عبد الله وفكرية شحرة. عُمان جديرة بأن تهتم وزارة الثقافة المصرية بإقامة مؤتمر خاص بروايتها وقصصها، ولن يكلف ذلك وزارة الثقافة حضورا كبيرا، ففي النهاية ستجد خمسة عشر كاتبا لهم حضور كبير في الأدب العربي، لكن يجب أن يعرفهم المصريون، كما يعرفون بسهولة كتاب المغرب وسوريا والجزائر وتونس ولبنان والعراق، الذين تمتلئ بهم حياة الكاتب والقارئ المصري، ولا أقول ذلك بمناسبة فوز جوخة الحارثي بجائزة عالمية أو الشاعر الشاب حسن المطروشي، لكن كم نحن في مصر في حاجة إلى هذه الطلة الشاملة على الأدب العماني. أتمنى من القاهرة الصاخبة أن تتسع لهدوء أهل عمان وستنتعش بصخب أعمالهم الجميلة الفائقة.
٭ روائي من مصر
من اهم الكتاب في عمان مثل معاوية الرواحي وحبيبة الهنائي، محمد الفزاري وعبدالله حبيب الذين سجنوا وتعرضوا للقمع وهرب بعضهم طالبين اللجوء السياسي في الغرب حتى وصل الموت احدهم في السجن وهو سعيد جداد. هذه أصوات لأدباء لا يعرفون الصمت رغم قمع السلطات لهم في عمان خارجها لإسكاتهم وما هذا الهدوء الا هدوء ما قبل العاصفة.
ومعروفة جدا مسألة الجوائز العمانية فمنها ما كثر وزاد بدعم وترتيب من الجهات الحكومية والاستخباراتية داخليًا وخارجيًا خصوصًا لمن يحارب بسيف السلطان.
محمد عوض: اشرت الى ان بعض الكّتاب تم الزج بهم الى المعتقلات العمانية..
هل عندما اسيء لك سترضى؟ معظم من ذكرتهم تجاوزوا القانون المنصوص عليه في عمان، عندما اشتمك تأكد كل التأكيد بأنك ستخرج من نطاق (حرية التعبير) الى نطاق السب والقذف، وهذا سبب من قلت عنهم سجنوا بشكل قمعي وتعسفي، سلطاننا -حفظه الله، حذر من مصادرة الفكر وحرية الرأي وهذا ما تقوم عليه سلطنة عمان ومؤسساتها.
هههههه أولا سعيد جداد و عبدالله حبيب يعيش في عُمان ولم يسبق له أبدا أن طالبا بلجوء وليس لديه أي نشاط حقوقي فهو كاتب و ليس ناشط ومتقاعد من وزارة حكومية
هل يسمح لنا المنبر بأن نضع بعض الكلمات تحت ظل هد ا التقرير الفني شكرا بين قوسين نحن كنا ولازلنا نقرأ واحدة من مجلات عمان العربية تسمى نزوى وهي تقافية ادبية تاريخية عمان بلد دخل التاريخ من اوسع ابوابه يتميز بعض الشيء عن باقي البلدان العربية بقلاعه وحصونه كدالك فالتاريخ يعرف الشيء الكثير عن هد ا البلد الهادئ الجميل وللفن مكانة متميزة صحيح لكل رأيه ولكل نظرته لشيء فاتحية في وجه سماء عمان