إذا أردت أن تعرف من هم عملاء أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما المفضلون والمخلصون في المنطقة منذ عقود، فقط أنظر إلى تلك الأنظمة والحكام والجماعات التي توزع تهم العمالة والخيانة (عمّال على بطال) على كل من يعارضها، فهي، وخاصة تلك التي ترفع شعار التصدي لأمريكا وإسرائيل، تتهم، وبشكل أوتوماتيكي، كل من ينتقدها، ولو بكلمة واحدة، تتهمه فوراً بالعمالة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية، لأن كما يقول المثل الشعبي: «إللى على رأسه بطحة يحسس عليها» أو «إللي في بطنو مسلة بتنخزو». هؤلاء القوم يعملون حرفياً منذ عقود بمقولة: «رمتني بدائها وانسلت» طبعاً لحرف الأنظار عن عمالتهم وخيانتهم لأوطانهم وشعوبهم لصالح مشغليهم في الخارج. ولم تعد تلك الأساليب البالية في التخوين وشيطنة المعارضين تنطلي حتى على تلاميذ المدارس، فقد ذاب الثلج وبان المرج، وأصبح العملاء والخونة الحقيقيون معروفين للقاصي والداني، ولم تعد شعاراتهم وعنترياتهم الكوميدية المرفوعة ضد أمريكا وإسرائيل تخدع أحداً، بدءا بما يسمى حركات الممانعة والمقاومة وانتهاء بأنظمة الجنرالات والمخابرات. وإذا كان مازال لديك حتى الآن شك حول من هو العميل الحقيقي لأمريكا وإسرائيل في المنطقة تعالوا فقط نعاين فترة الثلاثة عشر عاماً الماضية، وهي الفترة التي شهدت انتفاضات شعبية ضد العديد من الأنظمة الجمهورية العسكرية والأمنية الديكتاتورية التي كانت ومازالت ترفع شعارات المقاومة والتصدي لأمريكا وإسرائيل.
اليوم وفي كل البلدان العربية المنكوبة يتهمون الشعوب التي طالبت بحقوقها وانتفضت ضد الطغاة، بأنها عميلة لأمريكا والغرب وإسرائيل، وأنها هي المسؤولة عما آلت إليه الأوضاع في تلك البلدان من خراب، ودمار، وانهيار، وتهجير. وفي سوريا على سبيل المثال وحتى هذه اللحظة، فإن كل من رفع صوته في وجه النظام، ولو بكلمة، على مواقع التواصل، هو، في نظر النظام وأبواقه، خائن وعميل للصهيونية والإمبريالية، وأن كل الحركات التي واجهت النظام هي حركات عميلة للأمريكي والصهيوني، وللأمانة أنا هنا لا أبرئ كل الحركات والفصائل من تهمة العمالة، فقد كان معظم فصائل المعارضة السورية مجرد جماعات مرتزقة تعمل لصالح هذه الجهة أو تلك، إلا أن العبرة دائماً في الخواتيم، صحيح أن فصائل عدة تعاونت مع الأمريكي والإسرائيلي، لكن العمالة درجات ومراتب، وفي النهاية فإن النصر سيكون من نصيب الجهة الأكثر عمالة وخدمة لأمريكا وإسرائيل. من الذي انتصر على الآخر في سوريا؟ معارضو النظام أم النظام؟
ولم تعد تلك الأساليب البالية في التخوين وشيطنة المعارضين تنطلي حتى على تلاميذ المدارس، فقد ذاب الثلج وبان المرج، وأصبح العملاء والخونة الحقيقيون معروفين للقاصي والداني
طبعاً انتصر النظام بعد أن وافقت أمريكا وإسرائيل على القضاء على كل أشكال المعارضة العسكرية والشعبية في البلاد، وسمحتا لروسيا وإيران بدخول سوريا لحماية المنظومة الحاكمة. ولا أحد يقول لي إن إيران وروسيا حمتا النظام رغماً عن أنف الأمريكي والإسرائيلي. هذه نكتة سمجة. إذاً فإن المنتصر في سوريا بالضرورة هو العميل المفضل لأمريكا وإسرائيل، وهذا ما ذكّرنا به رامي مخلوف في بداية الثورة عندما قال: «أمن إسرائيل من أمن النظام السوري».
ولو انتقلنا إلى لبنان الآن. من هو عميل أمريكا وإسرائيل هناك؟ ربما ستقول لي إنها الشخصيات والأحزاب المعادية لحزب الله وإيران التي يتهمونها بأنها عميلة للسفارات الغربية في بيروت، ومتواطئة مع إسرائيل. لكن لو كانت تلك الشخصيات والأحزاب فعلاً عميلة، لكانت اليوم هي من تحكم لبنان وتتحكم بكل مفاصله. إذاً من هو العميل الحقيقي؟ طبعاً العميل الحقيقي هو المرضي عنه أمريكياً وإسرائيلياً وفرنسياً وهو من يسيطر على لبنان وهو من رسّم حدوده البحرية مع إسرائيل وعلى وشك أن يرسّم حدوده البرية، وهو معروف للجميع. دعك من العنتريات والخزعبلات الإعلامية، فلم يعد يشتريها أحد بقشرة بصل.
وفي العراق اليوم، من هو الحاكم الحقيقي؟ لا تقل لي إنهم الذين يعادون أمريكا وإسرائيل، بل إن الحاكم هو أدوات أمريكا. ومن يدعم أزلام إيران في لبنان ويمكنهم من رقبة اللبنانيين يدعم أزلامها في العراق ويمكنهم من رقبة العراقيين.
وفي اليمن من هو عميل أمريكا؟ أرجو ألا تقول لي إنها الجماعات التي تواجه الحوثيين، فلو كان خصوم الحوثيين فعلاً عملاء لأمريكا وإسرائيل لكانوا اليوم يسيطرون على اليمن ولكان الحوثيون في موقع الهاربين. وهذه من البديهيات. ولو كانت أمريكا فعلاً ضد تقوية الحوثي في اليمن لما سمحت بتدفق الأسلحة الإيرانية للحوثيين على مدى سنوات، إلا إذا كانت الكهرباء مقطوعة في البوارج والأقمار الصناعية والقواعد الأمريكية التي تراقب دبيب النمل في البحار والأجواء حول اليمن والخليج، ولم تر شحنات الأسلحة التي كانت تتدفق على الحوثيين على مدى سنوات.
وفي تونس من هم عملاء أمريكا الحقيقيون اليوم؟ أليسوا الانقلابيين الذين يمسكون بزمام السلطة، ولو لم يكونوا محط ثقة فرنسا والغرب عموماً لما عادوا وسيطروا على البلاد والعباد من جديد. أرجو ألا تقول لي إن قيس سعيد وثلته مقاومون كي لا أقلب على ظهري من الضحك، فهو لا يختلف مطلقاً عن بقية القومجية والمقاومجية الذين يرفعون شعارات قومجية وعربجية بينما هم أدوات أمريكا وإسرائيل في المنطقة.
وفي ليبيا هل خليفة حفتر من مقاومي أمريكا وإسرائيل أم من أزلامهما يا متعلمين يا بتوع المدارس؟
وفي مصر من انتصر في النهاية؟ أرجو ألا تقول لي إن المنتصر هم أعداء أمريكا وإسرائيل.
وفي السودان هل حركات التغيير هي العميلة لأمريكا أم جنرالات الجيش الذين سمحوا لهم بالانقلاب على الثورة كي يتفرغوا اليوم لتخريب السودان وتدميره وتهجير شعبه لصالح مشغليهم؟
وفي الجزائر، من الذي انتصر على الآخر في الثورة الجزائرية الأخيرة، قوى التغيير والمعارضة، أم الذين ترضى عنهم أمريكا وفرنسا ودعمتهم في التصدي للشارع والتشبث بالسلطة؟
وأخيراً وكي لا يصطاد أحد في الماء العكر، فإن المقصود من هذا المقال ليس الدفاع عن فصائل المعارضة العربية وتبرئة ساحتها، لا أبداً، فمعظم القوى المعارضة المزعومة التي تصدرت واجهة المواجهات مع الأنظمة كانت في كثير من الأحيان نسخة طبق الأصل عن الأنظمة، على مبدأ: «هذا الجرو من ذاك الضبع» لكن لا أحد يقول لي إن تلك الفصائل، على قذارتها وعمالتها، كانت أعز على قلب أمريكا وإسرائيل من الطواغيت الحاكمين. لا أبداً. باختصار فإن أمريكا لم تسمح بسقوط عملائها الحقيقيين. ولو كان الغرب يناصر الشعوب العربية لكان ممثلو الشعوب الحقيقيون اليوم في سدة الحكم في سوريا ومصر وتونس والجزائر وليبيا ولبنان واليمن والعراق والسودان، ولما عادت الأنظمة المارقة القديمة إلى السلطة من أوسع أبوابها. إذاً من هم عملاء أمريكا وإسرائيل الأصليون يا ترى؟ القوى والحركات والشعوب المهزومة والمكلومة أم (الصامدون) المنتصرون على الشعوب والأوطان؟
كاتب واعلامي سوري
[email protected]