بهذا السؤال نكون قد أفرغنا كينونة الإنسان من حميمية الوجود، وحكمنا عليه بالسير في ليل العدم المقدس، الذي يناديه عندما فقد نعمة السكن في اللغة، والإقامة في حميمية الفكر، وأدار ظهره للفن، وبما أنه لم يعد يسمع نداء الحقيقة ولا الوجود فإنه أصبح ضحية العدم. فهل في إمكانه أن يطلب المستحيل من حقيقة الوجود دون الانصات لحميمية الروح؟
لقد هاجمني هذا السؤال، ولذلك جئت متأخرا إلى هنا لأكون شاهدا على هذه النهاية التراجيدية، لأن النور الباهر للفلسفة حين زاد عن حده، ألقى الإنسان في الانكشاف في العدمية، وحرمه من ملاقاة ما يتجه صوبه الوجود الذي يتعقب خطى الزمان.
ولما كان مقر الإنسان هو الوجود، لماذا اختار الإقامة في العدم، ما جعل الفلاسفة غرباء في أوطانهم، ولنا أن نتساءل عن مصيرهم، وبعبارة أخرى، ما الحاجة إلى الفلاسفة في هذا العصر القلق؟ وهل انتهى زمن الفلسفة هنا وبدأ هناك؟ ومن حكم علينا بالعيش على حافة الانهيار؟
مديد هو الزمان الوجودي، الذي يفصلنا عما تصبر نحوه كينونة الإنسان، باعتباره حيوانا عاقلا، لقد حانت الساعة الآن لنتعرف على تجليات الروح في نور الحقيقة، والحقيقة ليست سوى هدف للفلسفة، والفلسفة لا تكون غير إقامة حميمية بالقرب من ذاتها، وبلغة هيغل: «الفلسفة هي نفوذ ذاتي للروح يمتد نحو المطلق، بل الفلسفة من حيث هي تاريخ الفلسفة هي مملكة الحقيقة».
الإنسان، باعتباره حيوانا عاقلا هو فكر، وبما أن الفكر والوجود هما واحد فإن الوجود من حيث هو الفكر الذي يوجد ستكون النتيجة هي أن الفكر ينتج الوجود ومن المستحيل أن يحيا بعيدا عما ينتجه. هذه هي الحقيقة ومع ذلك نتساءل، هل نفهم الحقيقة بأنها اليقين، أم نفكر فيها كتمزيق للحجاب؟ لا يمكن ترميم الروح.
وعلى كل حال، قد تبدو هذه المقارنة بحكم طبيعتها ضربا من الادعاء لا غير، يظهر الفن بمقتضاه وكأنه شيء فائض عن الحاجة يساهم في ارخاء مشاعر الناس وتمييعها عوضا عن مجرد الاكتفاء بتلطيف حدتها، بيد ان الفلسفة تظهر بأن الفنون الجميلة لا يمكن أن تختصر في التسلية وترف الروح، بل ضرورة من ضرورة الحياة، لها فوائد كثيرة في تهذيب الذوق وسمو الفكر، بل إنها تلعب دور وساطة بين العقل والحساسية.
كاتب مغربي