من هو المنتخب العربي الأكثر إقناعا والأقل إمتاعا في كأس أمم إفريقيا؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”: تباين أداء المنتخبات العربية الخمسة المشاركة في بطولة كأس أمم أفريقيا، ما بين واحد افتك البطاقة المؤهلة لدور الـ16 بطريقة مُخدرة وخادعة لجماهيره، بانتصارين على طريقة كرة القدم القبيحة، ومنتخب آخر وحيد استطاع أن يكشر عن أنيابه كما هو مطلوب ومنتظر منه، والبقية أو بالأحرى الثلاثي الآخر، وضعه لا يختلف كثيرا عن أول المتأهلين للأدوار الإقصائية، لكن بدرجات متفاوتة.

التأهل الخادع
بالطبع المقصود هو المنتخب المصري المنظم للبطولة، صحيح بدأ الحملة بفوزين على زيمبابوي والكونغو الديمقراطية، لكنه كان محظوظا بطريقة لا تُصدق خصوصا في مباراته الثانية، ولولا قدر الله وعامل التوفيق، كي لا تعود هذه الحشود حزينة، ضربت الكرة مرتين على عارضة حارس المرمى محمد الشناوي، وبعيدا عن عامل التوفيق، فأقل ما يُمكن قوله أن منتخب الفراعنة مع خافيير أغيري لم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، منذ تركه ملك النحس هيكتور كوبر، بعد العروض المأساوية في مونديال روسيا 2018، بل ربما أعاده خطوات إلى الخلف، بتدمير مراكز معينة في التشكيلة الأساسية، على سبيل المثال مركز الظهير الأيسر. مع المدرب الأرجنتيني، كان محمد عبدالشافي يملأ الفراغ الذي تركه سيد معوض قدر المستطاع، أما الآن، أصبحت جبهة مخصصة للدفاع، في وجود أيمن أشرف، الذي يشغل مركز قلب الدفاع مع فريقه الأهلي منذ عامين! والتركيز بشكل مبالغ فيه على محمود حسن تريزيغيه في النواحي الهجومية من جهة اليسار، يستنزف الكثير من طاقته، ولنا أن نتخيل لو كان معه أفضل ظهير أيسر في الدوري المصري عبدالله جمعة، على الأقل، كان سيساعده على توزيع مجهوده على مدار الـ90 دقيقة، بالإضافة إلى ذلك، مساوئ خط الوسط، متمثلة في النني، الذي يثبت من مباراة لأخرى، أنه الخاسر الأكبر من قرار استمراره مع آرسنال، ليظهر دقائق قليلة كل شهر، وافتقاده حساسية لمس الكرة، يظهر بوضوح على أدائه في البطولة، لا أحد يشعر به لا على المستوى الدفاعي أو الهجومي، وهذه واحدة من مشاكل المنتخب المصري، البطء المبالغ فيه في تحضير الكرة من وسط الملعب إلى الثلث الأخير من الملعب، من يشاهد مباريات المنتخب المصري، يشعر وكأن أقدام لاعبي منتخب مصري تغرس في رمال ناعمة وليس العشب الجميل الذي نشاهده، والسبب انخفاض المعدل البدني للنني وبدرجة أكبر منه عبدالله السعيد.

فقر فني
يقول الكابتن فاروق جعفر أسطورة الزمالك في الثمانينات والمحلل التلفزيوني الشهير الآن: “الدولي دولي والمحلي محلي يا كابتن”، في إشارة منه إلى وجود فارق بين اللاعب القادر على الإجادة في الدوري المحلي فقط، وغيره القادر على حّمل قميص منتخب مصر الثقيل، ويبدو أن المبدع الأول في الدوري المحلي عبدالله السعيد، قد هرم لدرجة عدم القدرة على مجاراة خصومه في البطولة، حتى مواقف لاعب ضد لاعب التي كان يجيدها في الثلث الأخير من الملعب، لفتح زاوية التمرير للظهير المتقدم أو للحصول على خطأ في إحدى الأماكن القريبة من المنطقة المحظورة في دفاع المنافسين، لم يفعلها ولو مرة واحدة، هو في حالة اختفاء تام، لا تفهم عزيزي القارئ، ما إذا قد تأثر بعامل تقدمه في السن، أو تأثر باللعب في نادٍ أقل طموح من ناديه السابق، كلها علامات استفهام يحتاج الرد عليها سريعا داخل الملعب، والبداية من مباراة اليوم ضد أوغندا، وإلا سيخسر مكانه في التشكيلة الأساسية لصالح الحاوي وليد سليمان، المتأهب للحصول على نصف فرصة لتعويض ما فاته في سنوات اختفائه في ظل الأسطورة محمد أبو تريكة ومعها لعنة الإصابات، التي أبعدته عن الملاعب في أوج سنوات عمره كلاعب ساحر بأتم معنى الكلمة، أضف إلى ذلك الصداع المزمن منذ اعتزال عماد متعب وعمرو زكي، بدون مبالغة، الجماهير المصرية لديها قناعة تامة أن المنتخب يلعب بدون رأس حربة يُعتمد عليه. لن أحدثك عن لغة الأرقام التي تقول أن صلاح هو المنقذ الوحيد ويتبعه أي لاعب آخر يكون محظوظا أكثر من غيره أمام المرمى، في اختفاء تام لأهداف المهاجم رقم 9، لكن بعد مشاهدة أول مباراتين، هل شعر أحد بتأثير المهاجم الصريح في تشكيلة المنتخب، بدون ذكر أسماء؟ حتى بديله، ظهر في فرصة واحدة بعد مشاركته كبديل أمام الكونغو.

الشاهد والواقع أمامنا، أن الأمور تسير باجتهادات فردية وذكاء مواهب مثل تريزيغيه، الذي يُثبت من مباراة لأخرى، أنه رجل المنتخب الأول في هذه البطولة، ومعه صلاح، رغم موجة الهجوم عليه، لاتهامه باللعب ببرود في البطولة، أو باللسان المصري “بيلعب منغير نفس للمنتخب”، من باب أنه لا يريد استهلاك طاقته في بطولة أفريقيا، بعد وصوله لقمة المنافسة في عالم كرة القدم، بالتتويج بلقب دوري الأبطال مع ليفربول، وما زاد الطين بلة، المشاكل الخارجية التي تسبب في استبعاد لاعب ثم عادوا وضموه مرة أخرى بعد اعتذاره. لنكون منصفين، مصر تبدع في تنظيم البطولة ومنتخبات إفريقيا تتبارى لإمتاع العالم بنكهة كرة القدم السمراء الجميلة، وبالكاد كل شيء يسير أفضل مما هو مخطط له، باستثناء الأداء الباهت الذي يقدمه أصدقاء صلاح، وإذا لم يجد المدرب المكسيكي حلا لمشاكل البطء الشديد في عملية نقل الكرة من الوسط للهجوم، وتحرك اللاعبين بدون كرة، وهذا هو المتوقع، لعدم وجود أسماء أخرى قادرة على حل معضلاته سواء في مركز الظهير الأيسر أو لاعب الوسط المحوري بجانب المحارب طارق حامد وقبلهما المهاجم، فبنسبة كبيرة لن يذهب المنتخب المصري بعيدا في البطولة، لأن الحظ الذي ابتسم له أمام الكونغو المتواضع، بالتسجيل من فرصتين مقابل 3 فرص للمنافس ضاعت بغرابة، لن يتكرر كثيرا، والأخطر من ذلك، مستوى المنافسين في المراحل المتقدمة، سيكون مختلفا تماما عن مستوى زيمبابوي والكونغو وحتى منافس اليوم أوغندا.

الأكثر إقناعا
حتى وقت كتابة هذه المادة، قبل إطلاق صافر مواجهة السنغال، يُعتبر المنتخب الجزائري الأفضل عربيا، من حيث الأداء والصورة التي عبر بها عن نفسه في مباراته الأولى ضد كينيا، منذ لحظة البداية، لم تتغير العدسات الناقلة للمباراة عن منتصف ملعب المنتخب الكيني، بسبب الضغط الهائل الذي مارسه رجال المدرب جمال بلماضي، وأسفر عن سيل من الفرص المحققة. فقط كانت المشكلة في الشوط الأول، بالإفراط نوعا ما في إرسال الكرات الطولية للمهاجم بغداد بونجاح ويوسف بلايلي، مع غارات من الظهير الأيسر رامي بن سبعيني، ومثله يوسف عطال، المرشح ليكون من اكتشافات البطولة عموما، وبجانب هؤلاء رياض محرز، وهو يستمتع ويُمتع المشاهدين بلمساته السحرية، بنسخة قريبة الشبه من محرز في موسم معجزة ليستر سيتي، ويُحسب للمدرب، أنه يعتمد على الأسماء الجاهزة داخل الملعب أكثر من الأسماء الشهيرة، على سبيل المثال اعتماده على إسماعيل بن ناصر ويوسف بلايلي على حساب نجم كبير مثل ياسين براهيمي، لكن في النهاية أثبت المدرب أنه على صواب، بحصول بن ناصر على جائزة مباراة أولى مواجهات محاربي الصحراء في الكان المصرية، والمبشر بالنسبة للجماهير الجزائرية، أن التوليفة التي وصل إليها بلماضي بالاعتماد على الرباعي عطال، وعيسى ماندي، وجمال الدين بن عمري، أفضل مدافع في الدوري السعودي الموسم الماضي، وبن سبعيني، وفي الوسط الثلاثي سفيان فيغولي، وعدلان قديورة وبن ناصر، وفي الأمام الثلاثي محرز وبونجاح وبلايلي، هذه التشكيلة تملك كل الحلول التي يبحث عنها أي مدرب، سواء بالاعتماد على التمرير القصير لاستغلال كم المواهب في وسط الملعب وعلى الأطراف بوجه خاص، أو باللعب على الكرات الطولية في الأوقات الصعبة، والأهم الحلول التي يجدها من الظهيرين، هناك تنوع حقيقي في الهجوم، مع إصرار ورغبة في تسجيل المزيد من الأهداف، وهذه يعكس نجاح المدرب في احتواء النجوم وإعادة الثقة لهم، بعد الفتنة التي ضربت غرفة خلع الملابس في الكان الأخيرة، وبصرف النظر عن نتيجة مواجهة أسود التيرانغا، سيبقى كلا المنتخبين الأوفر حظا للوصول للدور المقبل، وحفاظ محرز ورفاقه على الصورة التي عبروا بها عن أنفسهم في بداية الحملة مع الروح القتالية العالية، فلن يكون في وصولهم لأبعد مكان في البطولة أية مفاجأة.

علامات استفهام
صحيح المنتخب المغربي حقق ما أراد في مباراته الأولى ضد نامبيا باقتناص النقاط الثلاث، إلا أنه لم يُقنع جماهيره لا بالأداء ولا النتيجة المنتظرة قبل المباراتين الأصعب في مرحلة المجموعات، وذلك بعد الأزمة التي هزت غرفة خلع الملابس، والتي راح ضحيتها هداف الدوري السعودي حمدلله، المستوى العام في الشوط الأول كان أقل من المتوسط، باعتماد المدرب الفرنسي رونار على أسلوبه المفضل 4-2-3-1، بوجود ابنه المدلل نبيل درار في مركز الظهير الأيسر، والثنائي مهدي بنعطية وسايس في قلب الدفاع، وعلى اليسار أشرف حكيمي، وفي الوسط يوسف بن ناصر ومهدي بنربيعة، وأمامهم حكيم زياش، ونور الدين مرابط ومبارك بوصفة وفي الأمام المهاجم يوسف النصيري، كانت هناك حلقة مفقودة بين زياش ورأس الحربة الصريح، جناح أياكس كان في واد والنصيري في واد آخر، والأخير بالذات كان يلعب في مناطق متقدمة جدا في الأمام، جعلته دائما على مسافة بعيدة، زيادة على الحد عن الجناحين المهاجمين وصانع الألعاب، هذه الحلقة أو المسافة انتهت تماما مع مشاركة سفيان بوفال مع بداية الشوط الثاني، وهذا وضح في زيادة الفاعلية على مرمى الحارس الناميبي بوصول التسديدات للرقم 17، بدون أن تسدد كرة واحدة على الحارس المغربي ياسين بونو، لكن مجمل الأداء، لا يرتقى لمستوى تطلعات وآمال المشجعين المغاربة، كون الفوز جاء بالنيران الصديقة في الوقت الميت وأمام المنافس الأضعف في المجموعة، وهذا يعني أن كتيبة المدرب الفرنسي مطالبة بحق الرد في المباراتين الأصعب ضد كوت ديفوار وجنوب إفريقيا.

الأمر ذاته ينطبق على نسور قرطاج بعد حملة الهجوم الضاري على المدرب الفرنسي آلان جيريس، على خلفية التعادل المخيب للآمال أمام أنغولا في لقاء مصنف على أنه “في المتناول”، خاصة بعد البداية الجيدة، بالحصول على ركلة الجزاء التي أحرز منها يوسف المسكاني هدف المنتخب التونسي الوحيد وهدف المباراة عموما الأول، لم يستغل جيريس هذه الدفعة، وترك منافسه يدخل أجواء المباراة إلى أن لدغه بضربة التعادل الموجعة بكابوس اللاعب دجالما كامبوس قبل النهاية بربع ساعة، والمثير للريبة ويجعل مشجعي تونس في حالة قلق على منتخبهم، أن المايسترو فرجاني ساسي شارك كبديل والنتيجة 1-0، وبعد مشاركته تراجع الأداء إلى الأسوأ بإجباره على اللعب في مركز جورجينيو مع موريسيو ساري في تشلسي، كلاعب وسط أمام رباعي الدفاع، وبدلا من توظيفه في مكانه الصحيح المعتاد عليه كلاعب وسط حر، قيده في أماكن بلا أهمية في الملعب، أعطى هذه المهمة لأسامة الحدادي، ليظهر المنتخب التونسي وكأنه مفكك، وبصورة مغايرة تماما للصورة التي كان عليها في مبارياته الودية التحضيرية قبل البطولة، بالأخص مباراته ضد وصيف بطل العالم المنتخب الكرواتي، ومن النقاط السلبية الأخرى التي توقف عندها المتابع البسيط قبل كبار المحللين، معاناة المنتخب على الأطراف، باللعب بثلاثة مدافعين في الخلف وخمسة في المنتصف منهم اثنين على الأطراف.
وقبل هذا وذاك، القلق من المدرب بعد رؤيته غير الموفقة للمباراة الأولى، بإصراره على اللعب بالمساكني والخرزي وهما ليسا في أفضل حالاتهم، وكان واضحا تأثر المسكاني بالذات بفترة غيابه عن الملاعب لفترة طويلة بداعي الإصابة بقطع في الرباط الصليبي، وربما كان من الأفضل الاعتماد عليه كبديل في آخر نصف ساعة، ليأخذ حساسية المباريات بشكل تدريجي، لكن المدرب قامر بلاعبه العائد من الإصابة، وكذا لم يحرك ساكنا والخرزي خارج الخدمة في مركز غير مركزه رقم (9)، وأيضا لم يتحرك إلا في نهاية المباراة، والفريق الأنغولي يصول ويجول بحثا عن هدف التعديل، وشاهدنا كيف أهدر ممثل جنوب القارة أكثر من فرصة مُحققة بنسبة 100% قبل هدف التعادل، هذا في الوقت الذي يملك فيه المدرب بدلاء قادرين على صنع الفارق من نوعية فراس شواط وطه ياسين الخنيسي لإعادة الحياة للخط الأمامي، وحتى عندما قرر ترك لمسة، انخفض الأداء، وتعقدت المباراة تماما، وهذه في حد ذاتها، بداية ليست مبشرة على الإطلاق، وبدرجة أقل من تونس، يأتي الوافد الجديد المنتخب الموريتاني كأقل المنتخبات العربية بصمة في مباريات الجولة الأولى، لكن دعونا نتفق، أن فارق الخبرة بين منتخبنا العربي وبقية المنتخبات المشاركة، ما زال لا يُستهان به، هي المشاركة الأولى تاريخيا، ومع الوقت بشكل تدريجي، سيكون لدى بلد المليون شاعر، حضورا أقوى كلما اكتسبوا الخبرة اللازمة لهكذا مواعيد، فمن يا ترى من العرب سيواصل الرحلة حتى النهاية ومن سيكتفي إما بالمشاركة المشرفة أو الخروج من أول اختبار في الأدوار الإقصائية؟ دعونا ننتظر ولو أننا نحلم أن يكون المربع الذهبي باللغة العربية الخالصة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية