في موقع مطعم “شاروخان” في الرياض، العاصمة السعودية، كان هناك فرح وسعادة؛ يكفي أن تشاهد الأكلات الهندية المصورة لتنفتح شهيتك. أما انتقادات الزبائن فخرجت عن المألوف: “الوجبات أكبر حتى مما تظهر في الصور”، كتب أحد الزبائن؛ “هذا مطعم هندي يقدم قهوة عربية وعدداً من الحلويات العربية”، كتب آخر؛ “الديكور فوق المعتاد”، أضاف ثالث. وهكذا في المطعم أيضاً بار للشرب يشمل “النبيذ الحلال” دون كحول.
هذا البار هو الذي أثار في أيلول الماضي ضجة كبيرة عندما صورت المغنية السعودية ريماس منصور نفسها وهي تشرب كأساً من النبيذ الحلال هذا وهي تركز على القدرة المدهشة للنادل على مزج كأس النبيذ الذي يوضع على كتفه، وظهرت في الخلفية عدة زجاجات نبيذ ومشروبات “روحية” مختلفة، هي أيضاً من دون كحول. ثارت ضجة في الشبكات الاجتماعية، كيف يمكن حدوث شيء كهذا أن يعمل في المملكة المحافظة، حتى لو كان لا يقدم الكحول؟ الآن يقدمون للشباب هناك دون كحول، وفي الغد سيقدمون البيرة والويسكي. قال المنتقدون وتساءلوا أين شرطة الآداب؟
في الوقت الذي كان يتم فيه نشر هذا الفيلم في عشرات آلاف حسابات “فيسبوك” و”تويتر”، انتشر فيلم آخر يظهر فيه مواطن سعودي وهو يتجول في متنزه جدة وعلى جسمه -ليحفظنا الله- منشفة على خصره. في حساب “تويتر” باسم “الذوق العام” ظهرت صور شباب سعوديين وهم يرتدون القمصان البيضاء وبنطالات شبه شفافة لا تخفي ملابسهم الداخلية. وفي الشبكات نشرت صور يظهر فيها راقصون غربيون يقومون بالرقص الغربي على أنغام موسيقى غربية، في الوقت الذي تتمايل فيه فتيات سعوديات على أنغام الموسيقى، ويشغّلن كاميرات هواتفهن المحمولة.
هذا الاحتفال وعروض أخرى مسؤول عنها سلطة الترفيه التي شكلها ولي العهد محمد بن سلمان في 2016 كجزء من “رؤيا 2030” خاصته، التي تشمل ضمن أمور أخرى التطلع إلى تحويل السعودية إلى الدولة الرابعة في آسيا والعاشرة في العالم فيما يتعلق بإمكانية اللهو والاستجمام. الذريعة الأساسية لهذا الحلم هي اقتصادية، أي زيادة السياحة وتنويع مصادر دخل المملكة. ولكن ولي العهد يريد من خلال ذلك منح بلاده صورة الدولة الليبرالية المنفتحة. وباختصار – الغربية.
عرف محمد بن سلمان جيداً التداعيات الاجتماعية والدينية التي يمكن أن تنبع من هذا الحلم. ومن أجل تسريع العلاج قام في أيلول بسن قانون “الذوق العام” الذي يحدد بصورة غامضة جداً ما هو الممنوع وما المسموح. مثلاً، يجب عدم الظهور علناً بالبيجاما أو الملابس الداخلية، وعدم إشعال النار في الحدائق العامة أو إلقاء القمامة فيها، ويجب عدم استخدام أضواء الليزر بدون مصادقة. ومحظور إشغال الأماكن المخصصة للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، وعدم إطلاق إشارات جنسية، وعدم رفع صوت الموسيقى في الأحياء السكنية، وعدم إسماع الموسيقى وقت الأذان والصلاة. المشكلة هي أن هذا القانون المهم بحاجة إلى تطبيق، فالأفلام الموجودة في الشبكات الاجتماعية تدل على الفجوة بين النية والفعل: حدائق عامة مليئة ببقايا الطعام والقمامة.. قيادة السيارات الطائشة.. غسيل يشمل “ملابس داخلية غربية” معلقة على الشرفات.. إلى جانب مهرجانات تضج بالموسيقى من إخراج سلطة الترفيه.
ولكن نشاطات السلطة، مثل التجديدات الرائعة الأخرى التي أجراها ابن سلمان، كقيادة النساء للسيارات وتوسيع فرص أماكن العمل المتاحة لهن والسماح بسفرهن إلى الخارج دون مصادقة ولي الأمر… كل ذلك يمنع انتقاده. في الأسبوع الماضي نشر مدير الهيئة، تركي الشيخ، تحذيراً لأي سعودي يتجرأ على توجيه الانتقادات عبر الشبكات الاجتماعية: “لقد سئمت من التشهير عبر “تويتر”، الذي يضر بعمل الهيئة. سنتخذ منذ الآن خطوات قانونية ضد من ينتقد أو يشتكي”. أي: ليبرالية وانفتاح بالأمر. ومن الجدير الإضافة بأن أقوال الشيخ مشجعة؛ لأن المئات من المنتقدين والمعارضين تم اعتقال حتى الآن، ومن بينهم رئيس قبيلة وواعظ معروف، لمجرد نزوة. وسيتم اتخاذ خطوات قانونية.
من ينتقدون ابن سلمان يخشون من أن يكون قد فتح أبواب الإسطبل على مصراعيه ولن يكون بالإمكان إعادة الخيول التي هربت، ودليل ذلك أنهم يعرضون تقارير لنساء في “تويتر” على أنهن توقفن عن وضع غطاء الرأس أو ارتداء العباءة التقليدية على أجسامهن. “أمس كان يوم حظي. ذهبت إلى النوم وأنا سعيدة واستيقظت بسعادة أكبر. مشيت في شوارع الرياض، في كل حي وفي كل الأزقة. ومن رد فعل رجال الشرطة عرفت أن النظام تغير حقاً، وأن ولي العهد كان محقاً عندما قال إن للمرأة الحق في حرية الملابس مثل الرجل”، كتبت الناشطة النسوية، مناهل العتيبي. وقبل سنتين تم اعتقال فتاة سعودية نشرت فيلماً قصيراً ظهرت فيه وهي ترتدي تنورة قصيرة.
ولكن من الأفضل الاكتفاء بانفعال محدود؛ ففي السعودية تعمل هيئة لمكافحة التطرف كجزء من وزارة الأمن الداخلي، وفي هذه الهيئة يمكن إيجاد توجيهات لكيفية الامتناع عن التطرف الديني والحذر من إغراءات المنظمات المتطرفة. مؤخراً نشر هناك بأن النسوية المتطرفة والدعوة لإعطاء حقوق للمثليين تعدّ تطرفاً لا يقل عن التطرف الديني. هذا الإعلان أزيل في الوقت الحالي، لكن يبدو أن التعريف لا يزال ساري المفعول.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 18/11/2019