مأزق السياسة الإسرائيلية في عهد نتنياهو أنها تُصِرّ على البحث عن مزيد من التطرف ولا تجده دائما جاهزا، فتعمد إلى خلقه بالحروب والعدوان السافر على الفصيل العسكري كتائب القسَّام.
منذ إطلاق رصاصة الرحمة على خيار السلام للزعيم العمّالي إسحاق ربين عام 1995، وحزب الليكود لا يتوانى في البحث اللاهث عن التطرف على تفاوته وعلى درجة انتمائه إلى النزعة الفاشية، تَمَكّن في نهاية المطاف، من القضاء على التَّوجه المسالم في السياسة الداخلية وعلى السعي السلمي في سياسته الخارجية. والوضع القائم اليوم، على ما جاء في تقارير دوائر الرأي والإعلام في كل العالم، هو توكيد للنظرية التي تحكم السياسية الإسرائيلية، ونعني بها عدم تجاوبها مع السلام وخوفها الدائم من الانتقال الديمقراطي للأنظمة العربية.
في العدوان التي تشنه إسرائيل على الشعب الفلسطيني يطفو إلى السطح السياق التاريخي الذي ساد عملية احتلال الأراضي الفلسطينية من قبل الغرب لحظة صراعاتهم الإستعمارية الكبرى. فما لم يكن واضحا لدى كل العالم، في ذلك الزمن البغيض، فإنه يظهر بشكل بين في سياسة العدوان الإسرائيلي المتكرر على الشعب الفلسطيني عندما يلوذ الغرب إلى صمت مريب ومتواطئ مع سياسة اليهود في المنطقة العربية. فالصلة بين الغرب ومعاداتهم للسامية قائمة في أكثر من مشهد وعلى أكثر من صعيد، بداية من السكوت عن تحرشات واستفزازات السلطة العبرية وليس انتهاءً بتمديد العدوان إلى آخره، أي تسجيل النصر الإسرائيلي كتتويج غربي للحرب الإسرائيلية على العرب.
في المشهد الأخير لحرب إسرائيل على الجناح العسكري لحماس، يجب إجالة النظر في الدلالات السياسية ومعانيها في اللاحق التاريخي للعرب، حيث التطرف والغلو وإبعاد البعد السلمي من السياسة شكّل وبالا حقيقيا على ما ينبغي أن تكون عليه المنطقة العربية في استراتيجيات القوى المستنفذة الكبرى، وعلى الأمن والاستقرار في العالم بأسره.
فقد أدت السياسة المتطرفة للرئيس الأمريكي الجائح دونالد ترامب إلى هزيمة نكراء في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أن نفس سياسة التطرف أفضت إلى استعصاء إمكانية تشكيل حكومة ائتلاف وطني، في إسرائيل منذ أكثر من سنتين، ناهيك أن تركيا صارت دولة لها وزنها القوي جدّا، وأن إيران استحقت مركز الدولة النووية. وعليه فإن العدوان الأخير على الشعب الفلسطيني يجب أن يدرج ضمن البحث الخائب عن مخرج تناسب بين السياسة الإسرائيلية وما يجب أن تكون عليه المنطقة لشدة العلاقة التي تحكم أطرافها.
عند القراءة التاريخية، و من المنظور السياسة الواقعية، يظهر أن إسرائيل تدحرجت إلى أقل من دولة، و أن فعل السقوط هذا لازمها خاصة منذ أن أغتَال اليَمِين المتطرف فرصة السلام في شخص الزعيم العمالي إسحاق رابين جرى على أثره تشتت وتفتت اليسار بفعل الدَّوْس الهَمَجي لليمين على السياسة في معناها النبيل. فلم يعد مقام إسرائيل الحقيقي مقام الدولة بل في مرتبة فصائل المقاومة التي لم تحقق بعد السيادة الكاملة على سلطتها وإقليمها. إسرائيل لا تستطيع مواجهة دولة قائمة، لا بل حتى السلطة الفلسطينية في رام الله. فقليل من السيادة والسلطة لدى الآخر يذيب ويذهب الكيان العِبْرِي.
ثمة حقيقة، أخذت طريقها إلى الوعي العالمي وهي أن السياسة الإسرائيلية صارت تشكل خطراً على استقرار العلاقات الدولية والوضع الإنساني العام
وهكذا، نَكْتَشف في الحرب الجارية اليوم بين إسرائيل والفصيل الفلسطيني حَمَاس، أن إسرائيل ليس بدولة كما هو متعارف عليه، بل حاصل تجميع لفصائل وتنظيمات فاشية، دينية وجماعات إرهابية، عسكراتية ومافيوية، رتبت لنفسها دولة جديدة لليهود كأفضل تنظيم معبر عن الجماعات الصهيونية. فالأصل في نشأة دولة لليهود في الأرض الفلسطينية هو لتجاوز مسألة معاداة السامية في الغرب، و من ثم إعادة لملمة ورص صفوف التنظيمات الصهيونية في تنظيم أكبر يطلق عليه الكيان العبري. الأمر الذي يجعلنا، نقدر في هذا الزمن الشفاف، أن إسرائيل على ما يظهر في صراعها مع الفلسطينيين، أنها أكبر فصيل يثوي جميع الفصائل الصهيونية في كيان واحد ينسب له الغرب شرعية التصرف السياسي و العسكري، ضدّا على الفصائل الفلسطينية و العربية.
ثمة حقيقة، أخذت طريقها إلى الوعي العالمي وهي أن السياسة الإسرائيلية صارت تشكل خطراً على استقرار العلاقات الدولية والوضع الإنساني العام. فالمسألة برمتها تكمن في السياسة الظالمة والضالة التي تنتهجها إسرائيل في منطقة من أعقد وأصعب مناطق العالم، لا بل هي التي تقرر مصير العالم بأسره. و من هنا ضرورة قطع يد إسرائيل عن سياستها العدوانها ليس على الشعب الفلسطيني بل على كل منطقة الشرق الأوسط في صلتها بالغرب. فهي موضوع غربي، كما أنها مسألة شرقية أيضا. ونحن في غنى عن توكيد الشواهد على ذلك، خاصة خروج الملايين من شعوب الدول الديمقراطية من أجل صد السياسة العدوانية و العنف الحكومي السلطوي لدولة إسرائيل.
في سياق التطور الأخير الذي صنعه الفصيل العسكري لحزب حماس وتعديل الوضع لصالح الفلسطينيين، نؤكد التحليل التالي، و هو أن إسرائيل طفت إلى السطح كفصيل يميني يأخذ دائما شكل الدولة التي تختزل كل الفصائل اليمينية المتطرفة والنَّزَعات المغالية ذات السياسة المتشددة. فقد اقتصر دور السلطة العِبْرية على مواجهة آخر فصيل المقاومة الفلسطينية، لا يلبث أن يؤكد انتصاراته الأخيرة لاحقا، لكي يبدأ العد التنازلي للدولة الإسرائيلية، أهمها فقدان المؤشر الذي يزيد من التطرف والغلو والتشدد، فهي تواجه الطريق المسدود. وهذا، ليس ضربا من التفكير الطوباوي أو الحالم نكاية بإسرائيل بقدر ما هو تحليل داخلي لتحلل مؤكد يطال السلطة الإسرائيلية عندما لا تجد على من تعتدي. فقد فقدت الأرض التي عادة ما تكون المجال لحسم المعارك. ومعنى ذلك تبقى القوة الضاربة هي الجو، كآخر مجال يمكن لها أن تعبث فيه وتعربد دونما حسيب ودونما انتصار، كما جرى مؤخرا. فما بعد معركة أيار/ مايو، سوف يجري التفكير في ما هي الكارثة القادمة التي سوف تحل بإسرائيل، خاصة بعد تطوير فصائل المقاومة الفلسطينية لسلاح الجو، وهذا ممكن جدّا. و من ثم تنغلق كل المجالات أمام الكيان اليهودي.
الاعتبار الآخر الذي يؤكد أن مؤشر اضمحلال الدولة الإسرائيلية في النزول هو ما ستسفر عنه الانتخابات التشريعية الفلسطينية حيث تُعَاقب السلطة الفلسطينية على سوء خياراتها والتزامها لسياسة الانتظار الدائم إلى أن تحين فرصة إسعاف الوضع الإسرائيلي المتهالك. لكنها فرصة لا تريد أن تأتي ولو على حساب الشعب الفلسطيني. فقد تفضي الانتخابات إلى ضرورة التعامل مع السلطة الفلسطينية بمضمون «حماسي» يدفع الكيان الصهيوني التعامل معها كسلطة قائمة بالفعل وبالقانون، لها كل مقومات الشرعية والمشروعية، لا يمكن أن تحيد عن ذلك، لأنها تكون جاهزة ليس لتلقي الضربات الجوية بل لمواجهة حرب أهلية هذه المرة على الأرض، أي في كافة الأراضي إن في فلسطين أو في إسرائيل، لأن لحظة بداية الحرب تبدأ مع نسف كل الحواجز والمتاريس والموانع والجدران، أي بالتَّماس والاحتكاك الفوري مع الطرف الآخر…
كاتب وأكاديمي جزائري
الذين أتوا بنتنياهو كلفهم ما كلفهم من أموال في حين أنه لا يساوي أكثر من ثمن رابين.
المقال طويل ، اتمنى من الكاتب الاختصار فى المرات القادمة ، ما احب الإشارة اليه، ان الحكومات الاسرائيلية تختلف فى التكتيك وتتفق فى استراتيجياتها فى هذا الصراع ، بإختصار عمال او ليكود يتفقوا على احتلال الاراضى الفلسطينية وكذلك على المزيد من المستوطنات فى الضفه العربية ويتفقوا كذلك على عدم السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم المغتصبة. رجاء التوقف عن تصوير الصراع كأنه مع حكومة متطرفة. علينا بأن النظام الانتخابى لإسرائيل ينتج حكومة تمثل رأى الشعب اليهودى فى دولة الإحتلال.
اعتقد ان من اهم اسباب انزلاق اسرائيل نحو اليمين والتطرف هو ضعف قوة الردع العربية المضادة . فلا تجدي السياسة والمفاوضات اذا لم تكن لديك عناصر قوة تلوح بها. لقد قالها لي صديقي الهندي مرة بالحرف الواحد: “انتم جعلتموها سهلة جدا لهم”.
واما عن نتنياهو فهو مجبول على التطرف وسفك الدماء ولن يخرج منها الا بزيارة من عزرائيل.