مهاجمة سورية… المعارضة ومخطط لويس

حجم الخط
4

بات في حكم المؤكد تراجع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن مهاجمة سورية على المدى القريب المنظور، فهو وبعد إفشال مجلس العموم البريطاني لنوايا كاميرون في توجيه الضربة، واحتجاجات شعبية بريطانية – غربية كثيرة على شن الحرب على سورية، وبعد توقع التداعيات الممكنة للضربة، واحتمال مهاجمة أطراف المقاومة مجتمعة، حزب الله، إيران وسورية، لحليف أمريكا الاستراتيجي، الكيان الصهيوني، آثر أوباما التريث قليلاً في القيام بالعدوان. وبسبب من الإحراج الكبير له بسبب التراجع، فضّل أن يسلّم القضية برمتها للكونغرس الأمريكي. هذا لا يعني توقف المخطط الأمريكي- الغربي- الإسرائيلي عن استهداف سورية، وإزاحتها وحليفتيها من الطريق الموصل لمواجهة تل أبيب، لأن الاستهداف يأتي، ضمن تصور شمولي لعموم المنطقة أكبر بكثير من ضربة عسكرية محدودة.
لعله ليس جديداً القول إن التصور الأمريكي للوطن العربي يتمثل في تفتيت بلدانه إلى دويلات مذهبية وطائفية وإثنية متناقضة ومتقاتلة في ما بينها، بما يضمن السيطرة النهائية الأمريكية – الإسرائيلية على المنطقة برمتها، وتدمير العقبات التي تعترض ضمان هيمنة الحليف الإسرائيلي عليها، ضمن إعطاء أبعاد تاريخية وسمات جديدة بعيدة كل البعد عن تراثها وحضارتها، في ما اتفق على تسميته بــ’الشرق الأوسط الجديد’.
لعل أكثر من تفاعل مع هذا المخطط المفكر الصهيوني البريطاني الأصل برنارد لويس، الذي صاغ مخططه المتكامل المسمى باسمه، والذي يستهدف تقسيم دول المنطقة العربية إلى 52 دويلة مفصلّة تفصيلاً دقيقاً. لويس المؤرخ الغربي الأول في دراسة العالمين العربي والإسلامي. لقد أفاد لويس الدوائر الغربية في تفصيلات تشريح وتقسيم الدول العربية، حيث وصفه بول وولفويتز الصهيوني ومساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق قائلاً: ‘لقد تمكن لويس في شكل باهر من وضع علاقات وقضايا الشرق الأوسط في سياقها الأوسع، وبفكر موضوعي وأصيل ومستقل دوماً. لقد علّمنا برنارد كيف نفهم التاريخ المعقد والمهم للشرق الأوسط، وكيف نستعمله لتحديد خطوتنا التالية لبناء عالم أفضل لأجيال عديدة’. الدليل على صحة اعتماد الدوائر الأمريكية الغربية على ما خططه لويس هو، تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي في 29 ايلول/سبتمبر 2007 على انسحاب الولايات المتحدة من العراق، شريطة تقسيمه إلى ثلاث دويلات: شيعية في الجنوب سنية في الوسط، وكردية في الشمال. هذا يتواءم تماماً مع تصور لويس في خطته للعراق. الدليل الثاني هو غزو العراق الذي عمل لويس من أجل تحقيقه، حتى أن صحيفة ‘الصنداي تلغراف’ البريطانية في 15 شباط/فبراير 2004 وصفته ‘بأنه الرجل الذي كان وراء غزو العراق’. الدليل الثالث على التفاعل الغربي مع مخطط لويس هو، استهداف سورية وما أخذ يتردد في الأنباء، وضمن مخطط دعائي إعلامي كبير، بإشراف تلك الدوائر’من أن الصراع الدائر في سورية هو صراع طائفي’. بالتالي فإن المحاولات جارية لطبع هذا المفهوم واعتباره السمة الرئيسية للصراع، هذا أولاً، وثانياً تقسيم سورية وفقاً لما يجري تحقيقه في العراق، إلى أربع دويلات طائفية وإثنية: دويلة علوية على الساحل، دويلتين سنيتين في حلب ودمشق، ودويلة درزية في جبل العرب. بهذا يمكن القضاء على وحدة سورية، والتأثير على لبنان والأردن على طريق تقسيمهما، وبذلك تنزاح عقبات حقيقية من أمام إسرائيل.
الغريب في الأمر في ما يتعلق باستهداف سورية ومهاجمتها، هو موقف المعارضة السورية (باستثناء المعارضة الداخلية التي وقفت ضد العدوان) فهي في الأيام الأولى من التهديدات الأمريكية – الغربية بدت كأنها تستعجل هذا التدخل وتباركه، وأظهرت سرورها البالغ بتوجيه الضربة إلى سورية بلدها، ولما خفتت احتمالات العدوان، بدأت وكأن الطير حطّ على رؤوسها، أصبحت حزينة، محبطة، وجيّرت حملاتها باتجاه أمريكا والغرب. بداية نقول ان قصف الجيش السوري وهدم البنية التحتية في سورية، هما عدوان موجه من أجل تدمير سورية الوطن، قبل أن يكون تدميراً لنظام معين، فالأنظمة تتعاقب وتتوارى والوطن باقٍ أبد الدهر. لنأخذ تجربة العراق مثلاً : غالبية فصائل المعارضة العراقية رحبت باحتلال العراق في عام 2003، ساعدت المحتلين وماذا كانت الحصيلة؟ ذهاب نظام صدام. هذا صحيح ولكن الظاهرة الأعمق هي تدمير بنية العراق، وتأخره مئات السنين إلى الوراء. صراعات طائفية وإثنية وانقسام مجتمعي وتحارب مستمر، وسيطرة أجنبية على ثروات العراق وأهمها نفطه، فوضى عارمة، تفجيرات يومية، انعدام الأمن، في بلد النفط لا يوجد نفط ولا مياه ولا كهرباء لشعبه. بإجماع كل المراقبين فان العراق بحاجة إلى عقود طويلة ليعود مثلما كان قبل الاحتلال. قصدنا القول ان العدوان الأجنبي يؤدي إلى هذه الظواهر، فهل ترحب المعارضة السورية لتكون سورية على شاكلة العراق؟
للعلم، فإن الحقيقة الأكيدة أنه مهما بلغت درجة التناقض بين مطلق معارضة ومطلق نظام، فإنه وأمام العدوان الخارجي، يتوجب تأجيل هذه التناقضات ومواجهة هذا العدوان، ليس من قبل النظام فحسب، وإنما أيضاً من قبل المعارضة، التي من واجبها أيضاً مقاومة العدوان الخارجي على بلدها. لا نقول كلاماً مجافياً للواقع، وعاطفياً مثالياً لكن من منظار وطني قومي إنساني، وتوجب ما يجب أن يكون وليس العكس. للأسف جاء اجتماع الجامعة العربية حول الشأن السوري ليستجدي التدخل الأمريكي في سورية العربية، هل وصلنا الى هذا الحد من الهوان؟!
إن الحراكات الجماهيرية في ما اصطلح على تسميته بــ(الربيع العربي) في العديد من الدول العربية، لا يشك أحد في صدق خلفياتها ومنطلقاتها، لكن للأسف فإن هذه الحراكات لم يجر قطف ثمارها بالطريق الوطني الديمقراطي القومي الصحيح، فهي لم تُستكمل من جهة، ومن جهة أخرى تمكنت دول التحالف الاستعماري، اختطافها من خلال احتوائها، وبالفعل تم عقد العديد من الاتفاقيات ما بين دول التحالف وحركات الإسلام السياسي في هذه الدول، المتمثل بالإخوان المسلمين، وبالتالي تم إفراغ هذه الحراكات من مضامينها الثورية لصالح الصفقات التي كانت حريصة على تسييد مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية، والإبقاء على كافة الاتفاقيات المعقودة بين بعض هذه الدول والعدو الصهيوني، مثل معاهدة كامب ديفيد، وضمان عدم مواجهة إسرائيل مستقبلاً.
في التغييرات التي حصلت في الثلاثين من يونيو /حزيران لهذا العام، وإسقاط حكم الإخوان المسلمين وعزل مندوبهم في قصر الاتحادية محمد مرسي، بعدها جُنّ جنون الغرب، واستنكر ما حصل واعتبره ‘انقلاباً على الشرعية (وكأنهم حريصون عليها وعلى مصالح الجماهير العربية في مصر)، رغم أن التغييرات جاءت تلبية لأرادة غالبية أبناء الشعب المصري. آخر الأنباء ووفقاً لما ذكرته صحيفة ‘الخليج’ الإماراتية في الأول من سبتمبر الحالي، ونقلاً عن موقع ‘اليوم السابع’: ‘فإنه تم عقد اجتماع في قاعة ‘جامعة تل أبيب’ حضره الموساد الإسرائيلي وممثلان عن القوات البريطانية ووزارة الدفاع الفرنسية، وأعرب المجتمعون عن ضرورة دعم الإخوان المسلمين من خلال: تزويدهم بالسلاح، وحماية صفهم القيادي الثاني، وتصعيد حملة تشويه لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وإحداث فتنة طائفية، وإحياء مخطط التقسيم في مصر’. يبقى القول إن مخطط تقسيم الدول العربية (ومن ضمنها سورية) يجري على قدم وساق، ولا يريدونه لدولة واحدة، بل للعديد من الدول العربية فلتنتبه إلى ذلك المعارضات العربية ومنها’المعارضة السورية’.

‘ كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مسلم:

    ما دام القوم يعتبرون انفسهم سنة و شيعة و مالكيين و حنفيين و اخوانيين و سلفين قبل ان يعتبرو انفسهم مسلمين مؤمنين فلن تلقى هده الامة خيرا ولا رضا من الله، شكرا على المقال.

  2. يقول قرطبة المغرب.:

    والله كلام منطقي. الله يستر، والله يحفظ سوريا ويوحد شعب سوريا على مواجهة خطط المستشرقين الجدد. أخوكم المغرب.

  3. يقول محمد من المغرب:

    يا اخي الكل يعلم ان الغرب عدو للعرب والمسلمين ، ولكن لماذا بشلر يقتل شعبه ، هل خوفا على الوطن ، عن اي وطن تتحدث واسرائيل تحتل الحولان ولم يحرك بشار ساكنا ، كفاكم كذبا علينا ، الغرب والحكام اتحدوا من اجل احتلال الاوطان والتنكيل بالانسان

  4. يقول المهند:

    كلام صحيح بلا منازع لكن أليس الطواغيت هم أحد أسباب هذا التقسيم ..!!! ثم تطلب من الشعوب المسحوقة أن تدافع عن أوطانها هل تريد من الناس ان يدافعو عن جلاديهم !! أنا ما عندي مشكلة دافع انا و الطاغية عن البلد بصف واحد بس خلي الطاغية يعترف بوجودي و حقي في حياة كريمة

إشترك في قائمتنا البريدية