في ختام الدورة الخامسة لمهرجان العودة السينمائي الفلسطيني، الذي ترأسه المخرج سعود مهنا، جاءت النتائج مؤكدة للصحوة الثقافية السينمائية، التي شهدتها مدينة غزة، حيث حقق المهرجان نجاحاً غير مسبوق على مستوياته التنظيمية والتطبيقية، فقد استعان المهرجان بعدد من الكوادر السينمائية المهمة في الوطن العربي، واحتفى بكوكبة من النجوم والأفلام، في تظاهرة دولية شهدت بعمق الوعي السينمائي والإبداعي لدى المشاركين كافة، من كل الأطياف العربية.
وقد مثل ذلك الاحتفاء تكريسا للعلاقة الوثيقة بين الثقافة والسياسة والسينما، باعتبار الأخيرة رابطا جماهيريا مهما من شأنه التأثير في الذائقة الفنية وتأكيد فكرة الانتماء العربي ـ العربي، وتحقيق الحُلم بلم الشمل والاتفاق على عدالة القضية التاريخية، وحق الشعب الفلسطيني في الأرض والوطن والحرية والاستقلال. كل هذه المعطيات الوطنية القومية كانت الدافع وراء مساندة المهرجان السينمائي، الذي رفع شعار انتظار العودة ـ عودة ليؤكد أنه لا مناص من الدفاع عن الحق الفلسطيني بكل الوسائل السلمية وغير السلمية، ولأن الثقافة السينمائية إحدى ركائز الدفاع السلمي، فقد اعتنى المهرجان في دورته الخامسة بحشد الطاقات المُمكنة كافة، من الأفلام المهمة والشخصيات البارزة للاستفتاء على القضية الفلسطينية، بوصفها القضية العربية الأم، متجاوزاً الخلافات الإقليمية، ومؤكداً على تناغم كل الثقافات للوصول إلى الهدف الأسمى وهو وحدة الصف العربي واستقطاب الدول الصديقة الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني على خلفية الإبداع السينمائي، وما يُحققه من تغيير في قناعات الجماهير، إزاء موقفها السياسي من الصراع العربي الإسرائيلي، أو بالأحرى الصراع الفلسطيني الصهيوني.
وفي هذا الإطار نجحت الدورة الخامسة لمهرجان العودة المُنقضية منذ عدة أيام في احتواء 177 فيلماً، ما بين تسجيلي وقصير وروائي طويل من 42 دولة، ما يُعد تطوراً ملحوظاً في آلية التنظيم واكتساب الثقة، وحسب تصريحات مصطفى النبيه رئيس لجنة التحكيم فإن المهرجان هذا العام قد منح 17 فيلماً عدداً من الجوائز في التخصصات كافة، تصوير وإخراج وتمثيل وديكور وإضاءة وموسيقى تصويرية ومونتاج وسيناريو وغيرها من جوانب الصناعة السينمائية والإبداع، لافتاً إلى جائزة مرزوق الغانم التي فاز بها فيلم «القافلة» للمخرج السوري محيي الدين أرسلان، كون الفيلم يتحدث عن مشكلة التهجير وانتصار الإنسان العربي لإنسانيته وتغلبه على مُعضلات الحياة في المجتمعات الفقيرة، وكذلك تم تخصيص جائزة هيلين كيلر لأفضل فيلم يتحدث عن مُشكلات وقضايا أصحاب الاحتياجات الخاصة، وقد فاز بها المخرج أسامة شعبان عن فيلمة «سوبر داون» إضافة إلى جائزة الأسير كريم يونس لأفضل فيلم يطرح قضايا الأسرى للعام الثاني على التوالي وهي الجائزة التي ذهبت للمخرجة المصرية ريم علي حسن عن فيلمها «جاذبية أسير» وفي هذا السياق أعرب المخرج سعود مهنا رئيس المهرجان عن استيائه الشديد من مستوى فيلم «أميرة» وهو أحد الأفلام التي تناولت قضية الأسرى بشكل غير مُنصف، الأمر الذي مثّل صدمة على المستوى الفني والمحتوى السياسي، وكاد أن يُسبب ارتباكاً في معايير قبول الأفلام المُشاركة، خاصة تلك التي تتعرض للقضايا الأساسية والمفصلية للشعب الفلسطيني.
وعلى جانب آخر فاز النجم المصري أحمد بدير بجائزة أحسن ممثل عن دورة في فيلم «موعد حياة» وهي واحدة من الجوائز المُعتبرة وتُعد تقديراً مُستحقاً لبدير عن دورة المتميز، وقد أعرب الفنان في كلمته الموجهة للمهرجان والقائمين عليه، عن سعادته الغامرة بهذه الجائزة كونها جاءت من مهرجان فلسطيني عربي، يؤكد حيوية القضية الفلسطينية واستمرار كفاح الشعب الأبي المُناضل طوال حقبة تاريخية طويلة ولا يزال.
وقد تُوجت السينما المصرية بعدد من الجوائز الأخرى، مُنحت لها في مجال التصوير والإضاءة والإخراج، مُتمثلة في فيلم «صندوق عرايس» الذي فاز بجائزة أفضل فيلم روائي للمخرج متي رشدي، وكذلك فيلم «السابع والعشرين من مايو» للمخرج مصطفى مراد، على عكس ما مُنيت به من خسارة في المسابقة الفائتة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث لم تحصل إلا على القليل جداً من الجوائز مقارنة بدول عربية أخرى!
وفي ما يخص التمثيل على وجه الخصوص منح مهرجان العودة جائزة خاصة للممثل الفلسطيني حسين نخلة، عن دورة في فيلم «ماجدة» للمخرج محمود محمود الذي حصل بدورة على جائزة السيناريو عن الفيلم نفسه، فيما نال الممثل السوري همام رضا جائزة أحسن ممثل عن دورة في فيلم «يوم عادي جداً» وكذلك حصدت الطفلة المصرية نور رجب جائزة التمثيل عن دورها في فيلم «راضية» بينما فاز المخرج المصري أيضاً شهاب عبدالحافظ بجائزة الإخراج لتجارب الهواة عن فيلمه «البحث عن أمل». أما التنويهات الخاصة من لجنة التحكيم عن القيمة الفنية لبعض الأفلام، فقد جاءت من نصيب الفيلم الوثائقي اليمني «بتوقيت الحصار» للمخرج علي حسن الحمري والفيلم السوداني «ظلال في الظلام» للمخرج محمد عزت وفيلم «هرابي» للمخرج المصري محسن محمد إبراهيم، بالإضافة إلى شهادة تقدير حصلت عليها المخرجة المصرية آية إبراهيم سعيد عن فيلمها «العودة».
وبهذا القدر من الجوائز جاء الإثبات بتفوق السينما العربية في مجال الرصد والتوثيق للقضية الفلسطينية عملياً وإبداعياً، وهي الترجمة الحقيقية والحرفية للمهرجان، الذي رفع شعار العودة كحق مُكتسب ومقرون بكفاح الشعب الفلسطيني لأكثر من نصف قرن.
كاتب مصري