اختتمت في مدينة البصرة أقصى الجنوب العراقي فعاليات مهرجان المربد الشعري الثالث والثلاثين، التي استمرت اربعة أيام بمشاركة عراقية وعربية واسعة.. ومثل كل عام يتعرض المهرجان إلى تأييد كبير، لأنه مهرجان يجمع الشعراء العرب والعراقيين في مدينة البصرة، مثلما يجمع الشعر في محطاته القديمة المربدية، فضلا عن أنه يقام في ظل ظروف غير مواتية للعراق، الذي خرج لتوه من معركة ضد الإرهاب المتمثل بعصابات «داعش» الإرهابية. وأيضا مثلما يتعرض لانتقاد كبير ليس أوله أنه مجرد تجمع يستمر لأربعة أيام يحضره شعراء وأنصاف شعراء، وأنه عبارة عن تجمع اجتماعي وأن الكثير يحضر فيه والغائب الوحيد هو الشعر.
المربد وبحسب عضو اللجنة التحضيرية الناطق الإعلامي للمهرجان الشاعر حبيب السامر، شارك فيه أكثر من 200 مثقف وشاعر عراقي من الداخل والخارج المهجري، فضلا عن 71 شاعرا ومثقفا عربيا وأجنبيا من دول الخليج والغرب والجزائر وتونس والمغرب ومصر ولبنان وفلسطين والأردن وتركيا وأذربيجان وفنلندا، وكانت سوريا ضيف شرف المهرجان.. ويضيف كانت هناك سبع جلسات شعرية وأربع جلسات نقدية، وشملت المحاور النقدية الأدبية والتنويرية هذا العام علاقة المثقف بالسلطة والفعل الثقافي، وكذلك القصيدة مشروعاً حداثوياً (حسين عبداللطيف) فضلا عن الهوية الثقافية في منجز إسماعيل فهد إسماعيل، الهوية الوطنية والوعي الاجتماعي (الحداثة والتقليد). وبحسب السامر فإن المهرجان يمثل رسالة إلى العالم نقول فيها إن الثقافة في العراق رغم كل المصدات إلا أنها بعافيتها، وتحتفي بالشعر والنقد وتمارس حياتها، ويؤكد على أن الجميع لا يقف عند صغائر الأمور، بل نتعداها إلى الفعل الثقافي المؤثر في المجتمع، وما الحضور الحاشد في افتتاح المهرجان والجلسات اللاحقة إلا برهان أكيد على تجدد الحياة، وتواصل العمل الإبداعي.
تحدٍّ وجهود
المربد الذي أطلق عليه في هذه الدورة دورة الشاعر ابن البصرة الراحل حسين عبد اللطيف، ربما حقق هذه النقطة لكن هناك من يرى الكثير من الزوايا التي لا بد أن تؤخذ بالحسبان.. وكأن المربد يبحث عن مرحلة يتصلب فيها العود ويقف بوجه التحديات التي تصادف العراق، ليس على مستوى الإرهاب فقط، بل على مستوى الظلام الذي يراد أن يسود لما مرحلة عام 2003.. وهو الأمر الذي نؤكده دائما أن الفعالية الرئيسية في الوقت الراهن هي أن تكون هناك فعاليات ثقافية مهما كان نوعها أو عددها أو أهدافها.. لأن المقارنة صعبة وحصاد النتائج صعب، فالمقاومة هي أن تعلن وجودك.. وهو ما أكده الروائي إبراهيم سبتي. وأضاف أن المهرجان يعني أن الشعر والأدب واللغة حاضرة لصنع الجمال.. وأن هناك من يتحدى ويقف ليكون في الضوء، خاصة أن هناك محاولات لإسكات الحرف العراقي، والمربد جاء بعد أسابيع قليلة من اغتيال الروائي العراقي علاء مشذوب. ويعتقد سبتي أن مهرجانات كهذه فرصة لتحقيق أشياء جديدة تصب في صالح الأدب والثقافة، وتساهم في طرح كل ما هو جديد وحداثوي، انطلاقا من مبدأ مواكبة تطورات الثقافة والأدب والنقد، لاسيما إننا في العراق كان لنا النصيب الأكبر في الاطلاع على تطور المشهد الأدبي، خاصة في الدول التي زرناها. عموما هي فرصة للتحاور وطرح الجديد الذي يصنع دائما بجهود فردية مضنية.
على مدى 33 دورة لم يخرج بتقاليده الخاصة، بل بقي مهرجاناً يجمع أسماء لا رابط بينها، ويرى أيضا أن المشكلة الرئيسة التي تواجه أي مهرجان عراقي، إن كان شعرياً أو سردياً تكمن في إرساء التقاليد الثقافية.
آراء بين المد والجزر
لا تشابه في الآراء.. وهو أمر طبيعي.. فما يتحقق لا يكون مرئيا من الجميع ولا يكون موازيا للجهود التي تبذل.. فلكل واحد زاوية نظر مهمة.. فالشاعر عبد الزهرة زكي قال إن المرات التي حضرت فيها المربد، بطوريه القديم والجديد، كان حضوري فيها محكوماً بدافع اجتماعي، أكثر مما هو شعري خالص، وهذا دافع ليس بالقليل، ذلك أن لقاء الدافع الاجتماعي يمكن أن يكون عملاً ثقافياً. وفعلاً كانت لقاءات اجتماعية ثقافية أكثر مما هي شعرية خالصة. وأضاف أن المربد بطوره الأول (ما قبل 2003)، لم يغير شيئاً في الشعر، قدر ما أسهم بتوضيح صور مختلفة لأزمة الشعر، مع التلقي السماعي المباشر. والمربد بطوره الحالي عانى الأزمة نفسها، إنها أزمة نمط من المهرجانات وليست أزمة شعر. ويشير إلى أن الملاحظ، من وقائع المربد، أنه حتى الشعر العمودي والحر يعانيان اغتراباً واضحاً في المربد. وبالمقاييس المعروفة لشعر العمود فإن بعض المقروء من قصائده في المهرجانات جيدة، لكنها تظل (جودة) لا تعفيها من معاناة الأزمة ذاتها، ليعود مؤكدا أن هذه مهرجانات لها قيمة اجتماعية أكثر مما هي شعرية خالصة، وكما قلت فإن بعض القيمة الاجتماعية قد تكون ثقافية.
أما الناقد محمد أبو خضير، فيرى في تصريح له أن المربد على مدى 33 دورة لم يخرج بتقاليده الخاصة، بل بقي مهرجاناً يجمع أسماء لا رابط بينها، ويرى أيضا أن المشكلة الرئيسة التي تواجه أي مهرجان عراقي، إن كان شعرياً أو سردياً تكمن في إرساء التقاليد الثقافية، وإن ما حدث أن المربد ما بعد 2003 ألغى أي تقاليد سابقة إن كان على سياق اختيار الأسماء أو التنظيم وانطلق بشكل جديد، وهذا ما جذّر عدم الفوضى وليس السياق. ويعتقد انه كان يجب أن يكون فرزاً في المعيار الشعري، فالآن لديه مشهدية واضحة في الشعر العراقي، وأجيال تجاهد من أجل اللحظة الشعرية، غير أننا لم نجد هذه الأصوات المهمة.
ولم يخل الفيسبوك من انتقادات من قبل الأدباء، خاصة الذين أكدوا على نجاح تفرد المهرجان ومنهم ما قالته الشاعرة اللبنانية جمانة شحود نجار، التي شاركت بعدّة مهرجانات في معظم الدول العربية، لكن مهرجان المربد هو الأهم لأنه امتداد لتاريخ قديم. وتضيف كان الحضور اللافت الذي لم نر مثله في أي مهرجان ثقافي عربي آخر، ففي حفل الافتتاح كان الحضور قد ملأ القاعة الكبيرة، ووقف في الممرات وخارج القاعة، في حين أنني حضرت لمهرجان عربي قبل مدة لم يتجاوز عدد حضور حفل الافتتاح الأربعين مهتماً وأديباً. ويؤيدها الشاعر الفلسطيني أنور الخطيب أيضا في قوله، إن المربد يصنف من المهرجانات الشعرية الكبيرة والفريدة التي تتمكن من جمع كل هذه الأعداد من الشعراء، لكن إذا التفتنا إلى النوعية فالمستويات مختلفة من الجيد إلى الرديء جداً. المهرجان يفرز أصواتاً غير معروفة سابقاً ويطرحها على الصعيد الإعلامي.. لكن الروائي والشاعر حميد الحريزي يرد على صفحته ما سماه بالمربديات.. سنكون شاكرين جدا لمن يتحفنا بنص شعري جديد من النصوص المشاركة في المربد، لا نريد أن نرى صورا فقط.
توصيات
التوصيات التي خرج بها المهرجان كما يخرج في كل دورة تقام.. وهنا يقول الشاعر حبيب السامر إنها جاءت بضرورة العمل على إعادة نشر الأعمال الكاملة للشاعر الراحل حسين عبد اللطيف، والعمل على مطالبة الجهات المعنية بأهمية حماية المثقف العراقي من كل مظاهر العنف والتهميش والعزل، وضمان حقه الدستوري في التعبير عن الرأي والموقف والتظاهر، داعين إلى ضرورة الكشف عن قتلة الروائي علاء مشذوب.
كما طالبت التوصيات التي أعلنت باسم المشاركين بأهمية مفاتحة وزارة الثقافة للتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لغرض دعم البرامج الثقافية، على مستوى التنسيق مع الجامعات الرسمية والأهلية، وضرورة تخصيص ميزانية خاصة لدورات المربد المقبلة من قبل الحكومة المحلية في البصرة، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في محافظة البصرة ووزارة الثقافة والتعليم العالي لإقامة معرض البصرة الدولي للكتاب ليكون تظاهرة سنوية تعكس العمق التاريخي للمدينة للاحتفاء بفاعليتها في تأصيل معارف الشعر والنقد وعلى اللغة والكلام.
٭ روائي عراقي