يبدو أن موضوع الأسبوع الماضي وكان عن ‘مدى سلامة دعوة إبعاد المخضرمين وكبار السن عن المشهد الوطني’ قد لفت الانتباه، وقد وصلتني رسالة على بريدي الألكتروني من الأستاذ الجامعي واستشاري العظام المثقف محمود عبد الغني يعلق فيها على التمييز بين الأجيال قال فيها: ‘هذا الأمر لا يخرج عن المبدأ الإستعماري القديم (فرق تسد) فإن عملية الفرز لتوضيح وبروز الإختلاف بين الاجيال هي نفسها وذاتها التفرقة بين الوجه القبلي والبحري، وكذلك بين المسيحي والمسلم، وبين المسلم والمسلم الخ. وهناك من التباين والإختلاف بين البشر مما جعله الله سنة كونية في خلقه. قال تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا ما رحم ربك ولذلك خلقهم)، ومن هنا فان التباين والتمايز بين البشر وكذا الإختلاف ليس مدعاة الى الفرقة، وإنما مدعاة للإتحاد فهو اختلاف يؤدي الى التكامل وليس الى التنافر. بل إن اختلاف الأقطاب المغناطيسية يؤدي الى التلاحم والإلتصاق وعادة ما يؤدي التشابه الى التباعد وليس الى التنافر!! ولكن ضعاف العقول ومن عميت بصائرهم يريدون ان يفرضوا علينا فُرقة تؤدي الى التشرذم والتشاحن والبغضاء!! وما بهذا تحكم العقول السوية فهيا بنا نجعل من اختلافنا ذريعة ووسيلة للتلاحم والوحدة’.
وضرب أستاذ الطب مثلا بالبدوي المسن الذي جمع أولاده وهو على فراش الموت وناولهم حزمة من العصي، وطلب منهم كسرها فلم يتمكن أي منهم وفشلوا جميعا، وأمرهم بفكها، وسألهم ان يمسكوا العيدان منفردة فكُسرت بسهولة!! فقال: ‘هكذا أنتم، أقوياء إذا اتحدتم ضعفاء إذا تفرقتم’. فلتتشابك الأيدي ولنتعاضد ونتكاتف حتى نصير جزءا واحدا يصعب كسره.. فلا يريد كسرنا وشرذمتنا وفرقتنا إلا الأعداء، إنتهت الرسالة.
ورغم الحاجة الماسة إلى التماسك والتعاضد فما زالت مبررات الفتنة وعوامل الفرقة تجد أسانيدها الطائفية وتخريجاتها الفكرية وهناك ‘مبررات ديمقراطية!! تزكيها، فباسم الديمقراطية يتم العمل وفق مبدأ ‘التوافق’ في التعامل مع توابع ثورتين تاريخيتين تمتا خلال 30 شهرا، ولا نجد سياسيا واحدا يتحدث ولو بطريق الخطأ عن الوحدة الوطنية، والكلام كله عن مواقف لم ترتق إلى الطموح الثوري، ولم يدع أي سياسي لتشكيل جبهة وطنية أو طالب بإقامة تحالف ثوري يواجه التردي الراهن والمنادون بالتعددية يعزلونها عن التنوع، الذي يعني الخصوبة والثراء؛ ويدافعون عن حقوق الطوائف والمذاهب والفرق والمناطق، سحبا من رصيد الوطن، وعلى حساب مستقبل الأمة؛ إنها الفردية التي تُعطي السيادة لرؤى التقسيم وبرامج الفُرقة، وتغلب لغة الوحدانية والتفرد على مجمل الخطاب الحزبي والسياسي المصري.
وكثير من مفكرينا نسوا ما قرأوه عن ابن خلدون، وهو أن ‘الإنسان اجتماعي بالطبع’ أي اجتماعي بالفطرة، ونسي غيرهم الأمثال الشعبية، التي تقول: ‘الجنة من غير ناس ما تنداس’ أي دون عمران واجتماع بشري من الصعب أن تطؤها قدم. والإنسان منذ فجر التاريخ ينزع إلى الاستقرار وتوفير سبل الأمن والحماية، ولما كانت قوة الفرد البدنية لا تكفي نشأ ما يمكن تسميته القوة الاجتماعية، وهي محصلة قوة الأفراد إذا التقوا وتعاونوا، فلم يخرج الإنسان للصيد وحده، ولم يتصد لمخاطر الحياة منفردا؛ كان الأقران يحمون بعضهم بعضا، وبالتدريج وفروا لأنفسهم قوة مادية (عسكرية بدائية) فتضاعفت قوة الإنسان وتطورت مع الزمن وأضحى الإنسان الكائن الأقوى، وما زالت الجماعة مصدر القوة الأول رغم تغير الحقب والمراحل، واحتاجت القوة إلى التنظيم الجيد، وتطور تنظيمها منذ الأسرة ثم العشيرة فالقبيلة والقرية والمدينة، وصولا إلى الوطن والدولة الموحدة والإمبراطورية التوسعية، بجانب أشكال وحدوية (إندماجية) واتحادية (فيدرالية) وتعاهدية (كونفدرالية).
ومع أن التطور الطبيعي هو نحو وحدة الأمم الممزقة والكيانات المتشابهة، ومع ذلك سيطر النزوع الانعزالي والشوفيني على كتل من شباب ثورة 25 يناير، وخفت حدة ذلك في ثورة 30 يونيو، وكأن المسعى المشروع نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية يأتي على هيئة مواجهة مع المجتمع والانسلاخ من الدولة.
وما كان يُطرح مقترنا بالحراك الثوري من نهاية 2010 وبداية 2011، وبدأ بتونس وثنى بمصر؛ طُرح وكأنه تجاوز لتغيير النظم المستبدة إلى استهداف المجتمع ووجود الدولة وإسقاطها. وهذا الفهم لم يكن من فراغ، وكان محصلة جهود منظمة وموجهة؛ اقتضتها تحولات ‘ما بعد العولمة’، وقامت على تفكيك وإعادة تركيب المجتمعات والدول من جديد، وذلك احتاج لتجريد الدولة من إمكانية السيطرة على مكوناتها، وتعطيل وظائفها، ووضع المواطن في مواجهة مستمرة معها، وضعفت وعجزت عن تلبية كثير من مطالب المجتمع واحتياجاته.
وكانت تلك الجهود جهودا ‘استشراقية محلية’ تدعو إلى إنسحاب الدولة، وإفساح الطريق للكيانات الاحتكارية المعولمة؛ الزاحفة على بلدان العالم الثالث، واعتبار الدولة من مخلفات وميراث المرحلة الاستعمارية، وكأن مهمة الاستعمار هي بناء الدول لا هدمها، وهذا غير صحيح، وهناك دول ولدت من رحم المقاومة الوطنية، وما زال مثال الجزائر صارخا، فالاستيطان الفرنسي تعامل معها كما تعامل الاستيطان الصهيوني في فلسطين بعد ذلك؛ طمسا للهوية، وهدما للكيان، ومسخا للانتماء، وأصبحت الجزائر أرضا فرنسية، وعندما انتصرت ثورتها تركها المستوطنون لتنهار ذاتيا، وتتحول إلى أطلال؛ أناس بلا دولة وشعب بلا رباط، وهذا لم يحدث بفضل اعتماد الجزائريين على نظام ‘التسيير الذاتي’ في إدارة مرافق الدولة الوليدة بدلا من المستوطنين، ولأن ذلك حدث في مرحلة المد القومي؛ عوضت الأمة غياب إدارة الاستيطان بخبرات العرب، وكانت خبرات مصر حاضرة. والاستيطان أورث الجزائر الهم والدم ولم يورثها دولة!.
وكانت هناك دول قائمة سبقت عصر الاستعمار بقرون عديدة، واستردت وجودها بعد التحرير؛ منها مصر، كبلد موحد لآلاف السنين، ودولتها الحديثة قائمة بين كر وفر على مدى أكثر من قرنين، حتى 2011. وها هو الخطر يحيط بها مع استمرار النفوذ الأمريكي وبقاء معاهدة ‘كامب ديفيد’.
وتعريف الدولة المبسط في العلوم السياسية هو أنها محصلة إرادة موحدة لجماعات وأفراد يعيشون على أرض واحدة، ويخضعون لسلطة عامة منحوها السيادة عليهم، وتنازلوا بإرادتهم عن جزء من حرياتهم لحسابها، وتخضع الدولة لسلطة مركزية واحدة، تمارس الوظائف السياسية والتشريعية والأمنية والقضائية والاقتصادية، وهذا لا يمنعها من الارتكان إلى نظام لامركزي في هيكلها الإداري ووحداتها المحلية.
لم يطالب ثوار 25 يناير بإسقاط الدولة، ومع ذلك تبنت تيارات مؤثرة فيهم أفكارا وتوجهات إنكفائية وإنعزالية؛ عبرت عنها شعارات ‘مصر فوق الجميع’ و’مصر أولا’، وتركت هذه التيارات بصماتها على دستور 2014، وانساقوا معها فخلطوا بين إسقاط الحكم وبين تقويض الدولة، وهو ما استغلته فرق الإرهاب والعنف المسلح الطائفية والمذهبية والفوضوية والتروتسكية. وجميعها تقف في مواجهة الدولة.
والدولة المصرية تهددها الاختراقات، بعضها معولم وأممي عابر للحدود، والبعض الآخر يتم من خلال منظمات وجماعات حقوقية وبحثية مرتبطة بالخارج، وتعمل غالبيتها على توفير المبررات الفكرية والدعوة لإضعاف الدولة والحط منها، والدعوة لإلغاء وظائفها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية، ولم يكن ذلك وليد اللحظة، فقد بدأ من عقود؛ حين بدأت إعادة هيكلة الاقتصاد وتحويله إلى اقتصاد ريعي؛ قام على تصفية الشركات والمؤسسات العامة عبر برامج الخصخصة، وبإلغاء الدعم، والحد من الإنفاق العام. وبدلا من أن تبقى الدولة إدارة سياسية لمنظومة راعية للمواطن وحامية للوطن أصبحت أقرب إلى المؤسسة التجارية أو الشركة التي تقوم بالتخديم على الاحتكارات الكبرى، وتسهيل التدفقات المالية العابرة للقارات، وتوفير الحماية اللازمة لاحتكار الثروات، وعبورها إلى مواطنها الآمنة، وهذا أصاب الدولة بمرض عضال؛ أشبه بهشاشة العظام ورخاوة العضلات، و مكن قلة من السلطة والثروة والنفوذ، وأبقى على التهميش السياسي والاقتصادي، وزاد رقعة الفقر اتساعا، وافتُقدت العدالتين؛ الاجتماعية والإنسانية، وبذلك أضحت الدولة في خطر.
وما يجري في المحيط العربي والإقليمي، وانكشاف حجم التغلغل الصهيوني، وتفاقم وطأة الاختراق الأمريكي، ودخول المال السياسي من قنوات غير شرعية، وتدفق السلاح بلا حساب من حدود مصر الغربية أشعل معركة ضارية بين الدولة وأعدائها.
والدولة وهي تدافع عن نفسها في معركة مصيرية؛ عليها أن توازن بين مقتضيات الحرية وضوابط القانون واليقظة لاحتمال تسلل الدولة البوليسية، وتبدو وقد بدأت تطل برأسها من جديد، ووقعت تحد يدي معلومات من مصادر موثوقة تفيد بعودة التعذيب ضد المحبوسين بقرارات من النيابة العامة على ذمة التحقيق في جنح وقضايا؛ تتعلق بالعنف ضد المواطنين والقوات المسلحة والشرطة، وتحت يدي وقائع تعذيب مورست ضد نشطاء في قسمي شرطة قصر النيل والأزبكية عشية انتقالهم لسجن طرة العمومي؛ تم إيقاظهم في الخامسة صباحا، وأغرقوا بالماء البارد في شتاء هذا العام القارس، بجانب نوبات من التعذيب البدني والنفسي، وكان ذلك يوم السبت الماضي (8/ 2/ 2014)، وبذلك يتحول الحبس الاحتياطي، الذي يتقرر بإذن من النيابة العامة إلى اعتقال بلا ضمانات، ويخضع لسلطان الشرطة دون رقيب.
ونفت وزارة الداخلية وقائع التعذيب، والفصل فيما ندعيه ويدعيه غيرنا، وبين نفي الداخلية يكون بالتحقيق العاجل، وسرعة اتخاذ خطوتين هامتين تقطعان الطريق على عودة الدولة البوليسية.. الأولى: إخضاع أقسام ومراكز الشرطة للتفتيش القضائي. والثانية: الإسراع في نقل تبعية السجون والمحابس وأماكن الاحتجاز للقضاء، وإذا عاد التعذيب فعلينا أن نتوقع موجة جديدة للثورة؛ الكل في غنى عنها، وعلى السلطات المعنية العمل على تجنبها.
ونختم بالقول أنه من حق الشعب أن يحلم بحاكم في قوة وشعبية المشير عبد الفتاح السيسي، وليس من حق أحد المصادرة على حلم كهذا، محصن بيقظة شعب؛ يتمتع بوعي كامل وفي لياقته الوطنية العالية، والغالبية العظمى تراهن على أن السيسي سيكون عند حسن الظن به؛ فبينه وبين الشعب ثقة متبادلة؛ توفر ظهيرا جماهيرا يعتمد عليه إذا ما ترشح للرئاسة، ومؤيدو السيسي يعلمون أنهم لا يملكون ترف الفشل، وينتظرون إنطلاق العمل والكد والتضحية للخروج من عنق الزجاجة الحالي، وتعود مصر دولة قويه.. موحدة.. عادلة.. مستقلة.
‘ كاتب من مصر يقيم في لندن
و لا يزالون مختلفين الا من (و ليس الا ما) رحم ربك و لذلك خلقهم. (سورة هود)
سيدي الإرهاب هوً إرهاب الطغمة. الحاكمة
نوافق الدكتور عبدالغني على رايه كما نوافق الاستاذ ذياب على رايه بضرورة انهاء الدولة البوليسية . اما فيما يتعلق برئاسة الدولة المصرية فان بقاء السيسي قائدا للجيش وداعما موثوقا به لرئيس مدني – وليكن صباحي او غيره- لهو السبيل الأصح لضمان الامن والاستقرار وخروج مصر من عنق الزجاجة . ولعل السيسي ومعظم القيادات الثورية الصالحة في مصر يدركون مدى خطورة التعذيب الذي يتعرض له اشرف وانبل المصريين في السجون والمعتقلات . وكما ان الكاتب يرى ضرورة التوافق بين الاجيال فمن المنطقي ان يطالب بضرورة التوافق والمصالحة مع الاسلاميين الذين تصفهم السلطة الحالية وبعض الاعلاميين بالارهابيين .
أهدى لكم مقالاتى عن صلاة الفجر والمعجزة القرآنية القرآن يتحدى وعلاج قاتل لجميع الفيروسات : ” الأشعة تحت الحمراء” و” أسرار الحياة ” على مدونتى الجديدة:http://lissy57.wordpress.com/
محمد عبدالغنى محاسب وضابط سابق ساهم فى نِشرالرسالة والثواب من الله حملة إيقاظ 2 مليار مسلم لصلاة الفجر…كما أهدى لكم مقالى ” الولايات المتحدة العربية وأتحدى : مرسى لن يعود حتى يلج الجمل فى سم الخياط ، فوضت الجيش والشرطة للقضاء على الإرهاب وبايعت الفريق السيسى ( ناصر الجديد ) والمعونة الأمريكية على الجزمة ونعم للتعاون العسكرى والإقتصادى مع روسيا والصين واليابان
الله أكبر إقرأ مقالى : مرسى المخلوع وهو منشور منذ أربعة شهور قبل الثورة المباركة على مدونتى الجديدة ألف مبروك لمصر والله أكبر ويحيا الجيش وعاشت ثورة 30 يونيو لا لمحمد مرسى لقد خلعت بيعتة بعد موقفه المتخاذل من الضرب بيد من حديد على الإرهاب فى سيناء
مركز استخباراتى فرنسى يفجر مفاجأة.. الرئيس مرسي يعمل مع المخابرات الأميركية منذ 20 سنة
http://www.egy-press.com
شبكة ايجى برس الاخبارية
http://www.egy-press.com/storydetails.aspx?storyid=23671
http://www.egy-press.com
مساهمه ظريفه لكن ليش ما حطيت اعلان لببسي او كتكات بالمره ؟
اللهم احم مصرا من أهلها. إن ارتكان الساسة في مصر وتنازلهم أمام الجيش لهو أكبر دليل على ضعفهم. فالحكم خلال السنوات الماضية قضى على الحياة السياسية في البلاد. وأما حكم العسكر وتغول الأمن فمعناه واحد لا ثاني له: إنه ما أوصلكم إلى ما أنتم فبه. أفيقوا رحمكم الله.