تأكيداً لما ناقشته في مقالي الأسبوع الماضي: “المشكلة ليست نتنياهو وبايدن… بل أمريكا وإسرائيل”-عن تعمد مراوغة نتنياهو وحتى رفض وتفخيخ نتنياهو وأعضاء حكومته المتطرفة مقترح الرئيس بايدن بمراحله الثلاثة: بإنهاء الحرب ووقف شامل للعمليات العسكرية والانسحاب من قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن باتت مفضوحة. خاصة بعد قرار مجلس الأمن الأسبوع الماضي قدمته الولايات المتحدة بوقف الحرب أيدته 14 دولة وامتنعت روسيا عن التصويت عليه-استمر نتنياهو على موقفه! برغم اصطدامه بمطالب الرئيس بايدن المأزوم انتخابيا، لكنه يبقى وإدارته بانحيازه كلياً لإسرائيل-وهذا ما أكدته: “الواقع أن الاصطفاف الأمريكي منهجي ومؤسساتي، ويتعدى صهيونية بايدن وقيادات إدارته وتزلف وبلطجة وانحياز الكونغرس، ونتنياهو وزمرة عتاة اليمين المتطرفة المنتخبة من متطرفين، إلى النظامين الأمريكي والإسرائيلي معاً. وهنا يكمن المأزق والمأساة المروعة!
وتتفاقم المعضلة نظراً لحالة الفوضى والخلافات واحتجاجات وتظاهرات أهالي الأسرى، هالوتصدع وخلافات حادة وانقسامات واستقالات داخل حكومة الاحتلال المتطرفة، والتي أصبحت أكثر تطرفا وتمسكا بحرب عبثية بلا أفق للبقاء في السلطة، بعد فقدها التوزان باستقالة الوزيرين في مجلس الحرب بيني غانتس وايزنكوت (رئيسا أركان سابقين) كانا برغم تطرفهما، يمثلان الموقف الأقل تطرفا وجنونا من بن غفير وستموترتش. وهكذا يبدو مجلس الحرب بقيادة نتنياهو متهوراً في مواقفه وتصعيده وإصراره على الحرب وتعطيله لأي صفقة. وقد حذر رئيس الشباك السابق: أنه ليس بقدرة الجيش الإسرائيلي القتال على عدة جبهات، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تقدر محدودية قدراتها العسكرية. ما يقحم المؤسسة العسكرية في حرب استنزاف في قطاع غزة والدفع بشكل متصاعد لتوسيع رقعة الحرب مع حزب الله على الجبهة الشمالية.
خاصة بتحول حرب غزة في شهرها التاسع، لحرب استنزاف وبلا أفق مكلفة للطرفين-وخاصة لإسرائيل ونتنياهو بالتحديد-الذي تؤكد جميع الأطراف وخاصة المعارضة أن الحرب باتت حرب نتنياهو يوظفها للبقاء في السلطة. ما يزيد من فرص التصعيد والمواجهة ورفض قبول مقترح وقف إطلاق النار وعقد صفقة تنهي حرب الإبادة!
واضح وصل الجيش الإسرائيلي في الشهر التاسع من الحرب إلى قناعة أنه غير قادر على تحقيق مزيد من الإنجازات على الأرض لصعوبة ظروف الحرب غير المتناظرة. ولن ينجح بتكرار عملية مشابهة لإطلاق سراح 4 محتجزين في النصيرات – تسببت بمجازر وحشية واستشهاد وإصابة 1000 من المدنيين-بينهم حوالي 300 شهيد.
وفي تناقض عن توقعات سابقة بطل أمد حرب غزة، نقلت هيئة البث الإسرائيلية أن جيش الاحتلال يدرس إنهاء عملية رفح بعد أسبوعين لتقرر القيادة السياسية الخطوة التالية إذا لم تبرم صفقة. وتقديرات الجيش تشير للحاجة لصفقة مع حماس لوقف عمليات حزب الله على الجبهة الشمالية مع لبنان. وبعد المرحلة ب – سيسطر الجيش على نتساريم ومعبر رفح وفيلادلفيا حتى عقب انتهاء العمليات. ما يعني أن التوجه هو إبقاء احتلال قطاع غزة بعد الحرب! – وهذا يصطدم بشكل واضح مع الاتفاق الذي أعلنه الرئيس بايدن بانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة في المرحلة الثانية!
وفي الوقت الذي تنظر الحكومة الإسرائيلية الأسبوع القادم لإصدار قانون تمديد فترة الخدمة بالاحتياط لجيش منهك ويعاني من حرب غزة-أشارت صحيفة جيروزاليم بوست أن أكثر من 10 آلاف جندي من الاحتياط طلبوا تلقي خدمات وعلاج نفسي لهول معانتهم من الحرب. ومع ذلك تشير تسريبات لوسائل إعلام إسرائيلية ضمن الحرب النفسية على حزب الله أن القيادة العسكرية تحضّر لشن حرب واسعة على حزب الله – ينتظر قرار الحكومة الإسرائيلية. ما سيفجر خلافا مع بايدن!
ما يعقد الخطة الإسرائيلية لليوم التالي لنهاية الحرب- من الطرف الذي سيدير قطاع غزة؟! خاصة أنه حسب مصادر أمنية إسرائيلية، فشلت إسرائيل بإيجاد بديل واقعي وقادر عن حماس لإدارة قطاع غزة بعد الحرب مع استبعاد السلطة. كما لن تقبل أي جهة بدخول غزة قبل القضاء على حماس. ما يعرقل خطط إسرائيل ويمنع التوصل إلى صفقة. وأن موقف إسرائيل صعب وتحتاج للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
يرافق ذلك الخشية من توسع دائرة الحرب بعد تصعيد متبادل للعمليات العسكرية وتصعيد وتجاوز إسرائيل خطوط الاشتباكات بالقصف والاغتيالات المستفزة لقيادات حزب الله. وخاصة اغتيال القيادي أبوطالب وقيادات حزبيه أخرى وتصميم حزب الله على إسناد حماس-برد حزب الله بمئات الصواريخ بقصف مواقع عسكرية إسرائيلية في الجولان والجبهة الشمالية. وتبادل اتهامات وتصريحات تحذيرية بتوسيع رقعة الحرب وتفجير جبهة الشمال مع حزب الله. لهذا أرسلت إدارة بايدن رسائل لتهدئة ومبعوثها هوكستين لتجنب الحرب!
ونشهد على الجبهتين: حرب إسرائيل على حماس والخشية من توسيع رقعة الحرب مع حزب الله شمالا في لبنان، تحميل حماس وحزب الله مسؤولية التصعيد وليس العكس! كما تكرر إسرائيل وإدارة الرئيس بايدن وحتى بيان قمة مجموعة السبع الختامي في إيطاليا الذي أيد ورحب بقرار وقف إطلاق النار في غزة دعماً للموقف الأمريكي وقرار مجلس الأمن الأخير.
ورحب ودعم بيان مجموعة السبع الختامي الموقف الأمريكي بالطلب من حماس قبول اقتراح وقف إطلاق النار وتنفيذه بالكامل”. برغم عدم موافقة والتزام نتنياهو بالمقترح. واكتفى البيان باستنكار ارتفاع عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين غير المقبول (في مساواة للضحية مع الجلاد)! وطالب البيان إسرائيل الامتثال الكامل للقانون الدولي، وطالب البيان الختامي إسرائيل بامتناع عن شن عملية واسعة النطاق في مدينة رفح”!
لكن بإنهاك جيش الاحتلال بحرب استنزاف وبلا أفق في غزة- وعدم قدرة الجيش القتال على جبهتي غزة وضد حزب الله. بدأت المؤسسة العسكرية بالضغط للتوصل لصفقة مع حماس تجنبه الاستنزاف على جبهتين. وبالتالي أصبحت المؤسسة العسكرية للمرة الأولى، أكثر واقعية من تهور نتنياهو! وهذا يفضح نتنياهو وحكومته المتطرفة وحرب إبادته الوحشية!!