منذ فترة قصيرة ظهرت قائمة طويلة لمسابقة أدبية، ستتبعها قائمة قصيرة وبعدها فائز متوج، ومنذ أيام جاءت نتائح مسابقة «كتارا» الكبرى للرواية العربية، التي تستوعب عددا كبيرا من الفائزين في الرواية المنشورة والمخطوطة والدراسات الأدبية، وأيضا روايات فئة الفتيان، ذلك الفرع الذي استحدث منذ دورتين، وأصبح يشد عددا من كتاب روايات البالغين للتجريب فيه، ويصدف أن يفوز أحد أولئك بجائزة من جوائزه. قبل ذلك ظهرت نتائج لمسابقات أخرى صغرى أو لنقل محلية، حيث أصبحت معظم البلاد العربية تعتمد جوائز خاصة بها ولكتابها، وبعد ذلك لا بد تظهر جوائز أخرى هنا وهناك.
والحقيقة أن الذي يتأمل المشهد النهائي لحفل الختام لجائزة «كتارا»، وقت أن التقطت الصورة التذكارية للفائزين مع مدير الحي الثقافي، وعدد من كبار الشخصيات حضروا الحفل، يحس بمدى تلك السعادة التي قطعا ارتسمت على قلوب ذلك العدد الكبير من متعاطي الأدب، في زمن لم تعد فيه الآداب تؤتي ثمارا جيدة، والحقيقة لم تكن تؤتي ثمارا في أي وقت من الأوقات، وعلى الأقل جاء زمن أصبح فيه شيء من التكريم، أعني تلك الجوائز المتعددة التي ظهرت في الوطن العربي.
هذا إيجابي بلا شك، أن تدخل قائمة طويلة أو قصيرة، أن تفوز بجائزة كبرى أو صغرى أو تقترب من الفوز، وهناك أدباء كثيرون يعتبرون مجرد الترشيح للجوائز، فعلا إيجابيا من دور النشر، التي رشحتهم ولجان الجوائز التي قبلت الترشيح، إنه يعطي دفعة معنوية للأديب بأنه متفوق، ويعطي ذلك الأمل في احتمال أن يحدث النصيب في تلك الجائزة.
تأتي التفسيرات السلبية التي لا يقدمها أي طرف آخر، ولكن المبدع نفسه، هو يطرح التساؤلات، وهو يجيب عليها.
الشيء المرادف أو العكسي لتلك الصورة الملتقطة لفرحة الفوز وعشرات الصور الأخرى التي ستغزو مواقع التواصل الاجتماعي، وفوقها كتب: روايتي فازت، مجموعتي القصصية فازت، ديواني الشعري فاز، مباشرة بعد الحفل، وحتى أثناء الحفل الكبير المحاط بالأضواء، الشيء العكسي هو ذلك الذي يغزو أذهان من تقدموا للجائزة، ولم يظهروا في أي لائحة أو ظهروا في القوائم الطويلة على استحياء، وتخلفوا عن مسيرة الجائزة، وقد يكون في هؤلاء أدباء عظام قدموا الكثير للأدب وما زالوا يقدمون: ستأتي التساؤلات المرهقة للذهن:
لماذا لم أفز؟
لماذا لم ينصف عملي؟
لماذا خرجت من القائمة؟
وتأتي التفسيرات السلبية التي لا يقدمها أي طرف آخر، ولكن المبدع نفسه، هو يطرح التساؤلات، وهو يجيب عليها:
– هناك من يقصد إبعادي – هناك من يحقد علي – هناك من يتدخل لكي لا أفوز. هذه التداعيات السلبية قد تسيطر على الذهن أياما، أو أشهرا قبل أن يعود إلى صفائه وينشغل المبدع في مشروع أدبي جديد، سيبدأ به موسم معارك أخرى للجوائز، وهناك من يقسم في لحظة الملل القصوى، والتفسير المعتم لخروجه من المنافسات، أن لا يعود إلى التنافس مرة أخرى، لكنه يعود، ولسبب بسيط جدا، أن لا فائدة مادية ترجى من مجرد الكتابة والنشر، والمادة تأتي فقط من جائزة، والأمل دائما موجود، وربما يحدث شيء ويفوز. إنها آلية طرد الوسواس المرهق، وبداية الأمل، حيث يمكن أن يأتي النجاح، وينضم المبدع للصورة الكبيرة اللامعة، والصور العديدة التي ستنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، أو تأتي خيبة الأمل، وتبدأ حلقة السلبيات عملها من جديد. ما أردت الإشارة إليه هنا، ليس شيئا جديدا بالتأكيد، إنه شيء رسخته الحياة منذ أن عرفناها، الذي ييئس لا بد له من كفاح دائم ومستمر من أجل أن يرسخ أقدامه في الحقل الذي يكافح فيه، يخسر ويكسب أو يكسب ويخسر، لا فرق، ويجب أن لا يقل العطاء أو يتوقف تماما. لقد عرفنا مسيرة كثير من العلماء الذين اخترعوا لنا ما أفاد البشرية، وأنقذها من الفناء، عرفنا كيف حوربوا وعذبوا وأهينوا ولم يتوقف البحث أو العطاء ونجح المسعى في النهاية.
الأدب فكرة كبيرة جديرة بمحبتها والعمل من أجلها، للذين عرفوها، وأعجبوا بها، لا يكفي أن تظل أديبا معجبا بالفكرة، يكتب بسطحية وملل متى ما عثر على وقت للفراغ. لا بد من حب، من عشق، من تفان أعطتك المحبوبة أو لم تعطك. ويذكر تاريخ الكتابة في أي مكان في الدنيا، دائما، كتابا عظما عملوا بهذا المنهج ولم ينتظروا العطاء من محبوبتهم. والتاريخ الإبداعي يذكر مجالات أخرى لها عشاق اتخذوا المنحى نفسه، مثل كرة القدم، والموسيقى والرسم والنحت والسينما، وحتى الغناء الذي يأتي هذه الأيام بالثراء والترف كله، كان في يوم من الأيام مجدبا إلا من السمعة الطيبة والعشاق الذين يحملونه في الأحداق ويرعونه.
خلاصة الأمر.. ليس المسألة بهذه السهولة، أعنى تجاوز السلبيات المعتمة، لما هو إيجابي ومضيء، هو تمرين وتمرين مضن أيضا، وشخصيا دربت نفسي منذ عمل لي كنت أظنه جديرا بالجائزة ولم يحصل على أي شيء، تلك الأيام حملت وسواسي الخاص لفترة لكني لم أستمر سلبيا أبدا.
٭ كاتب سوداني