مواسم الهجرة إلى المجهول: أوجاع السينما المصرية المزمنة

كمال القاضي
حجم الخط
0

في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي لم تُطرح قضية الهجرة في السينما المصرية باعتبارها قضية رئيسية تُبنى عليها الأحداث، وإنما جاءت في سياقات مختلفة ومتعددة كخلفية درامية لحياة البطل أو البطلة، أو مؤشراً دالاً على مرور الزمن وتأثيراته على الشخصيات وما يتعلق بها من متغيرات سيكولوجية وإنسانية، حيث لم تكن تبعات الهجرة قد ظهرت بعد، ومن ثم لم تشغل هذه القضية صُناع السينما بالشكل الذي رأيناه فيما بعد.

من نماذج الطرح العابر لموضوع الهجرة في السينما الكلاسيكية القديمة الفيلم الكوميدي “سي عمر” للفنان الرائد نجيب الريحاني، فهو جسد نمطين مختلفين لشخصيتين، الأولى تتمثل في الشاب المهاجر للهند منذ سنوات وهي شخصية عمر المشار إليها في عنوان الفيلم، ويتم ذكرها طوال الأحداث بضمير الغائب، والثانية تمثل النسخة المزيفة للموظف البائس الذي ساقته الأقدار في طريق العصابة المكونة من عبد الفتاح القصري وزوزو شكيب، نتيجة تطابق الشبه بينه وبين عمر سليل العائلة الأرستقراطية العريقة والمستهدف من قبل عتاة النصب والاحتيال للاستيلاء على ثروته وأملاكه، بإيهام عائلته بأن الشخص المزيف هو ذاته عمر ابنهم المهاجر والمقطوعة أخباره عنهم منذ سنوات طويلة.

وقياساً على الفيلم يمكن التنويه عن بعض التجارب المماثلة التي وردت خلالها الهجرة كإطار لقصة عاطفية بين بطلين تتأجج حرارتها بفعل الغياب والاغتراب خارج الوطن لدواعي الدراسة أو العمل، ومنها فيلم “عاشت للحب” بطولة كمال الشناوي وزبيدة ثروت وليلى طاهر ويحي شاهين وعبد المنعم إبراهيم، وفيه تم التركيز على الآثار السلبية للعلاقة الرومانسية التي تأثرت فيها البطلة كثيراً بهجرة البطل المفاجئة إلى إحدى الدول الأوروبية لتواجه بمفردها حياة شاقة وصعبة في ظل تقلبات نفسية وعصبية انتابتها من هول الصدمة والخوف من العاقبة.

قطعت السينما شوطاً طويلاً من مشوارها قبل أن تفتح ملف الهجرة وتشير إليه كخطر داهم يهدد استقرار المواطن المصري وأمنه. فقد لوحظ ذلك الاهتمام مع مطلع السبعينيات وبداية الانفتاح الثقافي والمعرفي على الدول الأوروبية، ونزوع الشباب إلى السفر والهجرة متأثرين بالخطاب الشفاهي الدعائي، المبني على الانبهار غير الموضوعي بما يسمعونه عن شكل الحياة في الخارج ومستوى الرفاهية التي يتمتع بها سعداء الحظ من سكان البلاد المتقدمة على حد اعتقادهم.

على أثر ذلك جاءت الإسهامات السينمائية لتصحح الصورة المغلوطة عن وهم الرفاهية والمستقبل الموعود الذي ينتظر الحالمين بالهجرة والسفر، اتساقاً مع الدور التوعوي والتنويري المنوط بالسينما كوسيط جماهيري مهم يضطلع بتقديم المعالجات في ضوء ما يمكن أن تحققه الرؤية البصرية من النظر والتدقيق في الأبعاد الغائبة عن وعي بعض المواطنين، كي لا تلتبس لديهم المفاهيم ويروا معكوس الأشياء فيصبحون هم أنفسهم الضحايا في أول صدام لهم بالواقع الفعلي المعاش.

وجاء فيلم “الصعود إلى الهاوية” المُنتج عام 1978 للمخرج كمال الشيخ، محذراً من مغبة الانبهار بالشكل البراق للحياة في المجتمعات الأوروبية وإغواء المال والرفاهية، لأنها عادة ما تكون أدوات الاصطياد السهل للضحايا. وقد أعمل المخرج أسلوب التشويق والإثارة بتقديم المفاجآت الدرامية على مراحل وفق مقدمات مقنعة لوضع المشاهد موضع البطل وإشعاره بالرهبة والخوف في كل خطوة يخطوها نحو المجهول، وقد ساعد على إتقان الكتابة والتمكن من عمل الحبكة الفنية، واقعية الأحداث المأخوذة عن قصة حقيقية من ملفات المخابرات المصرية، لفتاة تُدعى مي سليم وجسدت دورها الفنانة الراحلة مديحة كامل بإسم مُحرف هو عبلة كامل، ومضت الأحداث في التصاعد لنكتشف الشرك الذي وقعت فيه البطلة بعد أن نجح الموساد الإسرائيلي في سلب إرادتها وتجنيدها بعد محاصرتها من كل الجهات.

ويأتي فيلم “بئر الخيانة” للمخرج علي عبد الخالق مكملاً لمشوار المخابرات المصرية في تتبع العناصر المنحرفة من الفارين من بلادهم والذين يفقدون إيمانهم بالقضية الوطنية جراء الطمع والبحث عن سُبل الثراء السريع، وهؤلاء من تتلقفهم أيادي الأعداء فيصيرون عبيداً لأوامرهم وطلباتهم غير القانونية ويعيشون أسرى في بلاد الغربة تقودهم قوة أكبر منهم فتسلبهم روحهم وهويتهم.

يقدم الفيلم نموذجاً سلبياً لشاب مستهتر يهرب من أداء الخدمة العسكرية في مصر ويسافر على متن باخرة بطريقة غير شرعية إلى إيطاليا فيقضي فيها شهوراً مُهملا لا قيمة له، إلا أنه يدخل الجحيم بقدميه حين يتم تجنيده للقيام بأعمال معادية للقانون، ولكن يتم رصده وتحديد موقعه، وهنا تبدأ الإشارة لخطورة الهجرة غير الشرعية فيستلزم الأمر مزيداً من التحذير فتتسع الدائرة الدرامية لتكشف عن مأساة الشاب الذي يقوده طموحه المرضي إلى التهلكة، غير عابئ بما ترفضه زوجته وما يضار منه ابنه الوحيد، كأنه يقايض على حياته كلها مقابل المال في صفقة يعقدها معه الشيطان وتكون نتيجتها الخيانة والانتحار، وهي نهاية حتمية جاءت كنتيجة للانهيار القيمي والأخلاقي وقبول الشاب الذي أدى دوره الفنان الراحل نور الشريف بالمقايضة على شرفه وسمعته بحفنة من الدولارات فكان له ما أراد وكان للقدر ما أراد أيضاً، إذ لم تنته الحكاية المؤلمة إلا بالموت كفراً للخائن المتورط مع من جندوه ووصموه فصار تاريخاً من العار ولعنة تطارده إلى الأبد.

وبنجاح هذه النوعية من الأفلام تواترت الموجات السينمائية المتشابهة والمختلفة، وبدأ الارتباط الشرطي بين مساوئ السفر والهجرة غير الرسمية وبين ما يتعرض إليه المهاجرون من مشكلات وكوارث في ظل الخوف والضياع والبحث المضني عن فرص عمل متدنية وغير لائقة لتحقيق الأحلام المفقود. وحتى لا تُتهم السينما بتضبيب الرؤية وتصدير الإحباط للشباب شذ عن القاعدة فيلم “النمر الأسود” المُنتج عام 1984 للمخرج عاطف سالم، فقدم نموذجاً مضيئاً لحالة نجاح صارخة تمثلت في قصة واقعية لمسيرة شاب مصري سافر إلى ألمانيا عبر بوابة رسمية وحقق نجاحات غير مسبوقة في مجال تخصصه كعامل خراطة وفي مجال هوايته الرياضية كملاكم، ولكن يظل الفارق في كيفية السفر، بين الطُرق المشروعة وغير المشروعة هو الفيصل بين التجارب والنتائج، وهو فارق جوهري لا يُستهان به تتحدد بموجبه خطوات النجاح أو الفشل لدى كل إنسان وكل تجربة.

وفي عام 1993 قدم المخرج خيري بشارة فيلمه الأكثر تميزاً في هذا الصدد “أمريكا شيكا بيكا” مع السيناريست مدحت العدل مؤكداً على ضرورة التخلي عن الحُلم الأمريكي الذي يداعب أخيلة البعض، وقد دلل كل من العدل وبشارة على بطلان هذا الزعم بدخول الأبطال محمد فؤاد ونهلة سلامة ومحمد لطفي وعماد رشاد وشويكار وأحمد عقل والشحات مبروك، التجربة العملية للسفر عبر الحدود الرومانية للوصول إلى أمريكا فذاقوا الأهوال ما بين الجوع والعطش والمرض، انتهاءً   بالموت، حيث فقدوا زميلهم في الرحلة الشاقة أحمد عقل ودفنوه في مقابر المجهولين والمغتربين، غير أنهم تعرضوا لكافة أنواع التنكيل من متعهد الرحلة سامي العدل، وفي النهاية لم يجدوا بُدا من العودة لمصر بعد أن ضاقت بهم السُبل ونفدت كل مدخراتهم.

معالجات كوميدية

ولأن شر البلية ما يُضحك كما يقول المثل الشعبي الدارج فقد تحولت مأساة الهجرة غير الشرعية إلى مدعاة إلى السخرية، لا سيما أن بطل الفيلم هو الفنان الكوميدي محمد هنيدي، ولهذا سوف نلحظ معالجة جد مختلفة للقضية التي نحن بصددها. الفيلم هو “همام في أمستردام” إنتاج عام 1999 للمخرج سعيد حامد الذي اقترب من مشكلة هي الأخطر من نوعها فخلق بذلك عدة مفارقات ما بين الواقع الفعلي للأبطال البائسين العائشين على هامش المجتمع الهولندي، وما بين واقعهم المصنوع المزين بخفة ظلهم وأرواحهم التواقة للحياة والمرح والسمر والسهر، وهي حيل اختلقوها ليتغلبوا بها على أزماتهم وقساوة الحياة التي يعيشونها قسراً بين الأمل والرجاء، عساهم يجدون فرصة للانتقال لحياة أفضل أقل بؤساً وأكثر استقراراً.

ويعدد المخرج أزمات المصريين المغتربين بإضافة محور آخر تكشف عنه الأحداث وهو الفارق الطبقي والثقافي الذي يواجه الشباب في المجتمعات الأوروبية، ويشكل عبئاً في مسألة التعايش السلمي والقدرة على التكيف.

ويحقق المخرج المعادلة الصعبة عبر الأسلوب الكوميدي الذي يتميز به البطل محمد هنيدي أداءً وتمثيلاً، فتنجح المحاولة ويبقى الأثر الإيجابي للفيلم هو الأقوى فيما يخص المعالجة الكلية للحالة المزمنة المتصلة بملف السفر والهجرة وما ينتج عنهما.

وتمتد الحالة الكوميدية فترسم أشكالاً متباينة من صور الطرح الفعال للسينما المصرية في إطار ما تعتني بتقديمه من دلالات وبيانات الأهمية القصوى بالموضوع ذاته، فنرى نجماً كبيراً كعادل إمام،  يُسهم لاستكمال الحالة الخاصة بمحنة المهاجرين غير المؤهلين فيستحدث صورة كاريكاتورية يقدمها في تجربتين فارقتين، الأولى في عام 1983 مع المخرج أحمد السبعاوي بعنوان “عنتر شايل سيفه” ويجسد من خلالها شخصية فلاح يترك بلده وأرضه ويستسلم لغواية السفر طمعاً في حياة أفضل، وبالتجربة العملية يتبين أنه خُدع واشترى الوهم بعد أن يجد نفسه مطارداً من البوليس الإيطالي لأنه يفتقد للإقامة الرسمية والشرعية ومحاصراً بالنصابين الذين يقع في براثنهم، فيورطونه في عمل أفلام منافية للآداب مستغلين سذاجته واحتياجه الشديد للمال، وتكشف الأحداث عن عصابة تخصصت في صناعة السينما الإباحية للمتاجرة بها وترويجها، فتكون الصدمة التي تصحح مسار البطل نسبياً بعد عودته لأهله وأرضه وذويه.

وبعد مرور سبعة عشر عاماً يعود عادل إمام ليكرر التجربة بكثير من الاختلاف مع الكاتب الراحل لينين الرملي والمخرج نادر جلال، في فيلم “هاللو أمريكا” بتناول ساخر لمعضلة السفر والهجرة والخيالات المرسومة في عقل البطل الذي يهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بإرثه الثقافي التقليدي وطبيعته الريفية فيدخل في مدارات وتجارب أكبر من وعيه وخبرته فتصدر عنه بعض التصرفات والسلوكيات التي تُستثمر كحالة كوميدية مثيرة للسخرية والتهكم.

تناول مختلف

ويمتد تيار الإبداع السينمائي ليشمل تجارب أخرى تتناول الظاهرة تناولاً مغايراً من حيث الشكل وأسلوب المعالجة كما في فيلم “المدينة” للمخرج يسري نصر الله الذي قدم الوجه الجديد باسم سمره لأول مرة كأحد ضحايا الهجرة غير الشرعية. إذ ركز على النتيجة المترتبة على الفكرة الهدامة طارحاً هزيمة البطل وانكساره في مجاهل الغربة بعد أن صار عاجزاً عن تحقيق حُلمه الخيالي بالبقاء في بلاد الغرب، وهي التي رآها عن بُعد جنة الفردوس، بينما صدمته الحقيقة حين ضاقت به مدينة النور باريس ولفظته فصار متسكعاً في شوارعها يتسول فلم يجد سوى أيدي الشرطة تقبض عليه لتسلمه إلى السفارة فيتنفس الصعداء عندما تهبط الطائرة بمطار القاهرة فترتد إليه روحه ويشعر بالأمان.

ويعد الفيلم تجسيداً حياً لتفاعلات سيكولوجية داخلية تختص وهو مستوى فارق في التجسيد والرؤية والطرح يغني عن أي تفسير أو تحليل للمضامين والخلفيات التي دفعت بالبطل ليخوض غمار التجربة الفاشلة ويعيش وحده في تفاصيلها كأنه مسجون في صمته وكآبته ووحدته، معقود اللسان عاجزاً عن البلاغ والتواصل.

وبشكل أكثر مباشرة تأتي المعالجة واضحة في فيلم “تائه في أمريكا” للمخرج رامي جرجس الذي يصوب نحو الفكرة بلا مقدمات فيعرض لحياة شاب تراوده أحلام الهجرة وحين يصل لغايته ويصبح داخل الولايات المتحدة الأمريكية تداهمه سيارة مُسرعة فتصدمه ويفقد على أثر الصدمة الذاكرة، ومن ثم يعيش بلا هوية أو تاريخ، وفي هذه الأثناء يصادفه الحب الذي يعيش من خلاله فصولا جديدة من قصص منبتة الصلة بماضيه. هذا الدور لعبه محمد لطفي أمام حلا شيحا في واحد من أفلامه الأولى عام 2002 وقد تقاسم فيه البطولة مع خالد النبوي، إذ قدما سوياً تجربة الحياة في أمريكا من منظور واقعي بعيداً عن الصورة اللامعة للحياة المتخيلة. بيد أن ما ترجمته الأحداث في الفيلم الواقعي إلى حد بعيد، كان منافياً لما يُروى وما يُصدر وما يُحكى عنه بانبهار هو أقرب إلى الخداع والكذب منه إلى الحقيقة.

ولعل فيلم “عسل أسود” لأحمد حلمي كان الأكثر قرباً من ذائقة الجمهور، كونه طرح قضية الهجرة بكل أبعادها واعتمد على الكوميديا كإطار ساخر لتمرير أوجه النقد المباح للمجتمع المصري والحكومات فيما يخص معايير التعامل مع العنصر الأجنبي بما يشير إلى وجود تمييز لصالح الأجنبي يُسبب اختلالا في المعادلة الإنسانية والمجتمعية، فيدفع بالبعض إلى طلب الهجرة، وهي معطيات قدمها المؤلف خالد دياب واعتمدها المخرج خالد مرعي لتكون نواة للبناء الدرامي في النصف الأول من الفيلم الذي أنتج عام 2010 قبل أن يتبلور المحتوى الكلي للأحداث فيكشف عن المقابلة الأخرى للمزايا الكثيرة الموجودة في المجتمع المصري والمُفتقدة في المجتمع الأمريكي كالتكافل والود والبساطة وغيرها من المظاهر الدالة على التميز الاجتماعي المصري، والذي يجُب ما قبله من أوجه القصور في النواحي الأخرى.

وفي عام 2018 قدم المخرج خالد دياب تجربته مُفصلة على مقاس الهجرة ودواعيها وملابساتها من خلال فيلم “طلق صناعي” الذي يناقش في قالب شديد السخرية النزوع للهجرة والتحايل الأرعن للحصول على تأشيرة السفر بإدعاء الاضطهاد ومصادرة الحريات الشخصية، وتقديم الأدلة المفبركة لإثبات الحالة، فيما تكشف السفارة الأجنبية ذاتها عن كذب الإدعاءات والأسباب الملفقة فترفض منح أية تأشيرات للمدعين بغير الحقيقة، فتُفشل كل مخططات الحصول الإجباري على تأشيرة الهجرة عن طريق الضغط السياسي، وتتعامل مع غالبية المواطنين الطامحين في السفر على أنهم محض مجانين أو انتهازيين أو إرهابيين يستهدفون الحصول على امتيازات السفر والهجرة  تحت تهديد السلاح!

وقد تبنى المخرج في فيلم “طلق صناعي” أساليب تعبيرية جديدة في الوصول لذروة الفكرة الرئيسية وماهيتها وطرق تفعيلها، حيث استخدم العنصر النسائي بذكاء في التوظيف الدرامي والإقناع المنطقي بواقعية الحدث.

وتبقى الإشارة الأخيرة لفيلمين ناقشا قضية الهجرة بشكل موضوعي في وقت مبكر نسبياً ودقا ناقوس الخطر للتنبيه والتحذير، وهما “عودة مواطن” للنجم يحي الفخراني، تم عرضه قبل ثلاثين عاماً تقريباً و”دماء على الأسفلت” لنور الشريف وهو واحد من تجارب الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الاستثنائية في الكتابة السينمائية المختلفة والراصدة لجل القضايا المهمة والخطيرة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية