موت الخيار الايراني

حجم الخط
0

الآن بعد موت ‘الخيار الايراني’، يجب على رئيس الوزراء أن يبدأ صوغ تصور استراتيجي جديد. إن بنيامين نتنياهو يدرك، وإن لم يعترف بذلك، أن خيار الهجوم على ايران قد تلاشى. وهو لكونه انسانا ذكيا يدرك ايضا أنه زادت احتمالات أن تتسلح ايران آخر الامر بسلاح نووي. فعليه لذلك أن يترك سياسة التخويف وخطابة المحرقة وأن يعرض على مواطني الدولة رؤيا مختلفة. فعلى رئيس الوزراء أن يُبين لهم أن السلاح الذري في ايران لا ينذر بنهاية الحلم الصهيوني ولا يجب أن يسارعوا ويفروا من اسرائيل حينما يتبين أن ايران تملك قنابل نووية. وفي مقابل ذلك يجب على نتنياهو أن يبدأ صوغ خطوط السياسة التي يجب على اسرائيل أن تتبناها في مواجهة ايران النووية.
يحسن في الطريق الى هناك أن يتعلم نتنياهو من تجربة الامريكيين الذين احتاروا في قضية مشابهة في ستينيات القرن الماضي. فقد أدار جون كنيدي حملته الانتخابية للرئاسة في ظل التهديد النووي السوفييتي. وقد وعد ناخبيه بأن يهتم بعد دخوله الى البيت الابيض ببناء ملاجيء نووية للسكان جميعا وبأن يتعجل تطوير منظومات دفاعية لمواجهة الصواريخ النووية. ولم تكد تمر بضعة اشهر حتى أدرك كنيدي أن ليست هذه هي الطريقة، فالدولة لا تستطيع أن تتحمل كلفة بناء ملاجيء لمواطني الولايات المتحدة جميعا، وأن هذه لن تكون نافعة أصلا في حال هجوم مباغت نووي. وتخلى وريثه لندون جونسون عن تطوير المنظومة الدفاعية لمواجهة الصواريخ السوفييتية بعد أن أقنعه وزير الدفاع روبرت مكنمارا بأنه لن تُجدي في مواجهة الصواريخ النووية حتى أنجع المنظومات الدفاعية وذلك لأنه لا يوجد أي دفاع مُحكم، ويكفي عدد قليل من الصواريخ تخترقه كي تكون كلفة اصابتها غير محتملة، وكانت النتيجة صوغ سياسة جديدة تقوم على الردع المتبادل.
يبدو أن كل المباديء والتقديرات التي قامت عليها السياسة التي صاغتها الادارة الامريكية قبل خمسة عقود قائمة في الحالة الاسرائيلية الايرانية في الألفية الثالثة. فمنذ اللحظة التي تبين فيها أن خيار الهجوم على ايران لم يعد موجودا وحينما أصبح واضحا أنه لا يمكن التحكم بسعة الحرب النووية وتحديدها وأنه اذا نشبت حرب نووية فستصبح حربا شاملة، ولهذا لن يوجد فيها منتصرون، فان ما بقي هو الردع، وهو الذي سيمنع استعمال الذرة أو حتى التفكير في استعمالها.
كان العنصر المركزي في تصور الردع المتبادل هو التخلي عن المنظومات الدفاعية. ومعنى هذا التخلي هو تبني قواعد تفكير تناقض غريزة حماية النفس الأساسية جدا في الانسان، وهكذا رؤيا زعم مكنمارا أنه يجب على الولايات المتحدة أن تُعرض نفسها لابادة محققة مطلقة برغم أنها تملك تقنية تُمكّن من تطوير ونصب منظومات دفاعية تعترض الصواريخ السوفييتية. ولقي هذا التصور كما كان متوقعا المعارضة الشديدة من قادة الجيش ومن كبار مسؤولي الصناعات الامنية، ومرت بضع سنين الى أن اقتنعوا بصدق مكنمارا.
لا يوجد عندنا مكنمارا ولا يوجد من يحث الحكومة ورئيسها على التباحث في صوغ السياسة التي يجب على اسرائيل أن تتبناها اذا فشلت الجهود لوقف البرنامج النووي الايراني. وهذا هو السبب الذي يجعلنا ننفق مليارات على تطوير منظومات دفاعية مثل منظومة حيتس التي ستكف للأسف الشديد عن أن تكون نافعة حينما يصبح تهديدنا نوويا لأنه من الواضح أنه حتى حيتس 3 مهما يكن ناجعا فلن يستطيع أن يعطي دفاعا مُحكما للصواريخ الايرانية وإن كلفة اصابة صاروخ نووي واحد أو اثنين لغوش دان ستكون غير محتملة. فيجب على نتنياهو أن يُسلم ب وأن يكف عن تخويفنا وأن ‘يبدل القرص’ ببساطة.

هآرتس 8/1/2014

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية