فلسطينيًّا، لم أعد أذكر متى مات الناطق الرّسمي بالتحديد، أو متى مات الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، أو السلطة، أو وزير الإعلام، أو متى مات كل هؤلاء مع الناطقين بأسمائهم.
لم يعد هناك ضرورة لظهورهم منذ زمن طويل (وإن ظهروا)، منذ أن أدرك البشر أن لا ضرورة للاستماع إليهم، ولعلهم أدركوا ذلك أيضًا، أقول لعلهم، وأتخيل من بقي منهم على قيد قليل من الوعي، يسأل، حين يُطلب منه أن ينطق: وما الذي يمكن أن أقوله للناس في لحظة كهذه؟!
مات الناطق الرّسمي، ولكن.. لا الجنازة يستحقها ولا القبر أيضًا، ولا شاهدة تشير إلى أنه مرّ من هنا. مات وشبع موتًا، وإن كان بين لحظة وأخرى يصحو ليقول شيئًا لا معنى له، ولا ضرورة، قبل أن يعود ثانية إلى هلام العدم.
مات.. مات منذ زمن طويل.
بل لعله كان ميتًا دائمًا؛ إذ لم يسبق لنا أن رأينا إنسانًا يعيد نشر كلام ناطق رسميّ ظهر في مقطع من فيلم أو قصاصة من جريدة، على أي صفحة من ملايين الصفحات المنتشرة في الفضاء الافتراضي.
لم يمت الناطق الرسمي لأن هناك من أطلق النار عليه، أو سجنه، مات لأنه ظلّ ينعم بالحرية أكثر من الجميع، أكثر من الشهداء والأسرى والجرحى والأخوات والأمهات والبنات والأبناء الذين ولِدوا محاصرين وعاشوا محاصرين.
مات الناطق الرسمي الذي يحتل مقدمات نشرات الأخبار بتصريحاته الباردة، شاجبًا مستنكرًا، وينتظر الناس انتهاء وصلة صراخه وهم يتثاءبون، في انتظار الناطق الرسمي الحقيقي باسمهم. ذلك الذي يقاتل في «الشيخ جرّاح» قطعان المستوطنين وقوات الفاشية الصهيونية، مثل منى ومحمد الكرد، وأولئك الذين يحرسون «باب العامود» بوهج هتافاتهم وبلاغة ابتساماتهم، وتلك المرأة العجوز في ساحة الحرم التي تصرخ في الجنود «انكلعوا- انقلعوا-انصرفوا» أو الطفلة الصغيرة التي تلوح بالعلم الفلسطيني على مسافة صفر من الجنود وتقلع بمرآه أعينهم.
مات الناطق الرسمي، منذ زمن، حينما كانت الطفلة عهد التميمي والطفلة جنى التميمي تُطلان منذ سنوات عبر نشرات الأخبار مباشرة وتتحدثان باسم فلسطين كما لم ينطق باسمها أحد.
مات الناطق الرسمي بجهله وبرودته الوطنية وتهاونه أمام العدو وغلظة قلبه.
يا إلهي كم هم غلاظ القلوب أولئك الذين يطلون علينا من الشاشات شاتمين الجميع، مقدِّمين دروسًا في البلطجة، وانعدام الحسّ، والقدرة على المزاودة وشتم الجميع، حتى المذيعة والمذيع، لأن أحدهم سأل سؤالًا عن عنوان إقامتهم في سيرة شعبهم التحرريّة، أو حتى عن موقفهم من أي شيء، أي شيء.
مات الناطق الرسمي-الجنرال، الزاحف لتفريق مظاهرة لم يستطع الصهاينة تفريقها، واعتقال شابة أو شاب، لأن الصهاينة لم يستطيعوا اعتقاله، المُغمض عينيه، المُغلق أذنيه حتى انتهاء عملية تصفية أو اعتقال هذه البنت أو هذا الشاب المقاوم في «مناطق نفوذه»!
مات الناطق الرسمي لأنه لا ُيتقن الدفاع عن أرضه وعن شعبه بالقدر الذي يستطيع فيه الدفاع بشجاعة منقطة النظير عن قيادته، إنه على يقين من أنه لن يكون شهيدًا إلا إذا مات من أجل أوسلو، دفاعًا عنه، ودفاعًا عن القيود المحكمة حول معاصم وأرجل الأسرى، «وجماليات» التنسيق الأمني التي تمنحه الحرية الكاملة لأن يصول ويجول ويتحدث باسم شعب لا يحب صوته ولا نبرته ولا عنجهيته، العنجهية التي توحي بأنه أعاد حيفا والجليل، ولكن كل ما حصل عليه هو جحود العائدين والمحرَّرين، وجحود أمهات الشهداء اللواتي خلعن ثياب السواد في يوم التحرير الذي كان هو وأمثاله أبطاله!
مات الناطق الرسمي لأنه غير مستعد لأن يسمع نفسه، إن كان يطيق سماع نفسه، مات وهو يصرّ على بقاء الأسير أسيرًا والمحاصر محاصرًا، ومشكّكًا في الطريق الذي يسلكه الشهداء في طريقهم إلى الجنة.
مات الناطق الرسمي، لأن كل من ينبض قلبه بالحرية وإرادة القتال من هذا الشعب نحّاه جانبًا، وتقدم لمنصة الضمير والشرف، في حين اكتفى هو بتلك المنصة التي يثرثر خلفها، المنصّة التي لا تشبه شيئًا مثلما تشبه التوابيت الواقفة المتطلعة لمن أمامها وخلفها من بشر بكل ما في الموت من شهوة لابتلاع الحياة.
مات الناطق الرسمي ولم ينتبه بعد أنه مات وشبع موتًا.
مات ومات من ينطق باسمهم، حين نزلت الشابات والشباب إلى الشوارع، تاركين وصاياهم في أمكنة واضحة يستطيع الأهل أن يصلوا إليها بسهوله، وصاياهم التي يطالبون فيها بأن لا تُرفع أعلام التنظيمات في جنازاتهم، لأنهم لا ينتمون إلى أي منها.
مات حينما قرر الحيُّ في طريقه إلى شهادته أن يُنزّه روحه عن كل ما خلفه من خراب؛ بأن يكون دمه هو الناطق الرسمي باسمه، وجراحه هي منصته، وبلاغة استشهاده هي تنظيمه.
يا للهول، كل هذه الإشارات ولم يفهم الناطق الرسمي، ومن ينطق باسمهم، شيئًا.
كان لا بد من هبة الشعب الفلسطيني كله، ولم يفهم!
لم يفهم ما قاله هذا الشعب: «لا ناطق رسميًّا لنا غير نداء حريتنا. لا ناطق رسميًّا لنا غير أرواحنا، صوتنا وهو يعلو ودمنا وهو ينزف، وشاباتنا وشبابنا الذين يدافعون عن بيوتهم ومدنهم وكرامة شعبهم وتاريخه».
مات الناطق الرسمي لأنه لا يعرف أن كلمة واحدة تقولها عجوز في ساحة الحرَم أبلغ من معنى وجوده، ولم يدرك أن (أصابع) الشباب المقدسيين المصوّبة لوجوه جنود الاحتلال الملتصقين بالحائط، أعلى من قامته. ولهذا يتناقل البشر في كل مكان على هذه الأرض ما قالته العجوز، وما قالته منى وجنى ومحمد وأبونا جوليو، وتتزيّن بهم شاشات التلفزيون والكمبيوتر والهواتف المحمولة.
مات الناطق الرّسمي، حين لم يعد ثمة سبب لظهوره على التلفزيون إلا لمنح الناس فرصة لأن يشتموه أكثر.
مات الناطق الرسمي، ومات كل ناطق رسمي، لم يعد يعرف الطريق الذي يؤدي إلى فلسطين الحرّة.
مات الناطق الرسمي، وتكلّم الشعب الفلسطيني من نهره إلى بحره، ومعه كل الحرّات والأحرار على وجه هذه المعمورة.
صواريخ المقاومة الفلسطينية أصبحت الناطق الرسمي الحقيقي للفلسطينيين!
العدو الصهيوني يحترم هذا الناطق المدوي في السماء!! ولا حول ولا قوة الا بالله
السيد نصر الله ..الشارع ما عاد بحاجة إلى ناطق رسمي ولاتصريح رسمي..ولاجامع ولاجامعة عربية..العرس الذي قام به الشباب بالعالم عن طريق منصات التواصل الاجتماعي..عرس مكمل للربيع العربي. لقد هزمت الصهاينة بصواريخ ابو عبيدة رغم الخسائر بالارواح..وهزم الاعلام الصهيوني بصواريخ الشباب الاعلامية دفاعا عن الشيخ جراح والقضية الفلسطينية .
الزمن تغيير ولم يعد يطلي على الشباب البيانات البراقة وأبو زامن وأبو جدوع الابطال .
أنه زمن الصحوة.