عماد استيتو
الرباط – «القدس العربي»: ما الذي يمكنه أن يجمع ماركسيا وسلفيا في المغرب؟ وحده الموت داخل السجون، إذ فجرت وفاة معتقلين في أقل من عشرة أيام جدلا سياسيا وحقوقيا واسعا، ألقى بظلاله على المشهد المغربي في الأيام القليلة الماضية، خصوصا أن حالتي المعتقلين الأثنين تتطابقان إلى حد كبير، بحيث أنهما لفظا معا أنفاسهما الأخيرة داخل المستشفى بعد تدهور حالتهما الصحية. وتواجه المندوبية العامة لإدارة السجون اتهامات حادة من الأوساط الحقوقية المغـــربــــية بالإهمـــال المتعمد لكلتا الحالتين وبعدم بذل أي مجهود لإنقاذ المعتقلين اليساري مصطفى المزياني و السلفي نبيل الجناتي. وأعادت حالة وفاة المعتقلين النقــــاش مجددا حول سوء المعاملة في السجن التي يتعرض لها المعتقلون خصوصا أولئك المعتقلون في ملفات سياسية أو في قضايا إرهاب.
ووحد الموت بين اليساريين والإسلاميين الذين صبوا جام غضبهم على تجاهل الجهات المعنية لكافة النداءات والمناشدات التي أطلقتها جهات حقوقية وعائلات الراحلين قبل أيام من مفارقة المعتقلين للحياة، وسجلت جهات حقوقية في ذات السياق انعدام ثقافة الحوار لدى الدولة المغربية في معالجتها للقضايا المتعلقة في الأوضاع داخل السجون، واستمرارها في تجاهل عدد من الحالات الإنسانية لمعتقلين داخل السجون المغربية يواجهون الموت إما بسبب الإضراب عن الطعام احتجاجا على إساءة معاملتهم وحرمانهم من حقوقهم داخل السجن، أو بسبب الإهمال الطبي للوضع الخاص لبعض المعتقلين الذين يعانون من عدد من الأمراض التي تتطلب عناية خاصة.
وخلفت حالة وفاة مصطفى المزياني الطالب الماركسي الذي خاض إضرابا مطولا عن الطعام في مدينة فاس بسبب طرده من الجامعة، سخطا عارما في الوسط الحقوقي بمختلف تلاوينه، ذلك أن الجهات الرسمية لم تتدخل لمحاورة الطالب أو إقناعه بتعليق إضرابه عن الطعام رغم تناول حالته على نطاق واسع في الصحف المغربية لعدة أيام دون أي جدوى فضلا عن تواجده في الإنعاش لعدة أيام. وكانت التقارير الحقوقية قد تناسلت عن إساءة معاملة مصطفى المزياني بعد نقله من السجن إلى المستشفى وهو مصفد اليدين، واتهمت جمعيات حقوقية عديدة من بينها «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» و»الرابطة المغربية لحقوق الإنسان» الدولة بتبخيس الحق في الحياة الذي ينص عليه الفصل 20 من الدستور المغربي والمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان والتي وقع عليها المغرب.
كانت صورة ما قبل موت المزياني مؤثرة جدا، عاش الرجل أياما بدون بصر وسمع قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. في الحقيقة كانت الصورة تختزل الكثير من قصة طالب مؤمن بـ «العقيدة الماركسية» اعتقل على خلفية مواجهات دموية مع الفصيل الطلابي التابع لحزب رئيس الحكومة قبل أشهر، وهي مواجهات أودت بحياة طالب إسلامي. كان المزياني يلتحف شبه سرير بارد وبجانبه رواية «الأم» لمكسيم غوركي» وقنينتا مياه، ترك المزياني يصارع الموت وحيدا دون أن يتدخل أحد لإنقاذه، وانتظرت المندوبية العامة لإدارة السجون في المغرب وفاته لتصدر بيانا تقول فيه إنه قد جرى قبول طلبه بإعادة تسجيله في الجامعة .
هل استحق المزياني الموت؟ هل افتقد الرغبة في الحياة؟ أم أنها العقيدة الماركسية قتلته؟ وزير العدل المغربي مصطفى الرميد الذي لطالما دافع عن معتقلين مضربين عن الطعام في السابق أجاب عن هذا السؤال بالقول إنه كان على الطالب أن يسلك سلوكا احتجاجيا آخر واصفا هذا السلوك بأنه «داعشي». فيما علق عضو في المنظمة الطلابية لـ «حزب العدالة والتنمية» بأن العدالة الإلهية قد تحققت للراحل عبد الرحيم الحسناوي زميله في الفصيل الطلابي الإسلامي الذي كان المزياني يتابع إلى جانب 11 معتقلا آخر بتهمة المشاركة في قتله قبل أشهر بجامعة فاس.
ولم تكد تمر أيام قليلة على وفاة الطالب اليساري، حتى أعلنت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين عن وفاة المعتقل السلفي نبيل الجناتي في المستشفى في مدينة الرباط، وذلك بعد صراعه مع المرض لمدة تتجاوز الشهرين. وعزت اللجنة سبب الوفاة إلى الإهمال الطبي لحالة نبيل الذي كان يعاني من مرض عقلي وتم وضعه رغم ذلك وسط سجناء الحق العام ما تسبب في تدهور حالته الصحية. بينما تحدثت مصادر أخرى إلى خوضه إضرابا غير معلن عن الطعام. واعتقل جناتي في ملف ما عرف بخلية «أنصار الشريعة». وأصدرت محكمة مدينة سلا المكلفة بقضايا الإرهاب حكما يقضي بسجنه لمدة خمس سنوات بتهم تكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية.
وأعادت الحالتان ملفات الإضراب عن الطعام والاعتقال في السجون المغربية إلى الواجهة من جديد، وسبق للائتلاف المغربي لحقوق الإنسان أن وجه رسالة إلى المندوب العام لإدارة السجون محمد صالح التامك، يدعوه فيها إلى زيارة السجناء المضربين عن الطعام، للوقوف على الأوضاع التي يعيشونها داخل السجن. وكان لافتا أن مندوبية السجون قد حرصت على نشر بيانات سريعة ساعات فقط بعد إعلان الوفاتين تخلي من خلالها مسؤوليتها، كما كان المندوب العام لإدارة السجون قد أكد في رسالة له فتح تحقيق في حالة المزياني وفي حالات أخرى مشابهة ردا على رسالة ينتقد فيها الحقوقي أحمد راكز إساءة معاملة عدد من المعتقلين في السجون المغربية ويدعو فيها صديقه القديم في السجن إلى مأسسة مراقبة السجون.
ولا توجد أرقام محددة عن عدد المعتقلين المضربين عن الطعام، إلا أن مصادر حقوقية تؤكد أن حالات الإضراب عن الطعام قد أصبحت في تزايد كبير خصوصا أن المعتقلين يشتكون من سوء المعاملة الذي يصل إلى حد التعذيب في بعض الأحيان. ويسجل فصيل «البرنامج المرحلي» الماركسي الراديكالي إلى جانب المعتقلين السلفيين أكبر نسب الإضرابات عن الطعام وأطولها، وحددت نفس المصادر الحقوقية انتماءات المعتقلين في الفئات التالية: معتقلي حركة 20 فبراير، معتقلي الحركة الطلابية، المعتقلين الإسلاميين، المعتقلين الصحراويين، معتقلي حركة المعطلين.