غزة– القدس– “القدس العربي”: تدفع جماعات المستوطنين المتطرفة الأوضاع في مدينة القدس المحتلة نحو مربع التصعيد، مع دعواتها العنصرية الجديدة لتنفيذ هجمات جديدة ضد المسجد الأقصى، حيث تحشد لأكبر اقتحام تاريخي للمسجد، يتخلله النفخ بالبوق. وردا على هذه المخططات دعت هيئات مقدسية ورجال دين إلى توسيع حملة الدفاع عن المسجد، وأطلقوا حملة “خذ يوم إجازة ورابط”، للتصدي لتلك المخططات.
وتستمر منظمات “الهيكل” المزعوم في هذه الأوقات، بتحشيد أنصارها من المستوطنين المتطرفين، للمشاركة في الاقتحام الكبير للأقصى في نهايات الشهر الجاري، وتحديدا أيام 26 و27 من هذا الشهر، الذي يصادف الاحتفال بأعياد “رأس السنة العبرية”، وقد أعلنت منظمة متطرفة تطلق على نفسها اسم “جبل الهيكل في أيدينا”، عن توفير مواصلات للمستوطنين، تغطي كل المناطق، من أجل ضمان أكبر عدد من المشاركة في هذه الاقتحام، والمتوقع أن يكون على غرار مسيرة الأعلام التي نفذت في شهر مايو الماضي.
وإلى جانب هذه الدعوات نشطت منظمات استيطانية أخرى في دعوة أفرادها، وأعلنت أنها ستقوم خلال تلك الاقتحامات بأداء “طقوس تلمودية” في داخل باحات الأقصى، من أبرزها “النفخ في البوق”، وكذلك أداء بعض الرقصات الخاصة، في إطار مخططات تهويد المسجد.
وبشكل رسمي تقدمت إحدى المنظمات الاستيطانية لمحكمة إسرائيلية من أجل السماح لها بنفخ البوق داخل المسجد الأقصى المبارك خلال رأس السنة العبرية، كما طالبوا بإلغاء أو تقليص الحظر المفروض على إدخال “الأشياء اليهودية المقدسة” إلى الأقصى، والسماح بأداء بعض الطقوس التلمودية الممنوعة، إلى جانب النفح بالبوق، خاصة مع اقتراب “رأس السنة”، بدعوى أنها تستند إلى قرارات سابقة لمحكمة الاحتلال صدرت في عامي 2015 و2018 تنص على أن النفخ بالبوق عمل “غير مستفز” لمشاعر المسلمين.
وكان الحاخام المتطرف يهودا غليك، قام بالنفخ بالبوق خلال اقتحامه مع مجموعات من المستوطنين للمسجد نهاية الأسبوع الماضي، وتعمد نشر الصور الخاصة بهم على المواقع الإسرائيلية، إضافة إلى قيام تلك المجموعات بالرقص والغناء بصوت مرتفع وأداء “طقوس تلمودية” في باحات المسجد.
ويجري ذلك في وقت أعلن فيه عن دعوات أخرى لاقتحام الأقصى، في ذكرى “عيد الغفران” العبري، والذي يصادف يوم الخامس من الشهر القادم، حيث يسعى المستوطنون فيه كل عام إلى ذبح القرابين في باحات الأقصى.
وبالعادة يقوم المستوطنون في هذا العيد، بالنفخ في البوق والرقص في أحد الكنس التي أقيمت في منطقة الرواق الغربي للأقصى بعد أذان المغرب مباشرة، ويتوقع أن يكون هناك اقتحام كبير للأقصى من قبل الجماعات الاستيطانية في يوم السادس من أكتوبر القادم.
ولن يكون المسجد الأقصى قد هدأ من هذه الموجات الاستيطانية العاتية، حتى يحل “عيد العرش”، والذي يستمر من العاشر من أكتوبر حتى يوم 17 من ذات الشهر، حيث يحرص المستوطنون خلاله على إدخال “القرابين النباتية”، خلال عمليات اقتحام المسجد الأقصى، وهي أغصان الصفصاف وسعف النخيل وثمار الحمضيات وغيرها.
ومن شأن هذه الفعاليات الاستيطانية الخطيرة أن تؤجج الوضع الميداني ليس في القدس المحتلة وحدها، بل في عموم المناطق الفلسطينية، حيث سبق أن حذرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من إمكانية اشتعال الوضع الميداني خلال فترة الأعياد اليهودية.
إلى ذلك أكد عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” هارون ناصر الدين أنّ “ثوار الشعب الفلسطيني” في الضفة الغربية، وفي القلب منها القدس المحتلة، مستعدون للدفاع عن القدس والأقصى بأغلى ما يملكون، وشدد مسؤول ملف القدس في حركة “حماس” على أن العدوان الجديد المرتقب على المسجد الأقصى “سيشعل المواجهة مع الاحتلال”، وقال منذرا: “شعبنا في كل المواقع جاهز للدفاع عن القدس والأقصى”، داعيا في ذات الوقت إلى تصعيد حالة الاشتباك مع جنود الاحتلال والمستوطنين في كل المحاور.
وقال في تصريح صحفي: “إن القدس والأقصى أيقونة النضال الفلسطيني، وفتيل الاشتعال لكل جولات الصراع مع المحتل، وتصاعد حالة الاشتباك اليوم وتوسعها لمختلف المناطق مرتبط أساسا بعدوان الاحتلال على الأقصى”، محملا الاحتلال كامل المسؤولية عن تصرفات المتطرفين وعن ردود الفعل عليها.
وأكد أيضا على أن الأقصى بمساحته البالغة 144 دونمًا “حقٌّ خالصٌ للمسلمين وحدهم، لا يقبل القسمة ولا الشراكة”، لافتا إلى أن الاحتلال يتجهّز أواخر الشهر الحالي، وبشكل مدروس وغير عفوي، وبغطاء من حكومته المتطرفة، وحماية من جيش الاحتلال، للعدوان على المسجد الأقصى من خلال الاحتفالات، واصفا ما تتعرض له مدينة القدس بـ “الحرب الحقيقية” وقال: “الجرائم النكراء تمسّ أطهر البقاع وأقدسها، وتمثل استفزازًا مباشرًا لمشاعر المسلمين في أنحاء العالم”، لافتا إلى أنها تكشف بوضوح خطط الاحتلال الخبيثة ونواياه لتحويل المسجد الأقصى المبارك إلى “مرتع للمستوطنين المجرمين ومزارٍ مستباحٍ للسّياح والسَّاقطين”.
وطالب القيادي في حركة “حماس” الأردن برفع الصوت عاليًا ضد جرائم الاحتلال في الأقصى، وعدم السماح بتقويض دورها في الوصاية على المسجد.
وقالت مؤسسة القدس الدولية، في تعقيبها على المخططات الإسرائيلية، “تشكل الأعياد اليهودية وبالًا على المسجد الأقصى، لما تشهده من زيادة بالاقتحامات والاعتداءات الإسرائيلية، التي تكون أشد عنفًا وانتهاكًا لحرمته وقدسيته، وتدنيسًا لساحاته”.
من جهته دعا الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى، في تصريح صحفي، خطباء وعلماء الأمة الإسلامية، إلى متابعة ما يحصل في المسجد الأقصى، محذرا في ذات الوقت من خطورة الوضع، وشدد على أنّ دعوة شد الرحال مستمرة ما دام المسجد الأقصى يتعرض للأخطار، وأشار إلى أن المطالبة بنفخ البوق في الأقصى خلال الأعياد اليهودية، يأتي في سياق محاولات السيطرة على الأقصى بشكل تدريجي وبمراحل متلاحقة، محملاً حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذه المخططات التهويدية.
وفي السياق أكدت هيئة علماء فلسطين، أن المسجد الأقصى في أحرج أوقاته، داعية علماء الأمة لـ “توجيه الشعوب نحو نصرة القدس المحتلة”، كما أهابت الهيئة بالعلماء بأن يكون المسجد الأقصى على رأس جدول أعمالهم، وأن يتداعوا إلى لقاء عاجل لبحث ما يجب فعله والقيام به لنصرة القدس والأقصى.
وقالت إن المسجد الأقصى المبارك اليوم في أحرج ساعاته، وهو مسؤولية الجميع، وأضافت “العلماء في مقدّمة من يتحمّل هذه المسؤولية”، ودعتهم لإعلان تأييدهم لأهل فلسطين “دفاعا عن الحق ونصرة للمظلوم، وأن يتحدثوا للشعوب بكل الوسائل عن واجبها المادي والمعنوي تجاه أهل فلسطين والقدس”.
وتصديا لهذه الموجات العاتية من الاقتحامات، أطلق أهالي القدس مبادرة جديدة بعنوان “خُذ إجازة يوم بالسنة ورابط”، من أجل التواجد في المسجد والتصدي لاقتحامات المستوطنين، وتقوم المبادرة على أساس أن يأخذ المقدسي أو الفلسطيني الذي يستطيع الوصول للأقصى، يوم إجازة واحداً في السنة، للوقوف في وجه اقتحامات المستوطنين، على أن لا تكون الإجازة يومي الجمعة والسبت لخلوهما من الاقتحامات.
وتعتمد المبادرة على وجود 8 آلاف فلسطيني في المسجد الأقصى يوميا، ويؤكد القائمون عليها أن هذا الأمر ليس مستحيلا، وأنه سيؤثر بشكل فعلي على إجراءات الاحتلال في الأقصى، الهادفة إلى فرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، باعتبار أن المبادرة وتواجد المرابطين سيشكل “درعاً بشرياً أمام هذا المشروع”.
كما تعتمد المبادرة على سكان القدس والمناطق المحتلة عام 1948، وكذلك سكان الضفة الغربية الذين يستطيعون الوصول إلى الأقصى ومدينة القدس المحتلة.
وتقوم على أساس حسبة رياضية تأخذ بالحسبان أعداد المقدسيين وتقسيمهم على أيام السنة عدة الجمعة والسبت، وكذلك أعداد سكان الـ 48، إضافة إلى عدد مساجد الضفة الغربية، من خلال مشاركة كل واحد منها بحمولة باص يوميا لو قسم عليها الجهد، ليصبح عدد المشاركين في الرباط يوميا حسب المبادرة، 4991، من مناطق الـ 48 إضافة إلى 1540 من الضفة الغربية، و1804 من القدس، بمجموع 8335 مرابطا بشكل يومي.
يشار إلى أن وزارة الخارجية الفلسطينية حملت حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة والمباشرة عن الاقتحامات والممارسات الاستفزازية، محذّرة من مخاطرها على ساحة الصراع برمتها، وطالبت في ذات الوقت المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية والأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وفي مقدمتها “اليونسكو بسرعة التدخل لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على القدس ومقدساتها، ووقف هذا “الزحف التهويدي” التدريجي للمسجد الأقصى المبارك قبل فوات الأوان.
انصروا الله ينصركم
الاقصى واجب لكل المسلمين