القاهرة ـ «القدس العربي»: أبرزت الصحف المصرية الصادرة أمس الثلاثاء 22 أكتوبر/تشرين الأول مقابلة الرئيس السيسي لرئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر الأحمد، والتوقيع على اتفاقايات اقتصادية تمول بها الكويت مشروعات في سيناء. كما استقبل الرئيس رؤساء وفود الدول المشاركة في أسبوع المياه الثاني في القاهرة، ومطالبته بالحفاظ على حقوق الدول في المياه، وفق الاتفاقيات الدولية، وسفره إلى روسيا لحضور قمة افريقيا روسيا، التي ستنعقد في مدينة سوتشي، وسط آمال بايجاد حل لأزمة سد النهضة، أثناء لقائه مع آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا. ولا تزال أخبار ما يحدث في لبنان تستحوذ على العدد الأكبر من المقالات والتعليقات، تلت ذلك في الأهمية مقتل الطالب محمود البنا. وإلى ما عندنا…
الأزمة الأخطر
نبدأ بالأزمة الأخطر وهي نقص كميات المياه التي قال عنها في «الأهرام» مكرم محمد أحمد: «فرضت هذه التحديات الخطيرة على المصريين مضاعفة جهودهم سعيا إلى إدارة رشيدة لمواردها المائية، حتى أنها تكاد تديرها بالقطرة في نظام محكم، تبلغ كفاءته أكثر من 85٪ وهو من أعلى الكفاءات في العالم. وتعيد مصر تدوير 33٪ من المياه المستعملة، ترتفع في غضون أعوام مقبلة إلى 40٪.
إيرادات مصر المائية هبطت إلى حدود الفقر وآمال في حل وسط بخصوص سد النهضة
وتشتمل خطة مصر لمجابهة سواحل البحرين الأبيض والأحمر، كما تستخدم في ذلك نظم الإنذار المبكر ووسائل الري الحديث، ليس في الأرض الجديدة، وإنما في عمق الريف المصري في الدلتا، لأن الموقف جد خطير يتطلب الرقابة الصارمة على كل قطرة مياه، وحسن ترشيد استهلاك المياه في كل موقع، ومنع كل صور الفاقد من أجل استثمار كل قطرة. إن إيرادات مصر المائية المحدودة، هبطت إلى حدود الفقر المائي حيث يصل نصيب الفرد إلى أقل من 700 متر مكعب في العام، وكان إلى عهد قريب يتجاوز ألف متر، وقد تمكنت مصر من بناء خطة متكاملة لتغطية احتياجاتها المائية حتى عام 2037 بتكلفة تصل إلى 500 مليار دولار، يشرف على تنفيذها وزير الموارد المائية محمد عبد العاطي، إضافة إلى التزام الحكومة الصارم بالحفاظ على حقوق مصر المائية والدعوة إلى ضرورة وجود طرف رابع يمثل وساطة دولية في مباحثات سد النهضة كل ذلك يمثل خطة متكاملة لتحقيق الأمن المائي لمصر الذي يمثل الآن أولوية قصوى في جدول أعمال مصر».
ممر التنمية
لكن العالم المصري الأمريكي في وكالة ناسا الأمريكية الدكتور فاروق الباز، أكد في محاضرة له في جامعة القاهرة، على أن دراساته أثبتت أن مصر في إمكانها زراعة أكثر من عشرة ملايين فدان جديدة بالاعتماد على مياه الأمطار والمياه الجوفية، وقال نقلا عن أحمد أبو ضيف وكريم روماني في جريدة «الوطن»: «تناول الحديث حول التغيرات الطبيعية المتوقعة وعما يشاع من غرق الدلتا، أكد الباز أن هذه التغيرات متوقعة، ونحن قادرون على التعامل معها علميًا. وأضاف أؤكد على أن مصر لن تضار. ممر التنمية جاء نتيجة لدراسة الصحراء الغربية في عهد الرئيس السادات للعمل على غزو الصحراء واستغلالها، موضحًا أنه تم بالفعل عمل دراسة للصحراء المصرية، خاصة الجزء الغربي، لهطول الأمطار عليه، بما يسمح بوجود حياة وزراعة. وأضاف أن وجود ممر التنمية يضيف مساحة 105 ملايين فدان مستوية غرب النيل، في حين أننا نعيش على 7 ملايين فدان حول النيل».
من المسؤول؟
وإلى المشاكل والانتقادات، ومنها مشكلة مقتل الطالب الشهم محمود البنا على أيدي طلاب آخرين لمنعه أحدهم من معاكسة فتاة، وإظهار الجميع استياءهم من تفشي ظاهرة البلطجة، وأرجعها مصطفى عبيد في «الوفد» إلى الفنان محمد رمضان واتهمه قائلا: «مَن يتابع جريمة قتل محمد راجح لمحمود البنا في المنوفية، وكلاهما في عمر النشء، يندهش من مستوى الانحطاط الذي غرس أقدامه في نواحي المجتمع، ويتعجب من تزايد نسبة الأسافل وسيادتهم، واكتفاء الجميع بدءا من أجهزة الأمن ومؤسسات الرقابة المجتمعية ومراكز البحوث الاجتماعية وغيرها من المؤسسات بالمشاهدة والمتابعة الرسمية. البلطجة عنوان الشارع.. قوانين الغابة أكثر فاعلية، العنف أساس المعاملات اليومية، الرخاوة رداء يُدثر الحياة في بلادي، فالفن مبتذل والإبداع متردٍ والثقافة خارج حسابات الحاكمين والمحكومين. لا أعتقد أن القتلة الحقيقيين هم أولئك الذين يضربون ويقتلون فقط، وإنما القتلة الحقيقيون هم الذين غرسوا القيم وصنعوا الرمز وروجوا للفكرة وبشروا بالانتقام البشع. إن أردتم مثالا على هؤلاء فإنني أرشح محمد رمضان الممثل الموهوب فعلاً، الذي قدم نموذج البلطجي المحبوب وحوّله إلى بطل، رمضان ابن البلد بملامحه وأدائه، لكنه خصم دولة القانون فكراً وترويجاً، نصف أعماله تبشر بالقاتل البشع الذي يحمل سيفاً ويضرب ويُحطم وينتقم، بدون أي التفات لدولة أو مؤسسات أو قانون. يتمادى الألق الخادع للفنان فينخلع من أي قيم ولا يرى إلا نفسه، وينسحق بمظلة الغرور، فيتحول إلى قاتل حقيقي للقيم والمبادئ والأخلاق والتواضع والنبل، والمؤسف أن بعض المؤسسات العامة تحتفي به وتنتج له بحثا عن المشاهدات والأرباح، وبعيدا عن القيم وبدون أي التفات أخلاقي لآثار الفن والدراما على الناس. رمضان يمثل ويغني ويحاضر ويطل كطاووس يُشرعن للباطل، ويحتفى بالقبح ويروج للتمرد على القانون، فيقول في إحدى أغانيه «مش باتفتش ف المطار/ في البنك بيسألوا من أين لك هذا/ مبردش غلاسة بغلاسة/ القمة مكاني مش همشي/ كل هدومي فيرزاتشي» ويرد على منتقديه قائلاً «هيلا هيلا هوبا/ أنا ملك الغابة شايفك قطة». إننى أتهم محمد رمضان بالمشاركة في جرائم قتل مئات الناس، من خلال التحريض غير المباشر والتبشير بالبلطجة، وأعلم أن القانون بل كل التشريعات في العالم لا تغطي هذا النوع من المشاركة، لكن لا شك في أن القانون الإلهي يفعل».
اغتيال البراءة
وفي «الأخبار» شن محمد البهنساوي هجوما آخر ضد محمد رمضان والمنتج السينمائي السبكي قائلا: «المتهم الحقيقي في مقتل البنا ليس راجح ورفاقه، حتى لو صدر الحكم بإعدامهم، سيظل المتهم الحقيقي حرا طليقا يغتال البراءة يوميا. ولو لم توجد إرادة مجتمعية لمواجهته فهو أخطر من راجح وأشباهه، إنه ذلك الغول القابع خلف شاشاتنا وحواسبنا، يبث سمومه يوميا، ليخلق راجح في كل مكان في مصر، فالفن المصري الذي كان يسمو بالروح ويرتقي بالأخلاق ويحمل رسالة سلام من مصر للعالم كله، خاصة أشقاءنا العرب، وبعد أن تركنا ناصيته للجزارين ومحدثي النعمة والمال، تحول البطل والرمز في المجتمع إلى رفاعة الدسوقي والألماني وعبدو موتة وأشباههم. المصري يا سادة الذي غزا عقول وقلوب العرب بسحر أم كلثوم وعذوبة حليم ورقة نجاة وقيمة وقامة عمر الشريف وشكرى سرحان وأحمد مظهر وفاتن حمامة ومديحة يسري وليلى مراد، حتى أدوار الشر بفتونة فريد شوقي ودهاء زكي رستم والدقن والمليجي، كانت رسالة تهزم الشر وتعلو بالأخلاق، الآن ورغم وجود الكثير من أمثال هؤلاء العمالقة أصبح طربنا مهرجانات وتمثيلنا تخليدا للبلطجة والمخدرات ومكاره الأخلاق والسيدة المصرية أصبحت صورتها مثل فلانة التي «تردح» والأخرى التي ترتدي ثيابا تكشف وتفضح أكثر مما تستر، ولغة حواره ما يخرج به علينا ليل نهار، السباب والشتم والذي يفعل ما يريد ليهدم كل قيمة وينال من كل قامة».
من الجاني الدولة أم الشاشة؟
لكن الناقد الفني طارق الشناوي في «المصري اليوم» نفى التهمة عن محمد رمضان وغيره ووضع المسؤولية في عنق الدولة، التي اعتبرها المسؤولة عن تفشي المظاهر السلبية في المجتمع، وقال تحت عنوان «من الجاني الدولة أم الشاشة؟»: «هل الأفلام والمسلسلات ونجوم العنف والأكشن، هم الذين صدّروا للشارع المصري كل هذه البشاعة والجرائم والدماء؟ أم أنهم قدموا محاكاة لما ينوء به حقًّا الشارع؟ محمد راجح قاتل محمود البنا «شهيد الشهامة» هل كان ضحية أفلام ومسلسلات محمد رمضان التي دفعته للتقليد وممارسة العنف المفرط؟ أم أن الأمر له أسبابه العميقة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا؟ لا أحد ينكر قطعًا تأثير «الميديا» على الناس فهناك عنف واضح ودماء باتت تتناثر عبر الشاشات. لا أتحدث فقط عن الأفلام والمسلسلات، ولكن تابعوا نشرات الأخبار وكم الدماء التي تتخلل النشرة ومن يجز الرقبة بسكين «تلمة» ثم يرفعها بكل نشوة أمام الكاميرا، هل الدولة تريد أن تلقى بالمسؤولية بعيدًا عنها وتتحملها الشاشات بما تبثه من عنف؟ إذا أردنا أن نشعر بالراحة فلنلقِ بالتبعة على ما نشاهده من أفلام ومسلسلات وأغانٍ و«أديك في الجركن تركن»، ولكن تأملوا هذه الحقائق لماذا أصبحت مصر تحتل مراكز متقدمة عالميا في التحرش والإدمان ومتابعة المواقع الإباحية؟ هل أيضا يتحملها عبده موتة وإبراهيم الأبيض؟ ما مسؤولية الدولة عن كل ذلك؟ هل الشاب يجد ما يستوعب طاقته المهدرة؟ أين الساحات الشعبية ومراكز الشباب؟ هل يجد الشاب مساحة للتعبير الحر عن رأيه في كل ما يجري في الحياة؟ أم أنهم زرعوا في داخله اليأس والخوف وباتوا يفتشون «الموبايل»؟ الأمر متشابك ومتعدد الزوايا تريد أن تقول إن الجريمة وقودها البنزين، الذي تبثه الشاشات هل فيلم «العار» مثلا لعب دورًا في رواج الحشيش؟ ألم نتعاطف مع الشخصية التي أداها نور الشريف وهو يحلل التعاطي «إذا كان حلال أدينا بنشربه وإذا كان حرام أدينا بنحرقه»، أليست هذه في الأساس ثقافة متأصلة في المجتمع المصري، ولم يخترعها الراحل محمود أبوزيد كاتب الفيلم؟ طوال التاريخ المعاصر كان من السهل في الماضي تقديم ضابط منحرف في الأعمال الفنية، وعبر تاريخ السينما شاهدناه، بات هذا الآن من المستحيلات وتم تكدير كل من أباح بعرض فيلم «تراب الماس» بسبب شخصية ضابط الشرطة المنحرف، لديكم مثلا «حاتم» أمين الشرطة الفاسد في «هي فوضى» 2008 صار الآن في فيلم «يوم وليلة» أمين شرطة مثاليًّا جدًا إلى درجة تنفي عنه المصداقية. في مسلسل «الأسطورة» مشهد رمضان وهو يجبر غريمه على ارتداء زي امرأة بعدها ببضعة أيام في إحدى قرى الفيوم أصبحت حقيقة، وتناسينا أن كاتب المسلسل لم يخترعها والتجريس بارتداء زي امرأة واحدة من أدوات الإذلال في الثقافة الشعبية المصرية، الناس لا تلتزم بالقانون وتأخذ حقها بيدها، لم يكرسها مسلسل أو فيلم تريد أن تبعد المسؤولية عن الدولة وتقول للناس أن الشاشة مذنبة لا بأس، ولكن عليك أن تستعد من الآن لمزيد من الأبرياء يقتلون وتسيل دماؤهم في الشارع بينما الشاشة ناصعة البياض».
حمو بيكا
ومن محمد رمضان إلى المطرب الشعبي حمو بيكا، وما بدر منه مؤخرا من تهديدات لنقيب الموسيقيين وقال عنه في «الأخبار» وحيد السنباطي المشرف على صفحة راديو وتلفزيون تحت عنوان «زمن حمو بيكا»: «عشنا وشفنا البلطجية والجهلاء يريدون فرض آرائهم بالقوة وبالتهديد على ذوق المصريين، أقصد بذلك المدعو حمو بيكا الذي رفضت نقابة الموسيقيين مؤخرا التصريح له بالغناء في إحدى الحفلات، بعد أن رسب في اختبار الغناء، وكانت نتيجة الاختبار أنه لا يصلح للغناء بإجماع كبار الموسيقيين، فما كان منه إلا أن قام ببث فيديو مباشر من داخل النقابة يتهم فيه النقابة برئاسة الفنان المحترم هاني شاكر بأنهم يتقاضون رشاوى بمئات الآلاف من الجنيهات لإصدار تصاريح الغناء، وإنه لن يدفع هذا المبلغ، بل صور له غروره أنه سيقوم باقتحام النقابة وتحطيمها وأنه سيصطحب مؤيديه ليقوم بعمل ثورة ضد النقابة، إنها فعلا شر البلية ما يضحك، وإنني اتساءل كيف لهذا البلطجي ولمن على شاكلته الذين يعتبرون أنفسهم مطربين وفنانين أن يخرجوا من جحورهم ويفرضوا أنفسهم علينا كمطربين، في حين أنهم يتلعثمون في نطق الكلمات ويتسببون في نشأة جيل من المدمنين والفاشلين والبلطجية، من خلال ما يقدمونه من أغان يطلق عليها المهرجانات التي تحط من ذوق المستمعين وتشجع على الرذيلة».
بيكا في مجلس النواب
وانتقلت قضية حمو إلى مجلس النواب في طلب إحاطة قدمته عضو في المجلس قال عنها في «المساء» وائل عبد العال: «شن أعضاء مجلس نقابة الموسيقيين هجموما حادا على مستشفى 75375 بسبب زيارة مغني المهرجانات حمو بيكا لها، بدعوة من القائمين عليها، وتقديمه أغاني المهرجانات لأطفال في سن البراءة، واعتبروا بيكا خطرا على الذوق العام، ولا يقدم إلا الفن الهابط المسف، والأمر لم يتعد أعضاء مجلس النقابة فقط، وإنما وصل إلى البرلمان بعد ما أثار ذلك التصرف استياء النائبة غادة عجمي، عضو مجلس النواب عن المصريين في الخارج، التي قررت التقدم بطلب إحاطة عما حدث في مستشفى السرطان كما انتقد المايسترو محمد أبو اليزيد وكيل النقابة هذا التصرف، واعتبر أن أي جهة تتعامل مع بيكا ضد الذوق العام. مشيرا إلى أن بيكا لن تعترف به النقابة، وان عليه حكما بالحبس لم ينفذ حتى الآن. فيما تعجب أحمد رمضان سكرتير عام النقابة من هذا التصرف، وتساءل ألم تجد مستشفى الأطفال شخصا غير بيكا يغني للأطفال؟ معتبرا أن ذلك يسيء للمكان، خاصة أنها تعاملت معه على أنه قيمة غنائية كبيرة».
لبنان والعرب
ومن مشكلة محمد رمضان وحمو بيكا إلى مشكلة لبنان التي استحوذت بدورها على قسم كبير من التعليقات وربطها بمشاكل الدول العربية وقال عنها في «الدستور» ماجد حبتة: «لم تشهد شوارع لبنان مثل هذه الحشود منذ مارس/آذار 2005 لكن ما اختلف هذه المرة هو أن المتظاهرين رفعوا العلم اللبنانى فقط، وتخلوا عن انتماءاتهم الطائفية المذهبية العرقية، أو الحزبية، واتفقوا على رفضهم للطبقة السياسية الحاكمة إجمالًا، وحمّلوها مسؤولية الأزمة الاقتصادية، ومع استمرار تظاهرهم نكرر أن اللبنانيين وحدهم هم المعنيون بالتوصل إلى الحلول التي يرتضونها، وأن كل ما علينا هو النصيحة إذا جاز لنا أن ننصح بضرورة تجنب كل أشكال الانقسام، ورفض أي محاولات خارجية للتدخل في شؤونهم الداخلية».
راية الوطن
وفي «الوفد» قال علاء عريبي: «أجمل ما في ثورة اللبنانيين أنهم ثاروا على الحزبية والمذهبية والأيديولوجية ثاروا على كل ما سبق وقسمهم عرقيًا ودينيًا ومذهبيًا وأيديولوجيًا وطبقيًا وقفوا في الميادين يدًا واحدة، المسلم السني والشيعي والمسيحي البروتستانت والكاثوليك والدرزي يرفعون راية الوطن، ويطالبون برحيل النظام: كلكن يفلوا حسن نصرالله وحزبه وجيشه ونبيه برى وبرلمانه وحركة أمل، جميع الأحزاب والكتائب المسيحية والسياسية التي تكسبت وتربحت من انقسام وتحزب الشعب.. عض قلبي ولا تعض رغيفي.. المواطن يمكنه أن يتسامح ويغض الطرف عن الكثير، لكن عندما تمس قوت يومه سيثور، وبحمد الله الأنظمة العربية أغلبها يشوبها الفساد وتتسلط بالديكتاتورية والفاشية، وتستغل الدين والمذهبية، وكل شيء في إخضاع الشعوب. والمواطن العربي يئن منذ عقود طويلة بسبب البطالة والتخلف والجهل والديكتاتورية والفقر والمرض. أخطر ما تواجهه الشعوب العربية هو بطالة الجامعيين وهم بحمد الله بالملايين، تدفع بهم الجامعات سنويًا إلى سوق العمل، وتمر الأيام والشهور ويفاجأون بأن الأسواق والفرص مغلقة في وجوههم. الحكومة لم تفكر في فتح الأسواق للاستثمار، قوانينها بالية تشجع على الفساد والرشوة وتقييد الحريات، وهو ما يدفع المستثمر الأجنبي إلى الإحجام عن إقامة مشروعات، كيف ينفق بعضا من أمواله في بلد نظامه قمعي يقهر المواطن ويقيد حريته، ما يفعله في شعبه سينفذه في الأجنبي، اللبنانيون بسبب الفساد والبطالة والغلاء والضرائب وضعف الرواتب وسوء المرافق والخدمات تحولوا إلى قنابل معدة للانفجار، خرجوا إلى الشوارع تاركين خلفهم: الملة والمذهب والحركة والحزب، رفعوا راية الوطن وطالبوا بالعدالة الاجتماعية، ورحيل النظام الذي شاخ، رحيل جميع الوجوه الحزبية والدينية والحكومية، الذين تناوبوا الحكم منذ 30 سنة وأكثر في البلاد، وقفوا يدًا واحدة وقالوا: فلوا كلكن يجب أن تفلوا لا نريدكم كفى فسادًا وتحزبًا وعنصرية وسياسات فاشلة فلوا».
هل الجيش هو الحل؟
وفي «الوطن» أعطى عماد الدين أديب توصيفا لما يحدث في لبنان بقوله: «مَن ينتصر في لبنان غضب الشعب، أم الطبقة السياسية الحاكمة؟ مَن ينتصر وجع الناس المحرومة أم مصالح تزاوج المال بالسياسة؟ مَن ينتصر لبنان الواحد الموحد المضاد للطائفية، أم عائلات الطوائف التي تدير المشهد السياسى منذ عام 1943 حتى يومنا هذا؟ مَن ينتصر لبنان المدني العابر للطوائف أم لبنان المذهبي القائم على المحاصصة الطائفية؟ الأمر المؤكد بصرف النظر عن النتائج النهائية لهذا الصراع أن هناك متغيرات جوهرية غير مسبوقة في «قانون اللعبة» و«معادلات العلاقة بين الحاكم والمحكوم في لبنان» يمكن إجمالها على النحو التالي: أن هناك تراجعاً غير مسبوق عن حصانة الفساد، وحماية الطبقة السياسية في البلاد برفع السرية المصرفية عن حساباتهم، أنه تم إنهاء الكثير من الامتيازات المبالغ فيها التي أدت إلى نزيف في موازنة الحكومات المتعاقبة، كانت تدخل جيوب الساسة وكبار الموظفين بشكل مبالغ فيه، لوحظ أنه لأول مرة هناك في مناطق الجنوب ذات الأغلبية الشيعية «تحطيم أصنام» زعامات الثنائية الشيعية تحديداً لحركتي «أمل» و«حزب الله» ظهر ذلك في حجم المظاهرات، وفي الهتافات وفي التجرؤ على الحرق الكامل لاستراحة زعيم حركة «أمل» في مدينة صور، وهي معقل تقليدي قوي تاريخياً، وكانت مركز قيادة الإمام الغائب موسى الصدر. أصبح كل من ينتمي إلى نادي الخمسة الآن «ســــياسي حالي وسابق في الحكومة وفي الرئاسة وفي المجلس النــــيابي في الإدارة العليا، بالإضافة إلى قيادات أحزابهم وطوائفهم» مرفوضاً بشكل كامــــل من المتظــــاهرين، أن يتولى أي منصب حكومي على أي مستوى من المستويات، ذلك كله يضع الصراع بين الحراك الشعبي والقوى التقليدية على المحك، الخطر إذا تم رفض الإصلاحات من ناحية المتظاهرين، وإذا استمرت القوى التقليدية تدير الأمور وكأن شيئاً جوهرياً لم يتغير بعد، فإن ذلك يقود حتماً إلى فوضى، ذلك يتم في وقت ظهر فيه سياسي واحد ظهر أمس مع المتظاهرين هو النائب الحالي والعميد المتقاعد شامل روكوز الذي يحظى بشعبية في الشارع والجيش وهو قائد معركة «عرسال» وزوج كلودين ميشيل عون هنا يأتي السؤال: هل الجيش يصبح هو الحل في حالة الفوضى؟».
متى يتعظ الحكام؟
«ما الذي يحدث في لبنان.. بل السؤال ما الذي يحدث في المنطقة العربية بأكملها؟ خلال الشهور الأخيرة انقلبت المنطقة رأسا على عقب، وكأن رياح 2011 قد عاودت الهبوب مرة أخرى، السودانيون أسقطوا البشير، والجزائريون أسقطوا بوتفليقة، ويحاولون الآن استعادة زمام أمورهم بعد أن حاول النظام القديم تأميم الشعب مدى الحياة. والعراقيون خرجوا أياما في الشوارع وهتفوا ضد الطبقة الحاكمة بأكملها، وهو ما فعله اللبنانيون في الأيام الماضية في مظاهرات انطلقت أساسا احتجاجا على زيادة الضرائب وتردي الخدمات أو غيابها. هل تكفي فقط نظرية المؤامرة لتفسير ما يحدث في غالبية بلدان المنطقة؟ يتساءل عماد الدين حسين في «الشروق»، ويواصل رأيه قائلا، أي عاقل يدرك أن الإجابة هي: لا. وحتى لو كانت هناك مؤامرة فهي لا يمكن لها أن تنجح إلا إذا كانت هناك عوامل موضوعية في الداخل تساعدها. المسألة ببساطة أن الناس تريد أن تتعلم وتتوظف وتحصل على الحد اللائق من الخدمات العامة، خصوصا العلاج، إضافة بالطبع إلى الحد الأدنى من التعامل الآدمي من السلطات الحاكمة. وحينما يغيب ذلك ويختفي، يبدأ الناس في التململ، ثم الاحتجاج، الذي قد يصل إلى التخريب في ظل غياب ثقافة الاحتجاج لدى الناس، وغشومية السلطة في غالبية الأقطار العربية. أين هي المؤامرة في العراق؟ مئات الآلاف من الناس خرجوا في العاصمة وسائر المحافظات، احتجاجا على الفساد وغياب الخدمات وانعدام فرص العمل، غالبيتهم كانوا في بغداد ثم في مدن شيعية، واحتجوا على الحكومة الشيعية، وحرقوا الإعلام الإيرانية. هم تحملوا عشرات السنين، خصوصا منذ الغزو الأمريكي عام 2003، على أمل أن تتحسن الأحوال، ثم فوجئوا بأن الطبقة الحاكمة حلت محل صدام حسين، وإيران صارت بديلا للاحتلال الأمريكي. أين هي المؤامرة في الجزائر؟ منذ نحو عام والشعب يخرج في مظاهرات أسبوعية، خصوصا يومي الثلاثاء والجمعة، للمطالبة بأن يحكموا أنفسهم ويحاكموا الفاسدين، وأن ينهوا حكم الوصاية الذي يعتقد أصحابه بأنهم مخلدون في الرعاية الأبوية إلى الأبد. أين هي المؤامرة في لبنان؟ النظام الطائفي المقيت يعيد إنتاج نفسه بصورة دائمة ولا يستفيد منه إلا الكبار، ويتواطأ أركانه من أجل أن تستمر هذه الصيغة. وكل زعيم يتمترس خلف طائفته أو مذهبه أو قوة إقليمية أو دولية تحميه، لكن حال الناس وصل إلى درجة من البؤس، عبرت عنها فنانة حينما قالت إنها لم تعد قادرة حتى على استئجار منزل، فما بالك بالمواطن العادي. أين هي المؤامرة في المظاهرات التي شهدها الأردن قبل أسابيع، سواء حينما خرج الناس ضد ارتفاع أسعار الوقود، أو حينما احتج المعلمون مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية؟ نعم هناك قوى إقليمية دولية تريد إغراق المنطقة دائما في الفوضى. لكن مرة أخرى لا يمكن لهذه القوى أن تنجح، إلا إذا كانت منطقتنا هشة ورخوة ويعشش فيها الاستبداد والفساد والجهل والمرض. ما لا تريد حكومات وأنظمة المنطقة أن تدركه هو أن هناك تغيرات دراماتيكية حدثت لدى الجماهير، منذ انفجار ثورة الاتصالات والمواصلات. لم يعد ممكنا إبقاء أو احتجاز شعب كامل خلف الجدران. وسائل التواصل الاجتماعي وجهت أكبر ضربة للاستبداد في العالم عموما، ومنطقتنا خصوصا.. ما لا يدركه كثير من الحكومات أن المستقبل القريب يخبئ العديد من المفاجآت للجميع. مرة أخرى لا يمكن احتجاز شعوب بكاملها خلف الجدران. والوصاية عليها «بالطريقة الإمامية القديمة في اليمن السعيد». الاحتجاجات والتطورات والمظاهرات التي يشهدها العديد من بلدان المنطقة في الشهور الأخيرة، ترسل رسالة محددة خلاصتها أنه من دون الحكم الرشيد والشراكة بين الشعوب والأنظمة والحكومات، وإصلاح الخدمات وتوفيرها، خصوصا التعليم والصحة، فإن الأوضاع مرشحة لمزيد من التدهور والانفجار. وفي غياب وجود قوى سياسية مدنية عاقلة بفعل الاستكانة والسير بجوار أو داخل الحيطان، وبسبب القمع والتضييق والحصار، فإن الانفجار العشوائي مرشح لأن يعصف بالمنطقة بأكملها، فهل يتعظ الجميع ويبدأون في الإصلاح الهادئ والتدريجي من الآن؟».
كاريكاتير
وعن المنطقة العربية وأحوالها أخبرنا الرسام الموهوب عمرو سليم في «المصري اليوم» أن الحنين دفعه لزيارة متحف العالم العربي وأخذ يتطلع إلى اللوحات المعلقة على جدرانه مثل وحدة لا يغلبها غلاب وأمجاد يا عرب أمجاد وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة واللوحة الأولى إشارة إلى أغنية شهيرة والثاني نداء من إذاعة صوت العرب من مصر والثالثة عبارة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 والأخيرة كانت شعار حزب البعث العربي الاشتراكي.
طروحات إصلاحية
«أثار حديث الدكتور محمد غنيم، العالم المصري الكبير، الأسبوع الماضي، ردود فعل كثيرة، بعضها هاجم الرجل ونال من قيمته، وبعضها الآخر اختلف معه في جوانب واتفق في أخرى، وهناك كثيرون أيدوا معظم ما جاء في كلامه، واعتبروه قدّم رؤية مختلفة للرؤية السائدة، رغم أن معظمهم انسحب من المشهد السياسي حتى بالاستماع والمتابعة. ورغم أن ما ذكره الرجل كما يرى ذلك عمرو الشوبكي في «المصري اليوم»، كان في مجمله أطروحات إصلاحية، يعتبرها كثيرون مفيدة للنظام، إلا أنها لم تقبل في دوائر كثيرة، وتعرض لهجوم كبير وشتائم لا حصر لها، ورغم أن في مصر مدرستين أصيلتين بعيدًا عن التطرف والحواشي المحيطة بهما: الأولى محافظة تختلف مع أفكار الدكتور غنيم، لأنها لا تؤمن بالثورات أصلا (لا يناير/كانون الثاني ولا غيرها) وترى أن مصر مازالت مشكلتها وجودية، تتعلق بالإرهاب والنمو السكاني والتهديدات العابرة للحدود من قبل تنظيم الإخوان وحلفائه، وأنها ترفض فتح ملف الإصلاح السياسي في الوقت الحالي قبل أن تنتصر مصر في معركتها ضد الإرهاب، وأن دعم مؤسسات الدولة يجب أن يكون بلا حدود من أجل التنمية والمشاريع الكبرى، وأن البلد لا يحتاج سياسة ولا سياسيين على الأقل في الوقت الحالي. وهناك تيار آخر لا يختلف على أن البلاد عرفت بالفعل تهديدات وجودية في فترة سابقة، وأنها تجاوزتها في الوقت الحالي، وأنها أصبحت تواجه نوعية أخرى من التهديدات تتعلق بسوء الأداء، وتراجع قناعة الناس بوجود دولة قانون، وأنها رغم إيمانها الكامل بضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية، إلا أنها ترى في الوقت نفسه ضرورة إصلاحها، لأن مصر لن تنتصر في معركتها ضد الإرهاب والفقر والتهميش بدون عملية إصلاح مؤسسى حقيقي ودولة قانون وشفافية، أي أن المعارك التي تخوضها الدولة شرط النجاح فيها هو الإصلاح والعدل والقانون. وربما كانت ميزة الحكم الحالي أنه نال في بدايته دعم التيارين المحافظ والإصلاحي، وهو ما تغير الآن، حيث انسحب من المشهد كثير من المؤيدين عن قناعة، والمعارضين عن إخلاص، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة حقيقية. حديث الدكتور غنيم كان كاشفًا لهذه الأزمة، ومثّل فرصة حقيقية (ضاعت للأسف) لإحداث نقاش عام حقيقي في البلد بين مؤيدين حقيقيين لديهم أطروحات حقيقية بديلة لما قال، ولكنهم غابوا لصالح كثير من الشتائم وقليل من النقد. أما المعارضون الذين هم على خط الدكتور محمد غنيم نفسه، فقد ابتعدوا عن المشهد منذ زمن، ولم يستطع حديث الرجل على أهميته أن يعيدهم إليه لفقدانهم الثقة في فرص الإصلاح. على الدولة أن تترك هامشًا طبيعيًا غير مبرمج للتفاعلات السياسية وتضع لها قواعد منظمة وخطوطًا حمرا حتى تبنى قاعدة شعبية حقيقية من مؤيدين ومعارضين تدعم الاستقرار والتنمية».