خذ مالا ولا تُعد
يعرف بشار المصري صاحب مشروع المدينة الفلسطيني روابي، الدكتور الحمد الله جيدا من لقاءاتهما الثابتة في مجلس ادارة جامعة النجاح في نابلس. عمل الحمد الله 15سنة رئيسا للجامعة وجعلها قصة نجاح، فهي اليوم أكبر حرم جامعي في الضفة مع 20 ألف طالب جامعة، ومساحة واسعة ومعدات حديثة وهيئة تدريس من 400 محاضر. وقد نجح الحمد الله مع انجازات المؤسسة المختصة في ان يعيد الهدوء الى الحرم الجامعي الذي كان يختبئ فيه في العقد الماضي ستة من مطلوبي حماس، وتطوعت طالبات درسن فيه بتنفيذ عمليات انتحارية على أهداف اسرائيلية.
‘لا تستهينوا بالحمد الله’، يوصي المصري، ‘هو في الحقيقة هادئ ومهذب ودمث الاخلاق لكنه انسان يعرف ان يبت بالامور. وهو لن يدع الوزراء والموظفين يبلبلون ذهنه بلقاءات طويلة، وأنا اعلم من معرفتي الطويلة له انه دقيق، فهو دائما يأتي مستعدا للقاءات ويعرف مسبقا ما الذي يريد احرازه بالضبط’.
يهرب الحمد الله من وسائل الاعلام الى ان يؤلف الحكومة الجديدة، ‘انه خصوصا يحب السماعات جدا’، كما يشهد عليه زميل من الجامعة. ‘إجلبوا فقط فريق تصوير ليستسلم لذلك، وعنده ايضا دائما وسائل مهمة وعناوين صحافية كما تحب وسائل الاعلام.
كان العنوان الذي ادلى به الى وسائل الاعلام في صباح يوم الاثنين في اليوم التالي من اختياره، قصيرا وموجزا، ‘سأعمل على انشاء مؤسسات الدولة الفلسطينية التي ستكون عاصمتها القدس الشرقية’، ردد ما توقعوا منه ان يقوله، ‘لكنني لم آت لأهدم ما بني في السنوات الاخيرة’ تابع قائلا وأسبغ الكرامة على سلفه فياض الذي خلف له ميراثا معقدا، فقد بنى من جهة مؤسسات الدولة الفلسطينية وأعد بنية تحتية اقتصادية؛ ومن جهة ثانية وبسبب الجمود السياسي والعسر المالي في المناطق زاد الدين على مؤسسات السلطة الى اكثر من 4 مليارات دولار، هذا ولم نتحدث بعد عن تعليق رواتب آلاف العمال.
في الاسبوعين القريبين وبعد ان يعين الحمد الله وزير مالية جديدا ويخط تقسيم الصلاحيات بينه وبين نائبه محمد مصطفى، سيواجه سؤالا اول حاسما وهو: كيف يروج لارتفاع اسعار الاغذية قبيل شهر رمضان الذي تنقض فيه جموع الناس على حوانيت الطعام، ‘اذا ارتفعت الاسعار جدا’، يحذر مؤنس برهوم وهو صاحب حانوت طعام في رام الله، ‘فان الجموع ستغرق الشوارع بتظاهرات غاضبة. وقد قال الحمد الله من قبل انه ليست عنده صيغ عجيبة’. لكن عنده مواهب في جمع الاموال. ففي سنوات ولايته لرئاسة الجامعة الـ15 نجح في جمع تبرعات بلغت 300 مليون دولار. وأكثر المتبرعين فلسطينيون نجحوا في خارج البلاد وتطوعوا بتحويل ‘رسوم ضمير’ تعويضا عن رفضهم العودة للسكن في المناطق أو للاستثمار في مشروعات في الضفة. ‘ليست عندنا مناجم وليس عندنا نفط، ويصعب علينا ان نصدر بسبب قيود الاحتلال’، بين الحمد الله في رحلات جمع الاموال ‘ان ثروتنا الوحيدة تتجلى بعقول شبابنا وقدراتهم وارادتهم الدراسة والتقدم ويجب علينا ان نساعدهم’. ان خريج جامعة النجاح الأشهر هو الدكتور صائب عريقات الذي يجلس منذ عشرين سنة الى طاولة التفاوض مع افرقاء اسرائيليين.
قال احد كبار المسؤولين في الجامعة هذا الاسبوع، ان الحمد الله أنفق من جيبه الخاص على دراسة عدد من طلاب الجامعة لعائلات معوزة في الضفة، للقب الاول. ‘وحينما كان يأتي اليه عامل نظافة من الجامعة ويقول ان راتبه القليل وهو 150 دولارا تنتهي في الاسبوع الاول من الشهر ولا يجد طعاما يأتي به الى البيت كان الحمد الله يدخل يده في جيبه ويفتح محفظته ويدس في يده رزمة اوراق نقدية. وكان يقول للعامل: ‘خذ ولا تُعد أبدا’.
قُتل الأبناء الثلاثة
وُلد قبل 55 سنة لعائلة حسنة الحال من قرية عنبتا في محافظة طولكرم. وكان أبوه نائب رئيس البلدية، وكان عمه عضوا في مجلس النواب الاردني. وبدأ دراسته الاكاديمية في قسم الأدب الانكليزي وعلم اللغة في جامعة في عمان واستمر لنيل شهادة الدكتوراه في لندن، وتقدم بعد ذلك في وظائف ادارية في قسم الآداب في جامعة النجاح. ‘لم يُهبط بمظلة الى مكتب رئيس الجامعة’، يقول رجل الاعمال منيب المصري، ‘بل تسلق بين الاقسام المختلفة الى ان حصل على منصب نائب الرئيس، وفي 1998 دخل مكتب الرئيس’.
في سنة 2000 كانت زوجته تقود السيارة في الشارع السريع بين نابلس ورام الله. وكان في السيارة ابناؤهما الثلاثة وهم توأمان أنثيان في الحادية عشرة من عمريهما وولد آخر في التاسعة من عمره. ولسبب غير واضح صدمت السيارة شاحنة اسرائيلية كانت تسير مقابلها وقتل الاولاد الثلاثة. ‘كان ذلك فظيعا’، يتذكر رجل الاعمال مصطفى البيري من طولكرم. ‘قصده آلاف للتعزية. وحاولنا ان نحدثه فقلنا له ان القدر قضى ان يصيب عائلته وانه يجب التسليم بارادة الله والاستمرار في العيش. وصافح الحمد الله عشرات آلاف الايدي زاما شفتيه’.
ويضيف رجل اعمال من نابلس في اهتياج: ‘التقيت به بعد الكارثة بشهرين ووبخني توبيخا لم أجد جوابا مناسبا عليه. قال: لم تأت لتعزيني. وصدمتني ذاكرته التصويرية كيف انتبه في هذا الحفل العظيم الى أنني لم أستجمع الشجاعة للمجيء’.
قبل سبع سنوات ولدت مرح الابنة الرابعة التي اعتاد ان يأتي بها احيانا كثيرة الى مكتبه في الحرم الجامعي.
وبين قائلا: ‘انها تمنحني قوة’. ومنذ وقعت الكارثة اصبح يقوم بزيارات تعزية كثيرة في أنحاء الضفة بصورة ورعة. ‘وفي كل مرة تحدث فيها حالة وفاة’، يقول اقرباؤه، ‘يعرفون في عائلة اصحاب الحداد ان ‘البروفيسور’ سيحضر للتعزية’.
بعد الحادثة بأكثر من عشر سنوات ايضا ما زالوا يسمونه ‘أبو الوليد’ باسم ابنه الصغير الذي قتل. في هذا الاسبوع، وقبيل الانتقال الى مكتب رئيس الوزراء، منحه منيب المصري اللقب الملزم وهو ‘الضمير’. ‘منحته هذا الاسم لانه يهتم حقا بأبناء الشعب الفلسطيني’، يبين المصري. ‘ويعلمون في اسرائيل ايضا ان الحمد الله انسان معتدل جاء ليعمل وليقوم بالامور الصحيحة. وعنده الى ذلك ايضا وجه انساني لمن يعرف أبناء شعبه جيدا. وهو لا يتكبر ولا يتنكر ويعرف ما يحتاج اليه الناس وما الذي يريد ان يحرزه من اجلهم’.
‘تؤول احتمالات نجاحه الى الصفر’، يكرر احد زملائه الكبار في الجامعة تحذيره. ‘ليست له تجربة ادارية خارج الجامعة. وهو يتولى ايضا منصبا فارغا من الصلاحيات لأن أبو مازن سيقعد على رأسه بواسطة النائبين اللذين ألزمه إياهما وسيجذب الخيوط، وقد تشوش اسرائيل على خطط التطوير الاقتصادي.
وقد عبرت قيادة حماس في غزة عن عدم رضاها وهذه فقط بداية التعبيرات عن الغضب لتعيينه. ومن المهم ان نذكر ان له منفذ هرب لانه يستطيع اذا ضاق ذرعا ان يتمسك بكتاب تعيينه رئيسا لحكومة انتقالية وان يستقيل بعد ثلاثة اشهر’.
في حماس ردوا حقا على التعيين بغضب، وعرفه متحدث المنظمة فوزي برهوم بأنه ‘غير قانوني وغير شرعي’. وكان التوقع هناك ان ينتخب رئيس وزراء من القطاع يكون علامة على رغبة في التصالح بين حماس وفتح، ‘لكن في اللحظة التي عين فيها شخص من الضفة لا من غزة’، بين احد مساعدي رئيس الوزراء الجديد المرشحين، ‘ادركوا في حماس انه لا توجد نية حقيقية للمصالحة، وانه ليس لأبو مازن خطط لانشاء حكومة وحدة وطنية’.
في مقابلة صحافية قصيرة مع وسائل الاعلام الفلسطينية أشار الحمد الله اشارة خفية الى انه سيبقى في المنصب الى ان تنشأ حكومة فتح ـ حماس فقط. ‘صدر عن فياض ايضا هذا الكلام المردد لكنه بقي في منصبه ست سنوات’، يُذكر الزنانيري. ‘كل شيء مؤقت يصبح عندنا دائما بسبب الظروف. فأبو مازن هو الرئيس ‘الى الانتخابات’، ولانه لا توجد انتخابات رئاسية بقي في منصبه منذ اكثر من ثماني سنوات’.
يعتقد المحامي جلعاد شار الذي فاوض فلسطينيين في فترة حكومة باراك وهو يرأس اليوم حركة ‘مستقبل ازرق ابيض’، التي تعمل في حل على اساس دولتين للشعبين، ان الحمد الله يستطيع ان يصب مضمونا مهما في منصبه الجديد، رغم القيود. ‘لما كانت صلاحياته ومهماته تنحصر في موضوعات اقتصادية فانه يستطيع ان يؤدي دورا مهما في انشاء البنية التحتية الاقتصادية في الضفة’، يقول شار. ‘لكن ما زالت توجد اسئلة كثيرة مفتوحة مثل كم من القوة سيملك، وكم سيكون طول الحبل الذي سيحصل عليه من أبو مازن، وأي حلول اقتصادية سيجلب، وهل لن تضايقه حماس في عمله’.
يديعوت 7/6/2013