من يتأمل عالم اليوم يرى أن هناك صعودا كبيرا لأحزاب اليمين والحركات العنصرية المتعصبة والسياسة الأحادية الرافضة لمبدأ التعددية، والأحزاب الشوفينية الكارهة للغرباء، والهجرة العابرة للحدود. وهذه الأحزاب استعملت خطاب الخوف والإرهاب والتأثير على النسيج الاجتماعي من قبل المهاجرين، فرفعت شعارات عنصرية ولعبت على وتر العصبوية الوطنية، وربطت بين الأفعال التي يقوم بها أفراد أو حركات إرهابية لتدين كل أتباع ذلك الدين أو العرق أو اللون.
صعود اليمين أصبح طاغيا، فقد أعيد انتخاب نارندرا مودي في الهند صديق نتنياهو وترامب وجايير بولسونارو في البرازيل، الذي يعتبر ترامب مثله الأعلى وبوريس جونسون في بريطانيا صديق ترامب، وبالإضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل والهند وبريطانيا، هناك الآن أحزاب يمينية شعبوية تحكم كلا من أستراليا وكندا وجمهورية التشيك والدنمارك وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا والسويد وإستونيا وتشيلي والسلفادور وبلغاريا وفنلندا واليونان. والعديد من الدول التي ذهبت إلى صناديق الاقتراع في السنوات الثلاث الأخيرة، استندت إلى موقف الرئيس الأمريكي ترامب، الذي جسد كل تلك التوجهات بشكل فظ، بدون مواربة أو تردد، واستفادت من شعبويته وشعاراته وخطابه العنصري، وبعضها تلقى مساعات مباشرة أو غير مباشرة لإسقاط مرشح الوسط أو اليسار. أما الدول التي تعاند الولايات المتحدة ولا تخضع لمقاييسها ولا ترحب بسياساتها فتجدها تتعرض إلى مشاكل داخلية مثل، فنزويلا وإيران وباكستان وكوريا الشمالية وروسيا والصين وبوليفيا، ومجموعة صغيرة من الدول الموزعة على القارات الثلاث: افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
إنها مرحلة عولمة الكراهية والعنصرية والتمييز ضد الأجانب والمهاجرين والفقراء وإسقاط أي قيمة للقانون الدولي
الشيء المشترك بين تلك الدول المتجهة نحو اليمين، أنها ترفع شعار الوطن أولا ولا يهمها أمر الفقر والفقراء في العالم. وثانيا لا يعنيها أمر القانون الدولي والتوافق حول مبادئ العدل والسلام والحرية. وثالثا تغمض عينيها عن انتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم التي قد يرتكبها أي نظام بحق أبناء شعبه، إذا كان حليفا للبيت الأبيض حتى لو قطع أبناءه بالمناشير، وأغلق الزنازين على فتيات يطالبن بشي من الحرية والعدالة وأعدم المعارضين السلميين للنظام نهارا جهارا. ويقف على رأس هرم اليمين العالمي هذا زعماء أكبر ديمقراطية في العالم، وأقوى دولة في العالم، وأغرب كيان لقيط في العالم، يستمد سبب وجوده من تلفيقة تاريخية لا أساس لها من الصحة. ولنراجع بعض ما قامت بها تلك الأنظمة مؤخرا.
مودي وضم كشمير
أعلن وزير الداخلية الهندي، أميت شاه، يوم الاثنين الخامس من هذا الشهر إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، التي تمنح الحكم الذاتي لمنطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة، وهو الوضع الذي ظل سائداً طوال 70 سنة. وقد اتخذ هذا القرار في مخالفة صريحة لاتفاقية «الحكم الذاتي الموسع» للإقليم، الذي ينص على ضروروة اللجوء الإلزامي إلى جمعية كشمير والبرلمان وشعب كشمير، في حالة إجراء أي تغيير. وهذا القرار الغريب مخالف للقانون الدولي بشكل صارخ، إذ إنه ينتهك العديد من القرارات الدولية، خاصة قرارات مجلس الأمن التي تدعم حق شعب كشمير في تقرير مصيره عن طريق استفتاء حر عادل ونزيه، كما نص على ذلك القرار 47 الذي اعتمد في 21 أبريل 1948، والقرار 91 (1951) الذي دعا إلى تحكيم محكمة العدل الدولية، ورفضت ذلك الهند وتبع ذلك عدد آخر من القرارات مثل القرار122 (1957) و211 (1965).
ولاستيعاب ردة الفعل المتوقعة من الشعب الكشميري، أرسل مودي سلفا أكثر من عشرة آلاف جندي إضافي لكشمير مدججين بالسلاح، وباشروا فورا باستخدام الذخيرة الحية لقمع الاحتجاجات، حيث أصيب أكثر من 500 شخص وفقد الكثيرون حياتهم، منذ إعلان إلغاء الوضع الخاص بالإقليم. وقد تم قطع كافة خطوط الاتصال وشبكات الإنترنت عن كشمير، وأصبح الإقليم معزولا تماما عن بقية الهند والعالم.
وأعلن مودي أنه سيسمح للهنود الانتقال للعيش في الإقليم، والاستثمار والتملك وهو مخالف للقرارات المذكورة. ومكافأة لمودي على هذا القرار الذي ينتهك حقوق 12 مليون كشميري في الداخل، غالبيتهم الساحقة من المسلمين ونحو 10 ملايين في الخارج، سارعت المملكة العربية السعودية الإعلان عن ضخ مبلغ 15 مليار دولار في الشركة الهندية الحكومية المتخصصة في البترول وهي «ريلاينس إندسترز ليمتد»، التي ستستثمر في كشمير. باكستان من جهتها تشعر بأن الهند تختبر صبرها وقوة احتمالها وسعة صدرها، لكن بالتأكيد لن تسكت باكستان على هذا التطور الخطير، وقد تنقله إلى مستويات دولية عديدة. لكن الورقة الرابحة والأكثر فاعلية هي غضب الجماهير الكشميرية، التي خرجت بالملايين تحتج على هذا التطور. وقد تعيد باكستان حساباتها في موضوع العلاقة مع الهند، خاصة إذا فشلت كافة جهود الوساطة، لكن مودي، كما أخبرتني سفيرة باكستان في الأمم المتحدة، يشعر بأن وجود رئيس في البيت الأبيض مثل ترامب، لا شك يقوي من عزيمته ويدعمه ويقف خلفه.
نتنياهو وبرنامجه الانتخابي
لا أحد أسعد من نتنياهو بهذه التطورات، فأي أزمة دولية تبعد الناس عن الاهتمام بفلسطين المحتلة، ومتابعة وكشف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، التي ترقى إلى جرائم حرب، تكون موضع ترحيب لإبعاد الدوائر العالمية عن الاهتمام بفلسطين وما يجري لشعبها على أيدي المحتلين. فهناك تشابه كبير بين احتلال وتقسيم منطقة كشمير، التي تسكنها غالبية مسلمة، وما يجري من استيطان إحلالي تفريغي عنصري في فلسطين المحتلة، خاصة الضفة الغربية. إن تقرأ عن ممارسات الهند في كشمير وممارسات إسرائيل في فلسطين تجد كثيرا من التشابه ولا نعرف من يتعلم من الآخر، لكن بالتأكيد تحاول إسرائيل أن تتعلم من الهند، وتتعامل مع العالم وكأن القضية الفلسطينية غير موجودة، ولم تعد أولوية لأحد، كما هو الحال بالنسبة لكشمير. وقد يكون هذا التوجه أحد الأسباب التي قوت العلاقات بشكل غير معهود بين البلدين،
والحديث عن عنصرية نتنياهو وانتهاكاته للقانون الدولي، يتطلب مجلدات، وسأكتفي هنا بانه يعد ناخبيه بإعطاء الشرعية للمستوطنات، وضمها لإسرائيل تماما، وإلغاء الفروق بين المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وكأنه هو مصدر القانون، كما يعد بأن القوانين الإسرائيلية ستطبق على كل ما هو غرب نهر الأردن، ويعد بأن التطبيع مع الدول العربية سيظهر إلى العلن أكثر، خاصة مع السعودية. إن عودة نتنياهو للحكم يوم 17 سبتمبر المقبل، ستثلج صدري رفيقيه ترامب ومودي، وسينتقل إلى المرحلة التالية من تهويد القدس، وتقسيم الأقصى، وضم المستوطنات والتوسع في الهدم والسجن والتضييق على الفلسطينيين، ليهجروا وطنهم، وهو الهدف النهائي لصفقة القرن الذي صاغها هو وأخرجها ترامب للعلن.
ترامب وثنائية العنصرية وازدراء القانون الدولي
يوم 23 يوليو الماضي ألقى جيسون غرينبلات، تصريحا خطيرا في مجلس الأمن الدولي، اعتبر مفارقة مذهلة عن السياسة الأمريكية المتبعة بشكل عام في موضوع القانون الدولي، حتى لو كان ذلك التأييد شفويا. فقد أعلن أمام أعضاء مجلس الأمن بكل جرأة وتحد وعنجهية، أن الإجماع الدولي لا يعني شيئا وهو ليس قانونًا دوليا، وأن قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة لا قيمة لها، ولا فائدة من الرجوع باستمرار إليها، لأنها صيغت بطريقة غامضة، بل ذهب بعيدا في هذا الإزدراء واستخدم لأول مرة كمسؤول أمريكي مصطلح «يهودا والسامرة» بدل الضفة الغربية. أما عنصرية ترامب الشاملة ضد غير البيض الأغنياء، فتملأ وسائل الإعلام. وحديثة أمام جمهوره ضد النائبات الأربع اللواتي يسميهن بالعصابة، ودعوته لهن بالعودة إلى بلادهن أكبر مثال على هذه العقلية.
الشيء اللافت للنظر أنه أصدر يوم الاثنين الماضي قوانين للهجرة تزيد عن 800 صفحة، تحول طريق الحصول على حق الإقامة الدائمة ثم المواطنة من مجموعة خطوات قانونية إلى خطوات اقتصادية. فالقوانين الجديدة عنصرية في جوهرها ضد الفقراء، إذ تحرم من يحتاج إلى مساعدات حكومية في مجال الصحة والسكن والغذاء من حق الإقامة والمواطنة. وحسب تقديرات الخبراء فهذا العدد قد يشمل 26 مليون مهاجر شرعي، ينتظرون أوراقهم للتحول من مهاجر شرعي إلى مقيم دائم إلى مواطن. وتصريحاته ضد المهاجرين من أمريكا اللاتينية والدول الافريقية والإسلامية كثيرة، حيث سمى قافلة المهاجرين المقبلة إلى الحدود «غزوة» ووصف المهاجرين المكسيكيين بأنهم قتلة وبائعو مخدرات ومغتصبون.
الخطورة في هذا الثالوث أن تأثيره كبير جدا وبين الرجال الثلاثة أشياء كثيرة مشتركة، حيث يفاجئونك كل يوم أو أسبوع بقرارات جديدة عنصرية في جوهرها وتنتهك القانون الدولي في تطبيقاتها. إنها مرحلة عولمة الكراهية والعنصرية والتمييز ضد الأجانب والمهاجرين والفقراء وإسقاط أي قيمة للقانون الدولي فأين سيأخذون هذا العالم إذا ما تم استنساخ طبعات جديدة من هذا النوع من القادة في عالم اليوم؟
محاضر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
مقال رائع ويكشف للمرة الألف أن العولمة وهم وأن الانسان يبقى انسنا بمصلحته الضيقة وبشعوره الغريب أحيان. هذا المقال يذكرني بمقال كان كتب في مجلة الايكونوميست البريطانية في 1991 بعنوان “وداعا الدولة -الأمة” وأهلا بالعولمة. اليومعلى اللايكونوميست أن تكتب مرة أخرى ولكن بالعكس “وداعا للعولمة”وأهلا للدولة العميقة والمنغلقة”. يبدوا أن العالم يسير الى جحيم والمستفيد منه هي الدول المالرقة الجديدة الثلاثة وهي: أمريكا، اسرائيل والهند.
لا لوم عل كل هؤلاء المتطرفين..اللوم على القوانين …فهى مجرد لوائح منشورة ..ليس لها انياب تكشر عنها فى حلة مخالفة احدهم لها…اللوم على الامم المتحده التى انشؤها حسب المقاس الغربى ولم يؤخذوا بالحسبان باقى دول العالم المستضعفة..اليوم نتحدث عن ثورة هنا واخرى هناك…انتفاضة فى باريس واخرى فى هونج كونج…وغدا…نعم غدا ربما يسجل التاريخ صحوة بركان شعبى يجمع كل شعوب العالم ضد الظلم والاستبداد والعنصرية…..كلام مش فى الهوا..!!!!
التفاو’ل بما هو قادم
من بعد التحية للاستاذ عبد الحميد صيام :
لقد ختمت المقال متسائلاً أين سيأخذون هذا العالم إذا ما تم استنساخ طبعات جديدة من هذا النوع من القادة في عالم اليوم؟
الجواب : هو كل ما بني ويبنى وما سيبنى على باطل ذاهب إلى الجحيم وصانعوه، والوطن باقي ينتظر القادة الشرفاء لتحكمه مهما طال أو قصر الزمن .