نواكشوط – “القدس العربي”: يتابع الموريتانيون باهتمام غير مسبوق الخطوات التي سيتخذها القضاء الموريتاني بخصوص ملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وذلك بعد أن فوجئوا فجر اليوم بإطلاق سراحه من طرف شرطة الجرائم الاقتصادية التي تابعت على مدى أسبوع التحقيق معه حول ملفات فساد ونهب للمال العام أحالها البرلمان للقضاء إثر تحقيق في تسيير ولد عبد العزيز للشأن العام على مدى السنوات العشر التي حكمها (من 2009 حتى 2019).
وأكد مصدر مقرب من الملف أن “الرئيس السابق أطلق سراحه بضامن إحضار، مع وضعه تحت المراقبة المباشرة لشرطة الجرائم المالية والاقتصادية، وسحب جواز سفره، ومنعه من مغادرة العاصمة نواكشوط”.
وسرد الدكتور الشيخ بتار وهو مدون نشط في هذه القضية، معلومات عن ظروف اعتقال وتحرير الرئيس السابق، أكد فيها أن “الرئيس عزيز لم يلتق منذ اعتقاله إلا برجال أمن الدولة، وكان اتصالهم الوحيد به هو تسليمه ورقة للتوقيع عليها، وأنه سيطلق سراحه بعد توقيعه مباشرة، وأكدوا له أنه هو أحد أفراد المؤسسة العسكرية ويعرف كيف ومتى يتم أخذ الاحتياطات الأمنية، وأنه كان لزاما على الأمن اعتقاله لتصرفاته الأخيرة”.
وأضاف الدكتور بتار أن “الأمن اشترط على الرئيس السابق شروطا منها لا مؤتمرات صحافية، ولا حضور أي نشاط سياسي، ولا سفر خارج نواكشوط بدون إذن، ولا حديث أبدًا عما دار بينه وبين الرئيس الغزواني منذ استلام الأخير للسلطة سواء في المجالس الخاصة أو العامة، وحجز جواز سفره لدى دائرة الأمن”.
وعلق الدكتور بتار قائلا: “انتظروا مزيدا من الصدام بين الرئيس السابق والدولة لكن بعد خروج عزيز من صدمة الاعتقال”.
ومع أن النيابة لم تعط لحد ظهر يوم اليوم أية توضيحات عن ظروف تحرير الرئيس السابق، فالظاهر أن تحريره جاء تطبيقا للمادة 27 من قانون مكافحة الفساد التي تنص على أن مدة الحراسة النظرية 48 ساعة قابلة للتمديد 3 مرات بإذن كتابي من وكيل الجمهورية.
وأعاد خصوم الرئيس السابق في تعليقاتهم على تحريره المطابق للقانون للأذهان عدم احترامه للآجال القانونية خلال فترة حكمه، حيث كتب الإعلامي البارز حنفي دهاه: “لم يكن ولد عبد العزيز يحترم هذه الآجال القانونية في سجنائه السياسيين: فقضية السيناتور ولد غدة الشهيرة، ينطبق عليها قانون الإجراءات الجنائية الذي ينص على أن الحراسة النظرية 48 ساعة تجدد مرة واحدة، ما زاد على ذلك فهو توقيف تحكمي خارج على القانون، وهو ما خضع له السيناتور ستة أشهر بأمر من الرئيس السابق نفسه”.
وأضاف: “احترام القانون أمرٌ جيد، وهو ما سيعطي مصداقية لأية إجراءات يتم اتخاذها في حق ولد عبد العزيز مستقبلاً، لكن الجانب السيئ للأمر هو أن بعض من أرعدوا وأبرقوا باسم القبلية والحمية النتنة قد يظنون أنها سبب إطلاق سراح الأرعن، وأن الدولة رضخت لضغوطاتهم وتهديداتهم، مما سيجعلهم يتمادون في غيّهم، ولهذا يجب على السلطات أن توازي بين احترامها للعدالة بإطلاق سراح الرجل وذبّها عن هيبة الدولة بالضرب بيد من حديد على الخطابات والاجتماعات القبلية”.
وكتب الإعلامي البارز علي عبد الله: “تتم ملاحقة ولد عبد العزيز لأسباب قيل إنها تتعلق بالاشتباه به في العديد من ملفات الفساد واختلاس المال العام، ومن الأكيد أن ولد عبد العزيز لم يثبت براءته من تلك التهم خلال احتجازه، ولم تسترجع منه المسروقات لا كليا ولا جزئيا، بمعنى أن هذا الملف ما زال يراوح مكانه”.
وتساءل ولد عبد الله: “ماذا تكون المحطة الموالية؟ هل سيتم توقيف الرئيس السابق من جديد لمواصلة التحقيق معه حول الفساد وحول ملف آخر يتعلق بأمن الدولة يتم الحديث عنه منذ أيام؟ ما الذى جرى حتى يتم إخلاء سبيل الرئيس السابق بصفة فاجأت الرأي العام؟ هل هو تراجع العدالة عن مساءلته؟ هل هو ضغط مناصريه وتهديدات غليظة بالعنف أطلقها بعضهم؟ أم هل أن الأمر يتعلق بانقضاء الفترة القانونية للحراسة النظرية وسيتم من جديد إلقاء القبض من جديد على هذا المتهم؟ هذه بعض الأسئلة التي تبقى مطروحة لدى الرأي العام الذى يهتم كثيرا بحيثيات هذا الملف وما سيؤول إليه من استرجاع للمسروقات ومحاسبة حازمة للمشتبه فيهم فى قضايا تتعلق بالفساد”.
وعلق الدكتور الجامعي علي ولد اصنيبه قائلا: “فترة الـ 48 ساعة المجددة 3 مرات انتهت وعليه، إما أن يرسل المتهم إلى الادعاء وهذا غير ممكن لأن من شملهم الملف لم يستمع لهم كلهم، أو يطلق سراحه على أساس أن متابعته غير واردة، ويبدو أن تسرعا ما حصل في البداية عند توقيف المتهم الذي كان من المفترض أن تتم مساءلته دون سجنه، لذا على النيابة توضيح الأمر للرأي العام؛ وعلى أية حال من سرق مال الشعب مآله السجن ورد كل المسروقات، فلا أحد فوق المحاسبة ولا فوق القانون”.