نواكشوط ـ «القدس العربي»: أطلقت الحكومة الموريتانية،أمس الثلاثاء، جلسات تشاور وطني موسع حول إصلاح النظام التعليمي الموريتاني الذي يعاني من اختلالات بنيوية لم تقومها الإصلاحات العديدة المتكررة التي شهدها النظام التربوي منذ الاستقلال.
وأكد وزير التهذيب الوطني الموريتاني محمد ماء العينين أييه، في مداخلة له أمام جلسات التشاور التي افتتحها الرئيس الموريتاني الثلاثاء، “أن الاهتمام منصب حول انتشال المدرسة الموريتانية من وضع أجمع كافة أطراف العملية التربوية والشركاء المهتمون بالتعليم على أنه لم يعد يحتمل التأخير”.
وقال “إن الحكومة صادقت على خريطة طريق خاصة بإصلاح القطاع في فبراير/شباط 2020 وباشرت الوزارة إطلاق ورشات العمل التي طالت مجمل مناحي العملية التربوية”.
وأشار إلى “أن جائحة كورونا وإن كانت قد حالت دون إطلاقِ التشاور الموسع حول إصلاح القطاع قبل الآن، فإن الاهتمام الذي يناله الشأن التربوي لدى الرأي العام، وانتشار وسائط التواصل الاجتماعي، وجو الحريات الكبير، والانفتاح الذي شهدته الساحة السياسية، كلها عوامل وفرت لكل ذوي الخبرة والاهتمام بالشأن التربوي عديد الفرص لإبداء الرأي؛ تشخيصاً لواقع القطاع، واقتراحاً لما يصلح شأنه”.
وأضاف “أن إطلاق جلسات التشاور الوطني حول إصلاح النظام التعليمي اليوم يتوج مسار تشاور تربوي جهوي انطلق منذ شهر، بدأت مرحلته الأولى بلقاءات تحضيرية شملت الأحزاب السياسية والمنتخبين والطيف النقابي وآباء التلاميذ ومنظماِت المجتمع المدني الناشطة في المجال التربوي، ضمن حضور بارز لرابطات ترقية اللغات الوطنية وغيرها”، مشيراً إلى “أن هذه اللقاءات التحضيرية اكتملت بورشات جهوية في كافة عواصم الولايات شارك فيها أكثر من ألف من نشطاء العملية التربوية، مع التركيز على أهل الخبرة والميدان، مما مكنهم من إجراء تشخيص معمق لواقع القطاع، وصياغة تصورهم لسبل النهوض به”.
وأضاف الوزير “أن هذا التشخيص والمقترحات المنبثقة عنه استند إلى نتائج دراسة ركزت على استثمار الإصلاحات التربوية السابقة، وتقييم إصلاح 1999، واستغلال تقرير المنتديات العامة للتعليم التي نظمت سنة 2013″، مبرزاً “أن قطاع التعليم أطلق، سعياً لضمان أوسع مشاركة ممكنة وتزامناً مع الورشات الجهوية، منصة رقمية تشمل منتدى افتراضياً شهد زيارة ما يزيد على مليون ومئتي ألف متصفح، وأكثر من 19.000 عملية تنزيل للوثائق المعروضة للتشاور، وإيداع ما يناهز ألف مشاركة مكتوبة من ضمنها مشاركات عديدة من جالياتنا في الخارج عكست خبرة عالية ونظرة متبصرة”.
وأشار إلى “أن المحطة التي انطلقت اليوم تشكل مرحلة مهمة في مسار التشاور حول إصلاح نظامنا التعليمي، حيث تسجل حضوراً استثنائياً غير مسبوق للطيف السياسي الوطني، ونقابات التعليم، والمركزيات النقابية الوطنية، ومنظمات آباء التلاميذ والمجتمع المدني، إضافة إلى مئات الخبراء والمهتمين بالشأن التربوي من مختلف الأجيال، مع حضور لافت للمدرسين الميدانيين”.
وأضاف “أن هذا اللقاء يشكل فرصة استثنائية لتحقيق إجماع وطني واع وصلب حول مواصفات المدرسة التي نرتضيها لتربية أجيالنا الحاضرة والتي نفخر بتوريثها لأجيالنا القادمة، إجماع يرسم غاياتها وأهدافها، ويحدد سبل تحقيقها للإنصاف في الولوج إلى المعارف، وضمانها لتعليم شامل ذي جودة عالية يفضي إلى تكوين مواطن موريتاني متشبع بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ينبذ الغلو والتطرف، مواطن متشبث بقيم الديمقراطية، متشبع بالثقافة العربية والإفريقية الأصيلة، منفتح على العالم وقادر على التأثير فيه، قادر على اكتساب المهارات المهنية ومهارات الحياة، واع بتحديات التنمية المستدامة”.
وأكد الوزير “أن مخرجات هذه الأيام التشاورية ستمكن من صياغة القانون التوجيهي للتعليم، كما ستفضي إلى تحديد الأولوياتِ التي يتعين أن ينصب عليها الجهد لإرساء المدرسة المجسدة لطموح الشعب الموريتاني”.
وتهدف هذه الجلسات التشاورية، التي مهدت لها مشاورات على مستوى الولايات الداخلية، حسبما أعلنته وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، “إلى تشخيص المنظومة التعليمية لتحديد ما يعتريها من اختلالات سعياً لجعلها تحقق متطلبات التنشئة وتكوين مواطنين ذوي مهارات ومعارف قادرة على المساهمة البناءة في عملية التنمية المستديمة مع الاعتداد بثقافة التعايش والسلم الاجتماعي ومستلزمات الانفتاح الإيجابي على الآخر”.
وتسعى هذه الجلسات كذلك “إلى وضع خريطة طريق تجعل المؤسسات التعليمية الوطنية قادرة على مواكبة السياقات الاجتماعية والاقتصادية التي لا تعرف الرتابة وتستوجب التخطيط المحكم والتحضير الجيد لتحيين المناهج التربوية اللازمة لتحقيق الأهداف المنتظرة منها طبقاً للهدف الرابع من أهداف التنمية المستديمة الرامي إلى توفير تعليم نوعي ومنصف للجميع قبل سنة 2030”.
وتأتي جلسات التشاور الوطني حول إصلاح النظام التعليمي لتأهيل المرفق التربوي بشكل خاص بغية تحسين مستوى خدماته، وجعله قادراً على الاستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، والدفع بالدولة إلى مصاف الدول المتقدمة من خلال تكوين أجيال قادرة على تحمل هذه المسؤولية.
وسيتابع المشاركون في الجلسات على مدى خمسة أيام جملة من العروض والنقاشات تشمل تشخيص النظام التربوي الموريتاني والدروس المستخلصة من مختلف الإصلاحات التربوية، واستعراضاً لرؤية “مدرستنا” القائمة على التوحيد الفعلي للنظام التربوي الوطني، وترقية التربية على المواطنة، والإنصاف المدرسي والدمج بوصفهما من دعائم المدرسة الجمهورية، والتعليم الأصلي، ومحو الأمية، إضافة إلى تدارس مقاربة “الحكامة والجودة”، التي تشمل الخريطة المدرسية وحكامة النظام التعليمي، والمستلزمات الدراسية والشعب، وتسيير المصادر البشرية، والتكوين التقني والمهني، وترقية العلوم والرياضيات والتقنيات الجديدة، والتعليم العالي.
وسينظر المشاركون خلال هذا التشاور في حصيلة المشاورات الجهوية حول إصلاح التعليم، كما سيتدارسون التقرير الوطني حول إصلاح النظام التعليمي.
وتغطي أجندة التشاور الإشكاليات المطروحة على مستوى مختلف مراحل التعليم ابتداء من التعليم المحظري إلى ما قبل المدرسي إلى الأساسي والثانوي والمهني ثم العالي، بما في ذلك القضايا المتعلقة بلغات التدريس والمقررات الدراسية ومضامينها وكفاءة المدرسين ونوعية العرض المدرسي وجودة التعليم ونجاعته وضرورة مواءمته مع الحاجات التنموية للبلاد.