نواكشوط – «القدس العربي»: هزت وثيقة سرية تؤكد تورط مسؤولين موريتانيين كبار في تهريب مبالغ ضخمة من الدولار خلال العهد الحالي، الساحة السياسية الموريتانية، وأثارت نقاشاً ساخناً لم ينقطع لحد الآن.
وجاء الإعلان عن هذه الوثيقة من طرف أحمد ولد هارون، وهو سياسي موريتاني بارز سبقت إقالته من مستشارية وزير العدل إثر تسجيلات صوتية انتقد فيها الرئيس الغزواني وأعوانه ونظامه.
وازدادت قوة هذه الهزة بعد اعتقال الشرطة يوم أمس، لولد هارون وإخضاعه للاستجواب حول الوثيقة السرية المذكورة التي أكد ولد هارون خلال برنامج “في الصميم” الذي تبثه قناة “المرابطون” الموريتانية الخاصة، أنها في حوزته وأنه “اطلع عليها بمكتب وزير العدل أيام كان يعمل مستشاراً له، موضحاً “أن الوثيقة التي تضم أسماء المتورطين في تهريب الدولار، أرسلت لرئيس الوزراء ثم للرئيس الغزواني، الذي لم يقم بأي إجراء ضد المتورطين في التهريب، بل إن مجموعة المتورطين المعنيين يتولون اليوم مناصب مهمة في الدولة”، حسب قوله.
ونفت وزارة العدل في بيان وزعته أمس وتلقت “القدس العربي” نسخة منه “وجود وثيقة بالصفة والمضمون الذي ذكره المستشار السابق”، موضحة أنها “ترفض وتستنكر الطابع التحاملي المخالف للقانون لتصريحات المستشار السابق وما انطوت عليه من تلفيق وسوء نية تجاه مرفقه السابق”.
وأكدت “أن الأمر لا يزيد على مجرد إبلاغ روتيني بمعلومات وردت في تصريحات مشتبه بهم في مرحلة بحث ابتدائي، وقد تم التوجيه وقتها بالتحقيق في تلك المعلومات على صعد مختلفة، ومن خلال عدة جهات، بشكل فعال، فتأكد أن الموضوع يتعلق بعمليات مالية عادية وطبيعية لبعض مرافق الدولة في سنوات سابقة، ولا شبهة فيها نهائياً”.
وأوضحت الوزارة في بيانها “أن الأشخاص الذين أدلوا بتلك المعلومات في مرحلة البحث الابتدائي، بمن فيهم المتهمة الرئيسية في القضية، أدلوا بها لاحقاً علناً أمام القضاء، بما في ذلك مرحلة المحاكمة العلنية أمام جمهور واسع، واتصل بها القضاء المختص، وتناولتها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ولم تعد قضية سرية ولا جديدة”.
“ورغم سوء فهم البعض من غير الفنيين لتلك المعلومات، تضيف الوزارة، عقب سماعها في قاعة المحاكمة، والاطلاع عليها في محاضر قضائية سربها البعض قبل أشهر، فإنه في الواقع وبعد اتصال القضاء بها وخضوعها لتحقيقات مختلفة مالية وجنائية، لم يظهر فيها أي خلل مالي أو عنصر جزائي”.
وشددت التأكيد على “أنه لم يتم مطلقاً التدخل لمنع أي تحقيق في أية معلومات تتعلق بالمال العام يحصل العلم بها، فالسياسة الجنائية المعمول بها في بلادنا في هذه الفترة تقوم على الصرامة في مجال حماية الأموال العمومية ومنع الفساد، دون شطط ولا تحامل ولا انتقائية، مع خلق الجو الملائم للأجهزة المختصة للقيام بمهامها طبقاً للمعايير الفنية والقانونية”.
وعكساً لما ذكرته الوزارة، فقد أكد ولد هارون، وهو رجل قانون، “أنه حصل على وثيقة سرية تثبت تورط عشرات المسؤولين في تهريب ملايين من العملة الصعبة خارج البلد”.
وقال: “اطلعت على وثيقة رسمية موقعة ومختومة تتحدث عن أشخاص يحملون ملايين الدولارات خارج البلد، وهذه الوثيقة وجدتها على مكتب وزير العدل وأرسلت للوزير الأول ووصلت للرئيس ولم يترتب عليها أي شيء”.
وأمام توضيحات الحكومة وتصريحات ولد هارون، يتواصل على نطاق واسع نقاش هذه القضية على شبكات التواصل الاجتماعي من طرف السياسيين والمدونين في صفي المعارضة والمولاة، مع الإجماع على رفض اعتقال ولد هارون بسبب التعبير عن آرائه”.
وانقسم المتابعون في تقييم التوجه الذي اتبعه ولد هارون مؤخراً وسط حديث عن خرقه السر المهني وعن حدود ضوابط ذلك السر ومدى إلزامية الشخص به بعد مغادرته مركز الوظيفة.
وكتب المدون حبيب الله ولد أحمد: ” ماذا تقف محاسبة المفسدين فى مكاتب الرئاسة وتطوى ملفاتهم ببساطة وتوضع على الصامت، فولد هارون ذهب أبعد من ذلك عندما قال إن الوثيقة التي اطلع عليها فى مكتب وزير العدل وذابت في الرئاسة تتهم شخصيات وازنة بحمل ملايين الدولارات خارج البلاد، وبدلاً من ملاحقتها قضائيا تم تعيينها فى قطاعات وزارية مفصلية، منها الصيد.. مثلاً”.
وقال: “ولد هارون رجل قانون يعرف معنى أن يتحدث عن وثيقة بهذه الخطورة والحساسية دون أن يحتفظ بها أو بما يحتاط به لنفسه إن رأت السلطات أنه أفشى سراً أو استهدف النظام بقنبلة عليه البرهنة على أنها ليست صوتية فقط، ويتطلب الأمر من النظام فتح تحقيق فى الوثيقة المذكورة ومساءلة من وردت أسماؤهم فيها إن كانت حقيقية”.
وكتب المدون والسياسي إسماعيل يعقوب: “من حق الشرطة أن تعرف ما الذي قاله الرجل، خصوصاً إن كان شهد أو شاهد فساداً؛ ومن حق الرجل أن يذكر ما لديه بالتفصيل الممل أو لماماً، وإذا كان استدعاؤه لتكميم فيه فذلك عزف نشاز في مقام نشاز”.
وعلق الإعلامي حنفي دهاه، بقوله: “اعتقال الأستاذ أحمد بن هارون غير موفّق البتة، لأنه في صميمه مصادرة لحرية التعبير والرأي، وهو مسعىً يضرب صاحبه في حديد بارد، لأن ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي من فرص التعبير يشبه السعيُ لمنعه مَنْ يحجب الغزالة رأدَ الضحى بغربال، أو يقبض على الماء فتخونه فروج أصابعه”.
وأضاف: “لا أعتقد إطلاقاً أن للرئيس غزواني نزعة لضرب روح الديمقراطية، لذلك لا أرى إلا أن من أشاروا عليه بتوقيف ولد هارون، جانبوا الصواب والمصلحة كثيراً”.
وعلق الصحافي حسن لبات، على حادثة اعتقال ولد هارون قائلاً: “البارحة فجر أحمد قنبلة من العيار الثقيل: إما أن يقوم الشاهد بتقديم الوثيقة التي أكد حيازته لها وهو ما يفتح باب متابعة المتهمين بالفساد، وإما أن يرفض تقديمها ويتحمل التبعات التي ينص عليها القانون، وأحمد أول العارفين”.
وكتب المحامي والوزير السابق محمد أمين: “بالنسبة لي: توقيف ولد الشيخ سيديا ليس من أسباب السرور ولا من دواعي الغبطة، لقد زعم أن بحوزته وثيقة تثبت تواطؤ النظام مع مفسدين هربوا ملايين الدولار، وعليه الآن أن يستظهر بهذه الوثيقة أو يعتذر عن زلة لسان غير مناسبة وغير مقبولة”.
وعلق الصحافي أحمد مصطفى قائلاً: “الرئيس محمد ولد الغزواني “متكتم نفسه” على مئات الوثائق المتعلقة بالفساد، والكاشفة للمفسدين، والتي أوردتها محكمة الحسابات في تقاريرها، سواء التقارير التي نشرت، أو التقرير الأخير الذي لم ينشر رغم صراحة القانون في الأمر بذلك، وبالتالي، فلا توجد ذرة غرابة في “تكتمه” على وثيقة حول تهريب مسؤولين لمجرد ملايين من الدولارات، وردت في وثيقة واحدة، وأخذت مساراً كان يفترض أن يكون سرياً”.