موريتانيا: البرلمان يؤجل مناقشة قانون الرموز.. والجدل يتواصل حوله

عبد الله مولود
حجم الخط
0

نواكشوط- “القدس العربي”: ما زال الانشغال في موريتانيا منصبّا على قانون الرموز المثير للجدل، الذي يتوقع أن يعرض الثلاثاء على البرلمان.

ويسعى الساسة والصحافيون والمدونون عبر حملات نقد واسعة لإلغائه وكبح مسار عرضه على الجمعية الوطنية لكونه حسب رأيهم، يشكل “تراجعا كبيرا للحريات”.

وتحدثت مصادر برلمانية عن تشكيل لجنة مشتركة من أطياف سياسية عدة مكلّفة خلال أربع وعشرين ساعة، بتقديم مقترح لنص قانون حماية الرموز.

ويتقاطع هذا مع ما أكده حزب التجمع الوطني للإصلاح (الإسلاميون)، حول ضرورة فتح حوار سياسي حول مسألة الرموز أو إحالتها لأجندة الحوار السياسي الشامل المتوقع قريبا.

ويرجح أن يؤجل التصويت على قانون الرموز للدورة المقبلة، نظرا لما أثاره من حساسيات.

وبالتوازي مع إجراءات عرض القانون على البرلمان، يتواصل الجدل ساخنا حوله بين كبار الساسة والمفكرين، وهم بين مدافع عنه يرى أنه ضرورة وطنية، وناقد له يرى أنه “بالغ الخطورة على حرية التعبير وعلى الانسجام الوطني العام”.

وكتب الدكتور أبو العباس إبرهام معلقا على القانون المثير: “في مطلع هذا الشهر صرّح العميد والقانوني الكبير، محمّد الأمين ولد داهي، لمجلة “جون أفريك” أنّ غزواني قد نزَع الطابِع الشخصي عن السلطة (dépersonnaliser le pouvoir) ربّما قد فعل غزواني هذا أحياناً، ولكن ليس دوماً، وبالتأكيد ليس كذلك في العمق”.

وأضاف: “إنّ قانون حماية الرموز الذي يُمرّره غزواني مؤخّراً يبدو ظاهِرياً قانوناً لا شخصياً يرفع الرموز والحرمات فوق الشخصنة، ولكنّه في الواقِع هو من نمط شخصنة السلطة، التي خافَ منها البروفسير داهي؛ ففي الواقِع هذا قانون لحماية مشاعِر غزواني، الذي بعكس سلفِه، يقرأ المكتوب ويشعر به ويتألّم منه، والآن على الدولة حماية مشاعِره بالقوة، لقد كُنّا نخافُ من رئيس لا يقرأ؛ والآن صارَ كلّ خوفنا رئيسٌ يقرأ”.

وتابع أبو العباس: “للأسَف هذا القانون هو ترجمة لإرادة كان نظام غزواني قد واظَبَ عليها في قمع الرأي والكلام والخِلاف؛ تقليدياً، هذا قانونٌ غير موريتاني، إنّ الهيبة في التقليد المحلي تُشترى، ولا تُفرَض، تُشترى بالأفعال وبالاحترام، لا بالقوانين والشرطة؛ أيضاً، إنّ تقليد السخرية من السلطة هو إرثٌ موريتاني”. وقال: “صحيحٌ أنّ السلطوية كانت تراه دوماً سيبة وبداوة وخروجاً من تاريخ القانون، ولكنّه كان دوماً ثقافة وهامشاً للحرية، صحيح أنّ الكلبية والعبثية السائدة تطفَح في هذا الحق وتُتفِّهُه، ولكنّه حق: هذه الثقافة اليوم مهدّدة، بالجاه والنفوذ، ففيما تُشترى صحافة المؤسّسات بالجاه فإنّ الآراء الفردية ستُقمَع وتُنهَش بالقوة”.

وأضاف الدكتور أبو العباس: “هذا القانون أيضاً يحمي طفح وسلطوية المؤسّسات والمسؤولين، الذين كانت كاميرا الشوارعيين تفضحُهم دوماً، والآن يُطلَبُ إصمات هذه الرقابة الشعبية على السلطة: المشكلة أنّ هذه الرقابة هي الرقابة الوحيدة المتاحة في نظامِنا، إذ لا تقوم المؤسّسات البحثية أو البرلمانية بالحديث الكاشف للأمور اليومية، ما يُهدَّد اليوم ليس فقط لسان المواطِن، بل حتّى عينه وأذنه، لقد وُلِد ديكتاتورا، والآن يجب أنْ نستعيد حصانتنا التاريخية ضدّه”.

وفي صف المنتقدين، كتب المدون البارز سعد حمادي: “القانون الحالي، إن صودِق عليه، سيكون انتكاسة على مستوى حرية التعبير، وأغلب الظن أن تطبيقه سيؤدي إلى نتائج عكسية؛ لكن الأهم هو أنه سيؤدي حتما إلى تآكل سريع في شعبية الرئيس الحالي ونظامه القائم”.

وقال: “لا أدري من هم مستشارو الرئيس الحالي الذين أشاروا عليه بضرورة سَنِّ قانون لا فائدة منه، خصوصا أن الترسانة القانونية الحالية، حسب العارفين بالقانون، كافية أصلا لعلاج معظم ما تم طرحه في القانون المقترح”.

وأضاف حمادي: “أتمنى أن يرجع النظام إلى رشده ويسحب هذا القانون، بدل المضي قدما في  طرحه، فلدى موريتانيا من المشاكل والتحديات ما هو أجدر باهتمام الرئيس”.

وفي صف المدافعين عن القانون، كتب الوزير السابق سيدي محمد ولد محم: “بعد مطالعة متأنية لمشروع القانون المتعلق بحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن، أجزم بأنه لا توجد فقرة واحدة منه تشكل في اعتقادي مساسا بالحريات العامة ولا حق مواطنينا في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، بل إن سن هذا القانون يشكل ضرورة ملحة لضبط فضاءات الإعلام وتنظيفها وتمكين الكل من الولوج إليها دون أن يتلقى شتيمة أو قذفا أو إهانة في عرضه أو دولته ورموزها، ولأن الذين هاجموا القانون إنما كانوا يدافعون عن “حق” الذين لا خلاق لهم في توزيع الشتائم والإهانات والاعتداء على خصوصيات الناس دون أي رادع، ولم يفكروا في حق المهانين ومتلقي الشتائم والضحايا والذين تنشر خصوصياتهم وتسرب مكالماتهم، كما لم يفكروا في حقنا بأن لا يمس بهيبة الدولة التي أجمعنا على إقامتها والرئيس الذي انتخبناه ليُجسدها والعلم الذي يرمز إليها والنشيد الذي يعبر عن مكانتها وتاريخها ورسالتها”.

وقال: “لا تتحدثوا عن النقد فهو حق مصان، وحق كل مواطن في نقد سياسات الرئيس وقراراته وأداء حكومته وإدارته محفوظ بقوة القوانين، بل ومطلوب بإلحاح، ولن نقبل المساس به مطلقا تحت أي ظرف، إلا أن علينا أن نضع حدا فاصلا بين النقد مهما كانت حدته وصفته وبين الإساءة والتجريح وهو أمر كررناه مرارا”.

وأضاف الوزير ولد محم: “هذا القانون لا يعاقب النقد بأي معنى من المعاني، إنما يعاقب الإساءة والتجريح والمساس بهيبة الدولة ورموزها وأمنها ووحدة مكوناتها وخصوصيات المواطن وشرفه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية