نواكشوط – «القدس العربي»: بعد أن وصل العد العكسي لرئاسيات 2019 مرحلة متقدمة، ازداد في موريتانيا، أمس، الانشغال بالترشحات الخاصة بالرئاسة، حيث وضعت التوقعات والتكهنات الجنرال محمد ولد الغزواني وزير الدفاع الحالي، في مقدمة المرشحين لخلافة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز الذي أكد عدم ترشحه الأسبوع الماضي واحترامه للدستور.
وفي 1 أيار / مايو المقبل عند منتصف الليل يغلق إيداع ملفات الترشح للرئاسة، لأن القانون ينص على أن ينتهي آخر أجل لاستلام الملفات 45 يوماً قبل يوم اقتراع الشوط الأول الذي يتوقع أن ينظم يوم الأحد 16 حزيران / يونيو 2019 ، وإن لم يكن هنالك شوط ثان في 30 حزيران / يونيو 2019، فستتلاحق مساطر استلام السلطة من طرف رئيس الجمهورية المنتخب وتستكمل إجراءات مغادرة الرئيس المنتهية مأموريته.
وتجمع التكهنات على أن الجنرال غزواني هو مرشح الكشكول الحاكم حالياً، الذي يجمع جنرالات الجيش وشيوخ القبائل وعدداً كبيراً من السياسيين الداعمين لكل من يحكم.
وفتح بيان الرئاسة الصادر بتاريخ 15 كانون الثاني / يناير 2019 الباب واسعاً أمام الجنرال غزواني بوصفه الأوفر حظاً لتولي الرئاسة، فهو رفيق درب الرئيس عزيز الذي أكد بما لا يدع أي مجال للشك بأنه حزم أمره واتخذ قراره النهائي وأنه لا ينوي تغيير الدستور ولن يتقدم لمأمورية ثالثة.
واتفقت المعارضة في خارطة طريق خاصة بالانتخابات المقبلة أعلنت عنها مؤخراً على «العمل من أجل وجود مرشح موحد أو رئيسي في الحد الأدنى يكون جامعاً ومستوعباً، وقادراً على المنافسة، ومقنعاً ديمقراطياً ووطنياً.
لكن المعارضة الموريتانية تواجه حتى أمس مشكلة في اختيار مرشحها الموحد نظراً لتعدد الترشيحات ولصعوبة حسمها، وهو ما جعل الكثيرين ينتقدون تلكؤ المعارضة وفشلها في حل خلافاتها الداخلية.
يقول المحلل السياسي البارز، الدكتور الشيخ معاذ، في لهجة تشاؤم وعتب: «الأرجح ألا تتفق المعارضة الموريتانية على مرشح موحد، وربما قد لا يفي بعضها بوعد التحالف في الشوط الثاني إن هم رشحوا أكثر من واحد وتمكنوا من الوصول لشوط ثان».
وأضاف: «أقول هذا لأني سبق أن حاولت بمبادرة شخصية جمع كلمة المعارضة قبل النيابيات الماضية أو على الأقل التقريب بين وجهات النظر فيها، وقد اصطدمت بواقع مؤسف، مرده في نظري عدم جرد حساب الاستحقاقات السابقة، أتمنى أن يكون ذلك الواقع قد تغير وأن يكون القوم قد استفادوا من درس النيابيات رغم محاولتهم تحقيق قدر كبير من التحالف والمؤازرة».
وزاد: «أتمنى أن أكون مخطئاً في التخمين أعلاه، فالسياسة في هذا البلد محمولة على قرن ثور، تماماً كالأرض في الميثولوجيا الإغريقية القديمة».
ولم يستبعد الكاتب والسفير أحمد المصطفى، في تحليل للآفاق السياسية التي تقبل عليها موريتانيا، أن تشهد مرحلة ما بعد البيان الرئاسي الأخير فتح حوار جاد مع من كانت توصف بالمعارضة الراديكالية حول تنظيم انتخابات شفافة، فهنالك قواسم مشتركة حقيقية بين سعي الرئيس لترتيب المشهد الداخلي ومطالب المعارضة التي كان من أهمها تأكيد الرئيس على عدم الترشح وقد فعلها، أما مواضيع شفافية الانتخابات وإعادة هيكلة لجنتها ورقابتها الدولية وتحيين اللائحة الانتخابية، فكلها أمور في المتناول ومتاحة في الظرف الزمني المتبقي وتتناغم مع دعوات الفرقاء الغربيين ومع شروطهم للمشاركة في تمويل انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة، كما لا يستبعد أن يكون من أهداف الحوار المرتقب البحث عن مرشح جامع تجمع عليه الموالاة والمعارضة، فالتباين القائم على هذا المستوى ليس اختلافاً على مصالح الوطن العليا بقدر ما هو خلاف مصالح وتموقع وحسابات شخصية وجهوية وفئوية يمكن تجاوزها في لحظات، فموريتانيا اليوم أمام فرصة سانحة هرمت من أجل بلوغها أجيال وأجيال لتحقيق التحول من أنظمة الحكم المشخصنة المهجنة إلى دولة قانون ومؤسسات مدنية تفتح أمامها آفاقاً حقيقية للتطور والنماء وبإمكانها أن توظف ما لديها من مقدرات اقتصادية هائلة لخلق إطار حياة أفضل لكل الموريتانيين، وبات في متناولها أن تحقق معدلات نمو من رقمين في أفق 2025 وأن تضمن عبوراً آمناً إلى مصاف الدول المزدهرة المتقدمة في هذا الجزء من العالم».
وأكد السفير أحمد المصطفى «أهمية موقف الرئيس الخاص باحترام الدستور، لأن هذا الموقف يفتح أخيراً، حسب رأيه، أمام موريتانيا فرصة حقيقية لتحقيق تداول سلمي ديمقراطي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، ويفتح أمام الرئيس فرصة الخروج الآمن من أوسع الأبواب بوصفه رئيساً حقق إنجازات ملموسة على الأرض توجهاً بتكريس إنجاز التناوب الديمقراطي كثاني رئيس جمهورية بعد المرحوم اعل ولد محمد فال يغادر القصر الرمادي طواعية جهاراً نهاراً إلى منزله معززاً مكرماً احتراماً لرغبة الشعب مصدر كل السلطات».
«لقد أصدر الرئيس بياناً جيد المعنى والمبنى وهو خارج البلاد، بطريقة استعجالية مبررة سياسياً واقتصادياً، يضيف الكاتب أحمد، فعلى الصعيد السياسي وبالإضافة إلى عامل الزمن كان من الضروري أن يضع الرئيس حداً لمبادرات «انتهاك الدستور» والقوانين والنظم المعمول بها من طرف بعض المحسوبين عليه بوصفه المسؤول الأول عن احترام قوانين الجمهورية الساهر على عدم انتهاكها».
وقال: «وعلى المستوى الاقتصادي، ألقى عصر الغاز، الذي دخلته موريتانيا على حين غفلة من شعبها، بكل ثقله في ميزان الأحداث، فكبريات الشركات الدولية الضالعة في موضوع الغاز والتي دفعت إلى توقيع الاتفاق المعجزة لتقاسم الإنتاج بين موريتانيا والسنغال كانت قد بدأت تعبئة ما يناهز 73 مليار دولار تتطلبها إقامة البنية التقنية لبدء استخراج الغاز على مدى 50 سنة قادمة، وتهتم هذه الشركات اهتماماً منقطع النظير ومن خلفها دولها وكرتلات المساهمين فيها باستقرار المنطقة وبقائها فضاء آمناً وجاذباً للاستثمار على المدى القريب والمتوسط والبعيد».
وأضاف: «كاد تصاعد دعوات المأمورية الثالثة وما واكبه من احتقان في المشهد السياسي يرسل إشارات سلبية على هذا المستوى نجمت عنها شكوك لدى بعض الممولين حول هشاشة الواقع السياسي الداخلي كان لا بد من تبديدها بسرعة؛ فموضوع الغاز موضوع وطني إقليمي ودولي بامتياز، وفخامة الرئيس مدرك تمام الإدراك لما ورائيات الموضوع ولمآلاته، وقام بدور كبير في إزالة كل العراقيل والتحفظات على المستوى الإقليمي، ويهمه كثيرا أن يكون الانطلاق الفعلي للإنتاج مسك ختام مأموريته الأخيرة التي يتطلب انهاؤها بصورة ناجحة، بالإضافة إلى توضيب المشهد الاقتصادي، إعادة ترتيب المشهد السياسي على أسس جديدة».