نواكشوط – «القدس العربي»: أعلنت المعارضة الموريتانية أمس الخميس «أنها ستعمل على اختيار مرشح موحد أو رئيسي تكون أهم صفاته جمع لأكبر عدد من الموريتانيين الراغبين في التغيير، واستيعاب لطموحات ومطالب كل فئات وأعراق المجتمع، قادر على المنافسة، وأ يكون مقنعاً وملتزماً ببناء دولة المؤسسات والقانون والمواطنة، وأن يجسد برنامج التغيير الذي تحمله المعارضة الديمقراطية من عقود من الزمن».
جاء ذلك في بيان وزعه أمس التحالف الانتخابي للمعارضة الموريتانية، الذي يضم أحد عشر حزباً، هي حزب التجمع الوطني للإصلاح (محسوب على الإخوان)، وتكتل القوى الديمقراطية بزعامة أحمد ولد داده، وحزب اتحاد قوى التقدم، وحزب حزب المستقبل، وحزب اللقاء الديمقراطي الوطني، وحزب العهد الوطني (عادل)، وحزب الصواب (البعثيون)، وحزب التغيير الموريتاني، والحركة من أجل التغيير الديمقراطي، وحزب التناوب الديمقراطي، حزب الطلائع.
وأكدت المعارضة «أن الانتخابات الرئاسية التي أصبحت على الأبواب تعتبر منعطفاً حاسماً سيحدد مسار موريتانيا ومستقبلها نظراً للمكانة المركزية التي تحتلها مؤسسة الرئاسة ضمن المنظومة المؤسسية الموريتانية، ولما يتمتع به رئيس الجمهورية من صلاحيات واسعة وتأثير سياسي ومعنوي على مجرى الحياة الوطنية».
وأكد قادة هذه الأحزاب «أن الاستحقاق الرئاسي القادم يأتي في ظروف إقليمية ووطنية مقلقة، ناهيك عما تحمله الوضعية الدولية من مخاطر جمة: فالوضع الإقليمي يمتاز بعدم الاستقرار، والصراع بين بعض القوى الإقليمية، وتنامي العنف والإرهاب والجريمة المنظمة على حدودنا، أما الوضع الداخلي فإنه، إضافة إلى سوء الحكامة ونهب الثروات الوطنية وسوء تدبيرها، والأزمة السياسية التي غذتها السلطة طيلة الأعوام الماضية، يحمل بذور مخاطر حقيقية تتهدد النسيج الاجتماعي بسبب استمرار الغبن والتهميش وتنامي الخصوصيات العرقية والشرائحية والجهوية التي تستغلها السلطة لافتعال وتشجيع خطابات ومواقف تدعو إلى التنافر والتدابر، في ظل غياب الرؤية والحلول الناجعة».
«هذه الظرفية الدقيقة، تضيف المعارضة الموريتانية، تتطلب من الجميع التوجه نحو الانتخابات الرئاسية المقبلة، بروح وطنية عالية ومسؤولية حقيقية، وتغليب المصلحة العليا للبلد على المصالح والطموحات الضيقة، من أجل تحقيق الهدف المنشود، المتمثل في تعزيز الجبهة الداخلية في وجه المخاطر التي تتهدد البلد، وفسح المجال لتناوب ديمقراطي سلس على السلطة، من خلال انتخابات توافقية حرة ونزيهة، انطلاقاً من المحافظة على ما تحقق طيلة العقود الثلاثة الماضية من تراكمات نضالية وتضحيات في سبيل تحقيق الأهداف الأساسية للمعارضة الوطنية، وبالتالي، فإنه فرصة تاريخية لخروج البلد من الأزمة السياسية وتعزيز المسار الديمقراطي، وتوطيد الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي، والسير نحو مستقبل أفضل».
وتابعت المعارضة بيانها قائلة: «ولكي تكون الانتخابات القادمة حلاً لا مشكلة، وخطوة إلى الأمام لا خطوة إلى الوراء، يجب أن يتم إعدادها وتنظيمها في جو سياسي يبرهن على حسن النية ويطمئن كل الفرقاء ويعيد الثقة بينهم».
وزادت: «إن من أهم أسباب الأزمة السياسية التي عاشتها موريتانيا خلال السنوات الماضية انفراد السلطة بتسيير المسلسل الانتخابي، وتجنيدها للدولة وسلطتها ووسائلها لصالح معسكرها ضد الفرقاء السياسيين الآخرين، وقد تجلى ذلك بوضوح خلال الانتخابات النيابية والجهوية والبلدية الماضية، بما شابها من خروقات على مستوى الإعداد والتنظيم وتزوير النتائج».
ورغم أن المعارضة، يضيف البيان، لديها حزمة من المطالب ما زالت عالقة بدون جواب، فإن بلوغ هدف التناوب الديمقراطي على السلطة يعتبر حداً أدنى من واجب السلطة أن تعمل على تحقيقه، من خلال الشروع في تهدئة الأوضاع، والعمل على خلق مناخ سياسي طبيعي عن طريق التخلي عن منطق المجابهة والصدام، والكف عن شيطنة المعارضة الديمقراطية، وعن قمع الحركات السلمية، والسجن التعسفي، ووقف المتابعات القضائية ضد المعارضين، مع احترام الدستور والقوانين، وقواعد الحكامة الرشيدة، وجعل الدولة في خدمة الجميع، بدل تسخيرها لطرف سياسي معين».
وطالبت، في بيانها، «النظام الحاكم بالعمل على تنظيم انتخابات توافقية حرة وديمقراطية، ووضع الأسس السليمة لعملية انتخابية لا غبن فيها ولا تدليس، تتم عبر التشاور والتشارك، يطمئن لها كل الفرقاء، ويعترفون بالنتائج التي تسفر عنها، وذلك من خلال إعادة تشكيل اللجنة الانتخابية بصورة توافقية، وتخويلها كامل الصلاحيات والاستقلالية، ومنحها الوسائل المالية والتقنية والبشرية التي تمكنها من أداء مهمتها على أكمل وجه، إضافة إلى إعداد الملف الانتخابي واللوائح الانتخابية بصورة توافقية وشفافة وأن يضمن للموريتانيين المقيمين في الخارج حقهم في التسجيل في هده اللوائح الانتخابية، وضمان الحياد التام للدولة بجميع أجهزتها، واحترام قانون التعارض، وعدم استخدام المال العام ووسائل الدولة وسلطتها وهيبتها، وضمان رقابة حقيقية ذات مصداقية وطنية ودولية تتابع المسلسل الانتخابي بجميع مراحله «.
«ومن أجل أن تكون الانتخابات الرئاسية فرصة حقيقية للتغيير الديمقراطي أعلنت الأحزاب الموقعة على البيان أنها ستحرص على التوجه نحو هذه الاستحقاقات بروح إيجابية والمساهمة الفاعلة في تحضيرها وتنظيمها، كما ستعمل على وحدة القوى الوطنية الطامحة للتغيير على موقف موحد في الرئاسيات القادمة وأن يكون ضابط هذا الموقف مصلحة الديمقراطية وحماية الوحدة الوطنية، وتحقيق التناوب الديمقراطي لصالح المعارضة الديمقراطية، وذلك عن طريق الاتصال والتشاور مع مختلف الفعاليات الشبابية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية والأعيان، هذا مع مواصلة النضال من أجل فرض مطالب المعارضة الديمقراطية، ومؤازرة الجماهير في نضالها من أجل انتزاع حقوقها، وفرض حضور نشط وفعال في الساحة يعكس القوتين التعبوية والاقتراحية للمعارضة».
وأعلنت الأحزاب المعارضة أنها «ستعمل على بلورة وثيقة مركزة تتضمن أهم ما تريده المعارضة الديمقراطية لموريتانيا في المرحلة القادمة، وبخاصة فيما يتعلق بالحكامة والحلول المقترحة لكبريات القضايا الوطنية مثل العبودية ومخلفاتها والوحدة الوطنية والتعايش بين مكونات الشعب».
وشكل تحالف المعارضة الموريتانية لجنة عليا عهد إليها، حسب البيان، بمتابعة تطورات الساحة لتسيير هذا التوجه والقيام بالاتصالات اللازمة، وإعداد الخطوط العريضة للبرنامج الانتخابي المشترك، واعتماد معايير لاختيار المرشح الموحد وتقديم مقترحات بشأنه».
وأوضح «أن إعلانها هذا يبقى مفتوحاً أمام جميع الأحزاب وكافة التشكيلات التي تتبنى مبادئه وترغب في الانضمام إليه».
ويؤكد هذا الإعلان أن الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها موريتانيا منتصف يونيو/حزيران القادم، ستجري بين معسكرين سياسيين كبيرين ومتمايزين، أحدهما يقوده الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز، ويهدف إلى استمرار النظام السياسي الحالي بسياساته وشخوصه، والثاني يجمع المعارضة بأطيافها المؤثرة ويضع أمامه هدفاً واحداً هو تغيير النظام الحالي ليستبدل به نظام سياسي آخر.