موريتانيا: النسبية تعرقل تشاور الداخلية مع الأحزاب حول تحضير الانتخابات

عبد الله مولود
حجم الخط
0

نواكشوط ـ «القدس العربي»: مع أن وزير الداخلية الموريتاني والوزير القوي في نظام الغزواني استطاع، في جو توافقي حتى الآن جمع أربعة وعشرين حزباً سياسياً من أصل خمسة وعشرين مرخصة، تنظيم تشاور معهم حول التحضير للانتخابات البلدية والجهوية والنيابية المقررة العام المقبل، فقد هذا التشاور عرقلة كبرى هي اختلاف الأحزاب السياسية حول تطبيق نظام النسبية في الاستحقاقات المقبلة.
وانفض الاجتماع الثالث الذي خصص لمناقشة النسبية والذي افتتحه وزير الداخلية أمس دون اتفاق، حيث طالبت غالبية من الأحزاب في الموالاة والمعارضة بتوسيع دائرة النسبية، فيما عارض ذلك حزب “الإنصاف” الحاكم، وهو ما يضع وزارة الداخلية أمام حرج كبير، ينضاف للانتقادات التي يواجهها استبدال الحوار الوطني الشامل بتشاور جزئي مع قطاع حكومي واحد.
ومع أن التشاور يواجه مشكلة النسبية التي لا تخفى صعوبة حله وتجاوزه، فقد أعطى حتى الآن ثماراً أولى، بينها اتفاق بين ممثلي الأحزاب السياسية على تنظيم الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية بصفة مسبقة خلال الفترة ما بين فبراير وإبريل 2023، وإقرار آلية خاصة بتشكيل اللجنة المسؤولة عن الإشراف على الانتخابات، تقوم على جعلها لجنة فنية لكن باقتراح سياسي لأعضائها.

انتقادات للتشاور

وإضافة لما سبق، يواجه هذا التشاور الخاص بالتحضير للاستحقاقات المقبلة، انتقادات من نواب برلمانيين معارضين، ومن أحزاب تنتظر الترخيص.
وأوضح الدكتور ديدي ولد السالك، الأستاذ الجامعي ورئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لـ “القدس العربي” اليوم “أن الأفضل للحالة الموريتانية هو تطبيق النظام المختلط بين النظام النسبي والنظام الأغلبي في الانتخابات؛ لأن ذلك سيعطي، حسب رأيه، فرصة أكبر للأحزاب الأقل حظاً في دخول البرلمان، وسيضفي على الديمقراطية نوعاً من الحيوية، كما سيبعد التأثير القبلي والشرائحي والعرقي عن الحياة البرلمانية”.
وأضاف: “بخصوص الانتخابات البلدية والجهاتية، فالأفضل بالنسبة لموريتانيا، أن ندمج بين نظام الأغلبية ونظام النسبية لكن مع تطبيق نظام العتبة، أي تحديد نسبة معينة من الأصوات يشترط الحصول عليها من طرف المترشح، ففي هذا الدمج خلاص من عيوب الأغلبية المطلقة ومن عيوب النسبية المفتوحة، كما أن في هذا الدمج تحقيقاً للتوازن داخل المجالس البلدية والجهوية، وفيه إضفاء للحيوية على الديموقراطية داخل هذه الهيئات”.
وانتقد الدكتور ولد السالك آلية التشاور التي أرستها الداخلية، مؤكداً “أنها لا تفي بالغرض”، وأضاف: “التشاور القائم حالياً بين الداخلية والأحزاب لا يفي بالغرض، لأن الإصلاحات التي تحتاج إليها الحياة السياسية في موريتانيا والديمقراطية بشكل عام، تتطلب قوانين وإصلاحات عميقة، وهو ما يتطلب تشاوراً معمقاً يصل إلى إصلاحات دستورية وإصلاحات سياسية جامعة لكل أبعاد الحياة السياسية”.

إنتاج نظام ولد الطايع

وقال: “ما تسعى له السلطة القائمة من وراء التشاور الحالي مع الأحزاب السياسية هو إعادة إنتاج نظام ولد الطايع، أي التوجه نحو تحكم وزارة الداخلية في الانتخابات، وإذا هي أعطت الأحزاب بعض الفوائد يكون ذلك على شكل منة منها، وليس على أساس أن الديمقراطية شأن مشترك بين جميع الفاعلين السياسيين”.
وزاد ولد السالك: “إعادة إنتاج ولد الطايع، كما هو المتبلور حالياً، يعني وجود سلطة متحكمة في كل شيء، وما يقدم للأحزاب من الفتات يكون منة منها وليس لدواع ديمقراطية”.
وتابع: “لا شك أن إصلاح المنظومة الانتخابية جانب أساسي من إصلاح السياسية، لكنه ليس كل شيء؛ فإصلاح الحياة السياسية يشمل إصلاح الحياة الحزبية وإصلاح القوانين بصفة عامة وإصلاح الحياة المدنية، بل ويشمل تعديلات دستورية تؤدي لحياة سياسية متوازنة وفصل حقيقي للسلطات؛ وكل هذا يضيف ولد السالك، هو الذي جعل بعض الأطراف السياسية الموريتانية تتحفظ على تشاور وزارة الداخلية الحالي مع الأحزاب، لأنه سيؤدي إلى تكريس وجود جهة تتحكم وتفرض رأيها إلى جانب أطراف مقصية لا تجد سوى الفتات، ولذا فالأمور تتجه إلى إعادة إنتاج نظام ولد الطايع بكل عيوبه”.
وهاجم النائب البرلماني محمد بوي محمد فاضل، تشاور وزارة الداخلية مع الأحزاب، وقال في تدوينات خصصها لذلك: “ما يحدث في وزارة الداخلية أمرٌ مستنكرٌ جداً وغير ديمقراطي، فالذين هزمنا أغلبهم في الانتخابات الماضية وننافس بقيتهم، مجتمعون ليقرروا مصير الانتخابات وكيفية النجاح فيها”.
وأضاف النائب: “دعوا التغافل، فبغض النظر عن تاريخ الانتخابات، فلا بد من تغيير لجنة الانتخابات واختيار أطقمها ما عدا الحكماء بالمسابقات، ولا بد من تغيير قوانين الانتخابات من حيث الآجال والتمويل والطعون وتعميم النسبية، ولا بد من تحييد أدوات الدولة عن المنافسة، أما غير ذلك فهو انتكاسة وتراجع عن مكاسب تحققت في عهد أجيال العقداء وضاعت في عهد أجيال الجنرالات”.
وكتب نور الدين، رئيس حزب “إلى الأمام موريتانيا” قيد التأسيس”: “تأكدوا أن المراد من الطبخة التي تعجنها وزارة الداخلية هذه الأيام مع مجموعة من الأحزاب، هو التحكم في مستقبل خمسة ملايين من البشر، ولا بد أن تتم مراجعتها يوماً ما”.
وتساءل: “من قال إن الـ 25 حزباً المجتمعة مع وزارة الداخلية تُمثل الشعب الموريتاني لتُنظر له مستقبله السياسي وآليات انتخاباته؟!!!”.

رفض المهزلة

وفي تصريح آخر، أكد النائب البرلماني ورئيس حركة “إيرا” الحقوقية، بيرام الداه اعبيدي، إنه يرفض التشاور الجاري بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، واصفاً التشاور بـ “المهزلة”.
وقال: “التشاور الحالي عبارة عن اجتماع لعرق واحد يهدف إلى إقصاء القوى الحية في المجتمع والتي أثبتت الانتخابات تأثيرها والتفاف الجماهير حولها”.
وشدد ولد اعبيدي في تصريح لوكالة “الأخبار”، “أن النظام الحالي لن يفوز في أي انتخابات إلا بالتزوير الذي بدأت بوادره الآن”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية