نواكشوط- «القدس العربي»: مع أن نظام الرئيس الغزواني يظهر أن ملف الرئيس السابق ملف موجود بين يدي القضاء وأنه لا انشغال للسلطة التنفيذية بما هو من اختصاص السلطة القضائية، مع ذلك وبالرغم من ذلك يشكل هذا الملف شاغلاً كبيراً يعيق التوجه لمسارات الإصلاح التي بشر بها الرئيس الحالي عند استلامه للسلطة قبل سنتين من الآن.
وازداد الانشغال بهذا الملف قوة، بعد أن أجبرت تصرفات للرئيس السابق قاضي التحقيق على إيداع الرئيس السابق غياهب السجن، حيث قضى أمس ليلته الخامسة في العنبر الذي سجن فيه هو نفسه قبل عشر سنوات من الآن مدير مخابرات القذافي، عبد الله السنوسي، قبل أن يسلمه للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة بقيادة خالد الشريف مقابل 200 مليون دولار، وفقاً لتصريحات مسجلة لرئيس الحكومة الليبية السابق، عبد الرحيم الكيب.
النيابة تطارد ماله وكاتب كبير يخاطبه: أنت بريد تأخر إرساله
وتؤكد وثيقة تم تسريبها أمس دون معرفة مصدرها، وجود تعاون بين القضاءين في تركيا وفرنسا في مطاردة تقوم بها النيابة العامة في موريتانيا لأموال يملكها الرئيس السابق لكنها مودعة في بنوك تركية وفرنسية بأسماء عدد من أقربائه.
وأكدت الوثيقة المذكورة «أنه في تاريخ 2020/10/18 أرسلت إنابة قضائية لدولة تركيا طلباً للتعاون القضائي للكشف عن أموال متهم فيها رئيس سابق ورقم الإنابة هو 2020/701820، ولم يأت رد ثم جرى إرسال إنابة أخرى ورقمها 2020/07831 وجاء الرد باستحالة الكشف عن أموال شخص حال غيابه».
ثم أرسلت موريتانيا شرحاً وافياً يؤكد أن المتهم يتمتع بحقوقه المدنية وليس ضمن تقييد الحرية، وأنه يظهر على التلفزيونات ويتكلم بكامل حريته ويتجول ويتمتع بكامل حقوقه، كما أرسلت تأكيداً آخر بأن المتهم يعترف بوجود أموال طائلة، وتم استدعاء السفير التركي بنواكشوط، حسب الوثيقة، وجرى بحضوره، تشغيل مقطع فيديو تضمن اعترافات وتم إطلاعه على بعض الإفادات تضمنت اعترافاً صريحاً بوجود ممتلكات تخص الرئيس المتهم، كما شرحت له مواد قانونية تمنع التربح والرشوة وتحظر تلقي الهدايا على الرؤساء، وبعدها بتاريخ 2020/11/29 وصلت إنابة قضائية تركية تضمنت الموافقة التامة للتعاون مزودة بكشف عن أموال باسم أفراد متهمين من الدائرة الضيقة للرئيس السابق».
وتحدثت الوثيقة المسربة عن كشف دولة الإمارات عن عقارات وشقق فندقية تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار، كما أكدت أن فرنسا كشفت في رد على إنابة قضائية، عن أموال بأسماء أشخاص قريبين جداً من الرئيس المتهم، بينهم حساب لمقرب منه برصيد 728 مليون دولار، وشقق وفلل تقدر مجموعها بقيمة مليار و200 مليون دولار، وأسهم في شركة فرنسية شهيرة لصناعة السيارات.
وأكد موقع «ريم أفريكا» الإخباري الموريتاني المستقل في تحليل عن قضية الرئيس السابق «أنه رغم حرص الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعدد من أنصاره على تقديمه للرأي العام الوطني والدولي، على أنه سجين سياسي، إلا أن هذه الدعاية لم تصمد كثيراً، خصوصاً أنه أكمل سنتين من الحرية التي مارس فيها أنماطاً متعددة من الصراع مع النظام، وكانت المحطة الأخيرة هي تحويله إلى السجن بعد رفضه التوقيع لدى الشرطة، احتجاجاً على ما يراه قمعاً لأنصاره».
وأضاف: «بدخوله السجن، يفقد ولد عبد العزيز ورقة راهن عليها بقوة خلال الفترة المنصرمة، وهي ورقة الإعلام والسعي للتأثير في الرأي العام، سواء عبر مسيرته الراجلة إلى إدارة الأمن، أو المقابلات التلفزيونية، وحتى البث على الإنترنت».
وعن مآلات الملف المثير، أوضح موقع «ريم أفريك» في تحليله «أن الخيارات لا تبدو كثيرة أمام السلطة ولا القضاء ولا المتهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ويبدو خيار إغلاق الملف أبعد الخيارات المتوقعة، بسبب ضريبة ذلك سياسياً وإعلامياً، خصوصاً أن الملف يتداول بين يدي القضاة منذ أكثر من ستة أشهر».
ويرى الموقع، نقلاً عن مختصين ومحامين، أن «أمام الرئيس السابق خيار المصالحة مع القانون، وذلك بقبول المتهم الأبرز بالتهم الموجهة إليه، والشروع في المصالحة مع القانون بإعادة الأموال المنهوبة وتسوية الملف مع وزارة المالية، ويبدو أن هذا الخيار مستبعد أيضاً لإصرار الرئيس السابق على رفض التهم الموجهة إليه، وتمسكه بأن ثروته ليست من المال العام».
«أما الخيار الآخر، يضيف الموقع، فهو خيار الإدانة والسجن، ويبقى هذا الخيار أرجح الخيارات المتوقعة، خصوصاً في ظل تماسك التهم الموجهة إلى الرئيس السابق وتعدد أدلتها، وفق ما يرى خصومه، وفي إصراره على المواجهة».
وزاد: «تبقى أوراق القوة المتاحة للرئيس السابق محصورة جداً، وتتناقص يوماً بعد آخر، ويبقى ملف محاكمته أهم حدث تعيشه موريتانيا منذ عقود، ويبقى أيضاً أول رئيس يساق إلى القضاء بعد سنة من خروجه من الحكم بتهم الاختلاس، حيث كان سلفه من الرؤساء يساقون في اليوم الأول للإطاحة بهم نحو السجن مباشرة».
وحظيت تدوينة طريفة للكاتب الموريتاني الكبير محمد فال ولد سيدي ميله، بمتابعة ومشاركات واسعة، حيث خاطب الرئيس السابق قائلاً: «أوْدَعُوكَ غياهبَ السجن فقط لتفهم أن الشعب لم يعد يريد أن «يطفئ التلفاز» ولم تعد ميزانيات مؤسساته تتحمل تكاليف السفر إلى «الصناديق» المطلسَمة».
وقال: «لا شك أن «مهنة» التشفي، كما يزاولها البعض، منهج بائد وفلسفة سافلة، ولا ريب في أن حل معضلتك «أقرب للتقوى».. لكن زيارتك لـ»القفص» ولو على عجل، تُعَدُّ نقطة الانطلاق لتطبيع علاقة الرؤساء بحرية تعبيرنا (كي نحافظ على التلفاز موقداً!) وتطبيع علاقتهم بمالنا العام (كي لا تقطع (…) تذكرة أخرى على حساب الدولة في سفر مريب!)توقيفك ليس إنجازاً، ولا هو، بحد ذاته، مبتغى، وإنما يكفينا أن يبعث برسالة إلى الرؤساء والحَفّانة مفادها أنه كفانا احتقاراً، وأن التفرعن مات مع البيان رقم 1، وهياكل «تهذيب» الجماهير، والمادة 11، وبطاقات التعريف الصفراء».
وخلص الكاتب إلى القول «إن دولة تعيش كوابيس تحديات الاحتقان العرقي والتخلف البنيوي وهلاك الضمير الجمعي، لا وقت لديها لسجن رئيس نفدت بطاريته، إلا إذا أريد له أن يكون بريداً محمّلاً برسالة جادة؛ سجنك لا طائل من ورائه ولا معنى له إن لم يكن في هذا المسعى وبهذا المعنى؛ إذن لا تقلق.. اجلسْ القرفصاء وضع نظاراتك السوداء.. اشرب كأساً من شاي «أزواد» وخذ كتابك بشمالك، واهنأ بالقراءة داخل زنزانتك، فأنت مجرد بريد تأخر إرساله».