نواكشوط –«القدس العربي»: حالت تظاهرات راح ضحيتها ثلاثة أشخاص من الأقلية الزنجية إثر احتجاجات ليلية بمدينة كيهيدي جنوب موريتانيا، وما رافقها من انتقادات متعصبة لقائد الحراك الرافض لنتائج الانتخابات بيرام اعبيد، دون احتفال موريتانيا احتفالاً كبيراً بأنظف انتخابات رئاسية تشهدها بعد رئاسيات 2007.
ومع أن المترشحين لهذه الانتخابات لم يتمكنوا من تقديم طعون إلى المجلس الدستوري الذي أقرها جملة وتفصيلاً، بحجة عدم التقدم بأي اعتراض على نتائجها، فقد وقع شبه إجماع داخلي وخارجي على نظافتها.
وتقبل خمسة من منافسي الرئيس الغزواني في هذه الانتخابات نتائجها الرسمية بلغات مختلفة، وانفرد النائب بيرام ولد الداه اعبيد برفضها الشديد حاثاً أنصاره على “التظاهر السلمي الرافض لها”، وهو ما أدى لأحداث شغب وعنف تمكنت السلطات من السيطرة عليها، وإن كانت صفحتها لم تطو لحد الساعة.
ومع ذلك، فقد تتالت على الرئيس الغزواني رسائل التهاني من رؤساء وحكومات العالم، وحدد المجلس الدستوري يوم الخميس فاتح آب/أغسطس المقبل موعداً لتنصيبه في مأمورية ثانية وأخيرة من خمس سنوات.
وهنأت الولايات المتحدة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة إعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً لموريتانيا؛ مشيدة “بالالتزام والتصميم الذي أبداه الموريتانيون في ممارسة حقهم في التصويت والمشاركة في العملية الانتخابية، لمواصلة تاريخ موريتانيا الحديث من الانتخابات الديمقراطية”.
وأضاف بيان التهنئة الأمريكي: “نأسف للخسائر في الأرواح في الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات، ونتطلع إلى أن تتجه الحكومة الموريتانية لإجراء تحقيق كامل في الوفيات ومحاسبة المسؤولين عنها، كما نشجع التعبير عن أي معارضة سلمية ونحث المسؤولين الأمنيين على التصرف وفقاً لسيادة القانون”.
وأكد البيان “أن الولايات المتحدة تقدر شراكتها القوية مع موريتانيا وتتطلع إلى مواصلة تعزيز مصالحنا المشتركة، بما في ذلك تعزيز العمليات والمؤسسات الديمقراطية في موريتانيا”.
وهنأت فرنسا بدورها، الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، وفق النتائج النهائية المصادق عليها من طرف المجلس الدستوري.
وعبرت الخارجية الفرنسية في تهنئة نشرتها على موقعها الإلكتروني، عن “تأكيد وتجديد رغبة فرنسا في تعزيز علاقات الصداقة مع موريتانيا”.
وأوضحت الخارجية الفرنسية “أن فرنسا تظل مستمرة في استعدادها الكامل لمواصلة العمل مع الرئيس الغزواني بشأن كافة أولوياتنا المشتركة”.
ورحبت فرنسا بـ “العمل الحازم الذي تقوم به موريتانيا، الرئيسة الحالية للاتحاد الإفريقي، من أجل استقرار وتنمية القارة الإفريقية”.
أما آراء المراقبين وكبار الساسة الموريتانيين المستقلين فقد تباينت بين مرحب بنتائج الاقتراع والدعوة لجعل مخرجات الانتخابات عاملَ استقرار لا سبباً في التوتُّر الاجتماعي، ومنتقد لها يؤكد أنها “انتخابات أبقت موريتانيا في حالتها المزرية التي تعيشها منذ عقود”.
وفي معالجة تقييمية للانتخابات الرئاسية، أكد الدكتور أبو العباس أبرهام، وهو أستاذ جامعي أقرب للمعارضة، “أن أكبَر الخاسرين في الانتخابات هو الرئيس غزواني”.
وقال: “يعود جزءٌ من انتكاسة النظام إلى أنّه واجه عدّة ثورات: في الشمال ظهر الامتعاض من سجن أبناء الشمال، وفي الجنوب ظهَر تمرّد الجنوب على الإقطاع؛ وفي المدن ظهرت معارضة بيظانية (نسبةً لعرب موريتانيا) شابّة راديكالية (وإن كانت الطبقة الوسطى البيظانية قد التحقت بالنظام لأسباب ريعية أو قومية وتقاعدية”. وأضاف: “أكبر الرابحين في الانتخابات هو بيرام ولد اعبيد، فقد أظهر نموذجاً بديلاً للعودة السياسية political comeback. حيث هزَم محاولات استبداله، بما فيها مشروع زعيم بديل وجديد للمعارضة، ناهيك عن محاولات إحراقه من النظام واستراتيجييه ورجالات أعمالِه، كما أظَهر أنّه أقرب إلى الضفة من زعمائها الأهليين، وتغلّب على محاولة النظام إحراقه بالشراكة معه وتعيين كوادره، إنّه أوّل زعيم معارض يستطيع القيام بسياسات تمريغ حلفائه والتفاهم مع النظام دون أن يُدمّره ذلك سياسياً”.
وعما حققه الإسلاميون في هذه الانتخابات، أوضح أبو العباس في تحليليه “أن حزبهم “تواصل” حقّق نجاحاً بأن بقي، بل وحقّق نجاحاً بأن خرج من عقدة 2009 التي حرّمت الرئاسيات على الإسلاميين بغياب زعامة قادِرة على جمع صوتٍ غير حِزبي، أو حتّى حزبي كامل”.
وقال: “أوّل من نجَح من الإسلاميين في ذلك هو مرشحهم امّادي سيدي المختار، وذلك باستخدامه لغة التقوى الشوارِعية واللغة الرومانسية، وإن غير العملية، لتطبيق الشريعة، ولكنّه بهذا يُحوّل الحِزب من “إخواني” أي إسلامي وسطي تحديثي إلى حِزب ورِع محافِظ بنفَسٍ طالباني”.