نواكشوط- “القدس العربي”:
بينما وصلت الإصابات المؤكدة بفيروس كوفيد 19 في موريتانيا إلى 588 حالة، منها 26 وفاة، وفيما واصل مؤشر الإصابات صعوده بشكل مقلق، اهتم اثنان من أبرز خبراء الاقتصاد والمال في موريتانيا برصد التأثيرات المحتملة والمؤكدة لهذا الوباء على الاقتصاد الموريتاني وعلى حياة ومستقبل شرائحه الهشة.
وتوقع محمد الناني وهو وزير سابق للاقتصاد ومحافظ أسبق للبنك المركزي الموريتاني في دراسة تحليلية نشرها للتو وطالعتها “القدس العربي” أن “تؤدي الأزمة الصحية الحالية لانخفاض ملحوظ في النشاط الاقتصادي وانكماش كبير في نمو معظم بلدان العالم”.
وقال: “على الرغم من تدابير التخفيف من الآثار السلبية التي اتخذتها الحكومة الموريتانية، فمن المتوقع أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد من 5,9% في عام 2019 إلى حوالي -2% في عام 2020، مقارنة بتوقعات أصلية في حدود 6,3%، كما ينتظر أن يتفاقم عجز الميزانية العمومية إثر تراجع الطلب الداخلي وزيادة الإنفاق الاجتماعي وانخفاض الواردات والصادرات وصعوبات تحصيل الضرائب بسبب تدهور الوضع المالي لدافعي الضرائب الرئيسيين؛ وهكذا ستكون هوامش مناورة الميزانية محدودة للغاية”.
“وإذا كان لا يزال من السابق لأوانه رسم ملامح ما بعد الجائحة، والذي يعتمد على فترة انتشار الوباء وطبيعة تأثيراته، يضيف الدكتور الناني، فإن موريتانيا توجد في صميم مرحلة احتواء انتشار الجائحة وتحسين التدخل لصالح السكان الأقل دخلا، والحفاظ على أدوات الإنتاج وحماية وظائف الشغل لتسهيل إعادة الانطلاق بعد اختفاء الأزمة الصحية”.
وبخصوص مرحلة الإنعاش الاقتصادي، أكد الوزير الناني أن “ملامحها لن تتحدد بدقة إلا بعد نهاية المرحلة الأولى تدريجيا، مبرزا أنها “تتطلب موارد مالية معتبرة، تستلزم تعبئتها دعم جميع شركاء البلاد الفنيين والماليين”.
وقال: “بما أن هذه الحالة تعتبر قاسما مشتركا بين العديد من بلدان القارة الإفريقية، فإن التنسيق يعد ضروريا أكثر من أي وقت مضى، حيث ينبغي التوجه لعقد قمة افتراضية استثنائية لقادة القارة من أجل تحسيس المجتمع الدولي حول التحديات المرتبطة بتسيير الجائحة”.
وتحدث الوزير الناني في تحليله عن الدروس المستخلصة من الوباء على المستوى الموريتاني، فأكد على أهمية الدور المركزي الذي يجب أن يحتله النظام الصحي، وعلى أهمية الأمن الغذائي وآليات التدخل لصالح السكان الأكثر هشاشة.
وأعرب الناني عن أمله في أن “تتخذ الحكومة الموريتانية الإجراءات المناسبة لتصحيح الاختلالات في القطاع الصحي ومنع الوصول إلى نقطة انهيار المنظومة التي تم وضعها لتسيير الجائحة”.
وفيما يتعلق بالأمن الغذائي، أكد الوزير الناني أنه “الهدف المعلن من قبل جميع الحكومات منذ سنوات عديدة”، داعيا “إلى ترجمة الاهتمام بالأمن الغذائي إلى قانون برمجة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، وجعله على رأس الأولويات ضمن السياسات العمومية، كما ينبغي أن يحدد القانون المواد المستهدفة والأفق الزمني (ما بين 2030 و2035)، والأهداف والموارد المرصودة وآليات المتابعة التي يجب أن يكون للبرلمان فيها دور أساسي.
أما الدكتور محمد عبد الجليل المصطفى، الخبير الاقتصادي الموريتاني البارز، فقد أكد في معالجة أخرى أن “الحكومة الموريتانية وجدت نفسها أمام تحد حقيقي وعدو خفي أنهك اقتصادات دول عظمى من حولها رغم الفارق الكبير في الوسائل المادية واللوجستية بينها وبين هذه الدول”.
وقال: “قبل أزمة كورونا ورغم الوضعية المالية الصعبة للبلاد كانت كل المؤشرات تدعو للتفاؤل: فهناك توقع بارتفاع النمو الاقتصادي بنسبة 6,9%، وتناقص عجز الميزانية بحدود 5,9%، وثبات التضخم في حدود 3%، وتراجع مؤشر الدين العمومي مقارنة بالناتج الداخلي الخام لينتقل من 8,4% 2018 إلى 7,7% 2019، وهناك أيضا اكتشاف احتياطات معتبرة من الغاز والبدء في إجراءات الحفر والإنتاج على الاستخراج سنة (2021 – 2022)”.
وأضاف الدكتور محمد عبد الجليل أن “نتائج غالبية الإجراءات المقررة لمواجهة الجائحة معتمدة على صندوق كورونا”، وهو ما يجعلها مرتبطة بتحقيق شروط منها التخطيط الجيد للتوزيع حول بنود الاستفادة، ووضع آليات شفافة ومدروسة لتحقيق الأهداف المرسومة مسبقا، ومنها تقييم دقيق لتأثير التدخل على الاقتصاد بشكل عام”.
وتوقع الخبير محمد عبد الجليل أن “تتأثر قطاعات خدمية واسعة بشكل كبير بل ستتجه لكساد شامل كقطاع الفندقة، والسياحة ووكالات الطيران وشركات النقل، خصوصا إذا طالت الأزمة، سواء من خلال تراجع مشتقاتها من القطاعات أو من خلال البطالة الناجمة عن الركود”.
كما توقع الخبير “معاناة موظفي الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع غير المصنف من البطالة والإجازات الطويلة غير المدفوعة في أحسن الأحوال نتيجة ضعف الإمكانات المادية للمؤسسات المشغلة حتى لا تعلن إفلاسها”.
وخلص الخبير إلى أنه “ما دامت نهاية الأزمة لم تلح بعد في الأفق فإنه من الوارد أن تصبح تكلفة دعم الدولة للمواد الغذائية والدوائية أكبر من دعمها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي بدورها ستساعد في المحافظة على القوة الشرائية للمواطنين وكذا دعم المزارعين لزيادة الإنتاج واستقرار أسعاره”.
“كل هذه العوامل، يضيف الخبير، تجعل الحكومة الموريتانية مطالبة بأن تترك عينا مفتوحة على الوضع الاقتصادي المتأزم حتى لا ينتقل عبره التأزم إلى الأوضاع الاجتماعية والأمنية والسياسية”.