تعبر موريتانيا نحو السنة الجديدة والشاغل السياسي الملح فيها هو الوصول لإجراء حوار حقيقي تتفق فيه الأطراف على صيغة تخرجها من أزمتها الحالية.
نواكشوط ـ «القدس العربي»: يمكن أن يقال بجزم أن السنة المنصرمة كانت في موريتانيا سنة تقييم ومراجعة ورصد لأداء نظام الرئيس محمد الشيخ الغزواني الذي حكم تاليا لعشرية مثيرة للجدل حكمها سلفه محمد ولد عبد العزيز، كما أنها كانت سنة التجاذب بين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والنيابة العامة وأذرعها الأمنية.
وسيجد المتفحص لأحداث السنة أنها شهدت، هزا لجو التهدئة السياسية التي أرساها نظام الرئيس الغزواني مع معارضي سلفه، بما عرفته من تجاذب شديد بين الحزب الحاكم وإسلاميي حزب التجمع حول نشاط الحكومة وحول الحوار السياسي الذي تعثر.
وكثرت، خلال السنة الانتقادات الموجهة لنظام الرئيس الغزواني وحكومته، من طرف معارضيه الشرسين وهم إسلاميو حزب التجمع ومدونو المعارضة، وأنصار الرئيس السابق.
ووصل الانتقاد وعدم الرضا لأطراف من مناصري الرئيس الغزواني الذين أصيبوا بخيبة أمل عندما لاحظوا احتفاظه ببعض أعوان الرئيس السابق ممن ثبتت عليهم تهمة الفاسد.
ووجه الرئيس الغزواني مرات عدة انتقادات لاذعة لحكومة ولد بلال ثاني حكومة يعنيها الرئيس في ظرف سنة، مؤكدا للوزراء بأنهم لم يقوموا بما كان معلقا عليهم، ومتوقعا منهم، رغم الوسائل التي أتيحت لهم، والصلاحيات التي منحت لهم دون أي تدخل من رئاسة الجمهورية.
ودعا حزب «موريتانيا إلى الأمام» تحت التأسيس، يقوده شباب خريجون من جامعات مختلفة، «لاعتبار ما تبقى للرئيس مرحلة انتقالية نحو الجمهورية المدنية الحقَّة، وتحرير دستور جديد للجمهورية الإسلامية الموريتانية الثالثة، يثمن المُكتسبات ويحقق الفصل الحقيقي للسلطات ويضمن توازنها».
وظل الرئيس الغزواني متمسكا بجو التشاور والتهدئة مع خصوم ومعارضي سلفه، وأطلق يوم 27 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، جلسات تحضيرية للحوار السياسي بحضور ممثلين عن خمسة وعشرين حزبا سياسيا هي مجموعة الأحزاب المرخصة إضافة للمترشحين الأربعة الخاسرين في انتخابات 2019 الرئاسية.
وقبلت منسقية أحزاب وتحالفات المعارضة المشككة في جدية الحوار والتي يقودها إسلاميو حزب التجمع، المشاركة في هذا الحوار.
ولكن الحوار أو التشاور لم ينظم بل شهد تعثرا كبيرا بعد اتجاه المشهد نحو السخونة والتجاذب حسبما أكدته مؤشرات وبيانات تبادلها حزب الاتحاد الحاكم مع حزبي التكتل واتحاد قوى التقدم وهما حزبان هادنا الرئيس الغزواني منذ وصوله للسلطة، دفعهما البطء في التغيير المنشود لإنهاء للتلويح بالعودة للمعارضة الناطحة بدل الناصحة.
وانشغلت موريتانيا خلال العام الماضي بملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وبالمعارك التي خاضها دفاعه مع النيابة العامة، كما انشغل الرأي العام بالقرار الذي اتخذه قاضي التحقيق في حزيران/يونيو الماضي بحبس ولد عبد العزيز، في سجن خاص بالعاصمة نواكشوط، وذلك بعد أن اتهمه القاضي بعدم الالتزام بمقتضيات الرقابة القضائية المشددة.
ووجهت النيابة العامة، في 11 اذار/مارس الماضي، إلى ولد عبد العزيز و12 من أركان حكمه تهما، بينها غسل أموال ومنح امتيازات غير مبررة في صفقات حكومية، وهو ما ينفي المتهمون صحته.
وفي الرابع نيسان/أبريل الماضي، قرر القضاء تجميد ممتلكات المتهمين، وفرض إقامة جبرية على ولد عبد العزيز في منزله بالعاصمة نواكشوط، مع إلزامه بالتوقيع لدى الشرطة 3 مرات أسبوعيا، قبل أن تتم إحالته على الحبس.
ووجهت أسرة الرئيس السابق رسالة تظلم للأمم المتحدة حول ما «يتعرض له ابنها في معتقله من سوء معاملة».
معركة الفساد
شهد العام الماضي تجاذبا كبيرا بين النظام ومعارضيه حول قضية الفساد الذي يرى مناوئو الرئيس أنه ما زال مستشريا رغم التحقيق مع الرئيس السابق في قضايا فساد واعتقاله والتحضير لمحاكمته.
وهزت وثيقة سرية تضمنت تورط مسؤولين موريتانيين كبار في تهريب مبالغ ضخمة من الدولار، الساحة السياسية الموريتانية، وأثارت نقاشا ساخنا حامي الوطيس.
وفي خطوة وثيقة الصلة بالتحقيقات القضائية المستمرة حول ملفات الفساد المالي، أعلن قادة منظمات مجتمعية مدنية عن تأسيس تحالف وطني مختص في محاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، وترسيخ الشفافية وترقية الحكامة الرشيدة.
وأوصت مشاورات وطنية خاصة شهدتها السنة المنصرمة، بإصلاح النظام التربوي الموريتاني وباعتماد اللغة العربية لغة تدريس في جميع مراحل التعليم.
وساهم في هذه المشاورات خمسمئة مشارك من مختلف الأحزاب السياسية الموريتانية، ومن منتخبي الشعب وممثلي المركزيات النقابية وعدد كبير من خبراء التعليم والمدرسين ومنظمات المجتمع المدني.
ويأتي هذا التشاور ضمن اهتمام نظام الرئيس الغزواني بإصلاح قطاع التعليم الذي يعاني من اختلالات كبيرة ومتراكمة منذ عقود.
ووسط اعتراضات صاخبة هزت البرلمان وتواصلت خارجه، أجازت الجمعية الوطنية الموريتانية الثلاثاء قانون «حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن». وبادرت الفرق البرلمانية المعارضة إلى تسجيل رفضها التام لقانون حماية الرموز، محملة في بيان وقعته جميع كتلها «الأغلبية مسؤولية إعادة أجواء الاستقطاب السياسي إلى الجمعية الوطنية» وكذا المسؤولية «عما سيترتب على هذا القانون من خطر داهم على الحريات».
وجاءت إجازة هذا القانون أسبوعا بعد أن هدد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، باتخاذ إجراءات لمواجهة ظاهرة «استغلال الإنترنت في ترويج الشائعات الكاذبة، أو بث الكراهية، وتحريض بعض فئات الشعب على بعض».
واستمر خلال السنة المنصرمة، التجاذب حول قضايا الرق حيث اكتشفت حالات منه، عرضت على القضاء، فيما واصل ميثاق شريحة «حراطين» موريتانيا (الأرقاء السابقون) نضالاتهم من أجل الرق وآثاره.
وأسست كوكبة من أبرز شاعرات وأديبات موريتانيا «الهيئة الموريتانية للأقلام النسائية» من أجل خلق حراك ثقافي نسوي يشجع إبداع المرأة ويرعى المواهب النسائية ويعمل من أجل نشر أعمال النساء وجمع وتحقيق ما وجد من تراثها في هذا الإطار.
وفي مستهل السنة الماضية اتفقت موريتانيا وقطر على إعادة علاقاتهما التي قطعتها موريتانيا من جانب واحد في حزيران/يونيو 2017 في خطوة مشابهة لما فعلته حينها السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
وانشغلت موريتانيا بحادثة قطع الجزائر لعلاقاتها مع المغرب الذي اتخذ في اب/أغسطس الماضي، كما انشغلت لما شهدته حدودها مع الصحراء الغربية ومع الجزائر من نذر استئناف للحرب واصل كبار المسؤولين الصحراويين التلويح به.
وشهدت موريتانيا خلال العام الماضي، حراكا مضادا للتطبيع مع إسرائيل، ونفت الحكومة تصريحات لمسؤولين إسرائيليين تحدثوا عن التحاق وشيك لموريتانيا بالدول المطبعة مع إسرائيل.
ودعا الفريق البرلماني للأحزاب القومية الموريتانية في الجمعية الوطنية زملاءه في بقية الفرق البرلمانية لبذل جهد تشريعي عاجل يؤكد حقيقة الإجماع الوطني الموريتاني حول دعم القضية الفلسطينية.
وأكد عشرات العلماء الموريتانيين في فتوى مشتركة أن العلاقة مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين المحتل لبيت المقدس وأكنافه حرام لا تجوز بحال.
آفاق الاقتصاد
أكد صندوق النقد الدولي في بيان أخير له أن الاقتصاد الموريتاني حقق نموا ضعيفا يقدر بـ 1.7 في المئة، بينما وصلت مديونية موريتانيا الخارجية إلى 72 في المئة من الناتج الداخلي الخام وهو واقع ينذر بالخطر.
وفوضت الحكومة مكتب «فرانكلين- فنكزم» الدولي للخبرة المالية لمساندتها في إعادة التفاوض حول دينها الخارجي الذي وصفته مؤخرا بأنه «لم يعد يتحمل» وبخاصة لما أدت له جائحة كوفيد 19 من ضغوط وتدهور.
وكما جرت العادة، ستنقل هذه الشواغل وهذه الأزمات من العام المنسحب إلى العام الجديد الذي قد ينقلها بدوره للعام الموالي، إن لم تحدث معجزات.
وبهذه التناقضات التي لا تخلو من ثقل، تعبر موريتانيا نحو السنة الجديدة والشاغل السياسي الملح فيها هو الوصول لإجراء حوار حقيقي تتفق فيه الأطراف على صيغة تخرجها من أزمتها الحالية ومن مشكلاتها المزمنة، وتؤمن لها تناوبا سلميا قبل نهاية مدة الرئيس الحالي التي انتصفت الآن.
راحلون:
-أعلنت يوم 14 كانون الأول/يناير الماضي وفاة محمد يحظيه ولد ابريد الليل، الأب الروحي والقائد التاريخي لحزب البعث في موريتانيا.
-أعلنت يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وفاة النائب البرلماني السابق محمد ولد عبد الرحمن ولد أسويد أحمد أمير تكانت، إحدى أبرز إمارات موريتانيا التاريخية.
تصريحات:
الدكتور محمد محمود سيدي رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية: «بينما كان المواطن يتطلع للحرب على الفساد ولمواجهة فساد العشرية، فوجئنا بفساد جديد، وفوجئنا بأن المفسدين الجدد يشعرون اليوم بالأمان لا يخافون محاسبة ولا عقوبة».