نواكشوط ـ «القدس العربي»: أكدت قرارات اتخذها الرئيس الموريتاني، محمد الشيخ الغزواني، أمس، أن موريتانيا على أبواب تغييرات جذرية موسعة قد تشمل تعيين حكومة كفاءات عما قريب.
ولاقت قرارات اتخذها الرئيس الغزواني خلال اليومين الأخيرين، ترحيباً واسعاً بين الساسة والمدونين الموريتانيين المنشغلين بالشأن العام، وبخاصة قراراته الخاصة بعزل المفتش العام للدولة وإلحاقه المفتشية العامة للدولة برئاسة الجمهورية بدل الوزارة الأولى.
وشكل الرئيس الغزواني كذلك، ضمن إجراءاته الجديدة لجنة عهد إليها بمراقبة تنفيذ وتقدم مشاريع وبرامج الدولة، يتولى تنسيق عملها الوزير الأول محمد ولد بلال.
وكلف الرئيس هذه اللجنة التي ضمت مستشارين في الرئاسة، بإعداد تقرير عن تنفيذ المشاريع والبرامج الحكومية على أن تقدم تقريرها في ظرف شهر.
ويأتي تشكيل هذه اللجنة بعد اجتماع عقد الرئيس مع عدد من الوزراء مساء أمس الأول انتقد فيه التأخر الكبير في تنفيذ المشاريع والبرامج التي تضمنها برنامجه الانتخابي المعروف ب “برنامجي تعهداتي وأولوياتي”.
ولاحظ الرئيس التأخر الكبير في تنفيذ العديد من المشاريع التي أطلقها في إطار برنامج “تعهداتي وأولوياتي” الموسع والهادف، وفقاً لبيان الرئاسة، “إلى تحسين ظروف المواطنين في مختلف المجالات من تعليم وصحة وبنية تحتية وطرق وغيرها”.
ولم يخف الرئيس الغزواني استياءه الشديد من “بطء وتيرة تنفيذ المشاريع المُشار إليها آنفاً، حيث أكد خلال الاجتماع “أن بطء تنفيذ المشاريع لم يعد مقبولاً على الإطلاق”، مشدداً التأكيد على “أنه لا بد وعلى الفور من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجاوز العقبات الراهنة ومنع تجددها مستقبلاً”.
وأصدر أوامر للوزير وللوزراء شدد فيها “على التطبيق الصارم للقانون خاصة ما يتعلق منه بالإنذارات والعقوبات، بل وبفسخ العقود عند الاقتضاء والإدراج في اللوائح السوداء، وعلى تكثيف المتابعة والمراقبة على الشركات المنفذة ميدانياً”، كما أكد على “اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لضمان عدم تكرار هذا الموضوع مستقبلاً من قبيل تصنيف مؤسسات الأشغال العمومية حسب قدرتها على تنفيذ المشاريع فنياً ومالياً ودعم المؤسسات العمومية لتعزيز قدراتها الفنية والمالية على تنفيذ مختلف المشاريع”.
وأعلنت وزارة التجهيز والنقل التي تتبع لها معظم المشاريع في بيان لها أمس عن البدء في تنفيذ تعليمات الرئيس، فوجهت إنذارات لمجموعة من الشركات والمؤسسات التي تتولى تنفيذ مشاريع عمومية، ونصت الإنذارات على العوائق الفنية والنقص في الوسائل والخبرات والمصادر البشرية التي ينبغي معالجتها بشكل فوري بما يضمن تعويض التأخر وانتهاء الأشغال قبل آجالها المحددة”.
وأكدت الوزارة “أنها دخلت في مرحلة جديدة لا تقبل أي بطء في تنفيذ المشاريع الطرقية، وأن كافة الإجراءات القانونية الصارمة سيتم تطبيقها على أي شركة أو مؤسسة تُخل بالتزاماتها في تنفيذ الأشغال من خلال الإنذارات والعقوبات، بل وبفسخ العقود والإدراج في اللوائح السوداء للقطاع، ولن تقبل أي مبررات غير مبوب عليها في العقود”.
وأعلنت الوزارة عن “بدء في تكثيف يومي وأسبوعي وشهري للمتابعة الميدانية والمراقبة الفعلية والتقييم المستمر لعمل الشركات المتعاقدة مع الدولة، ولأشغال تنفيذ المشاريع، يضمن تنفيذ أشغال المشاريع بالجودة العالية وفي الآجال المحددة سلفاً”، معلنة “عن تصنيف الشركات حسب قدراتها الفنية والمالية، مع تطبيق الإجراءات القانونية الرادعة على الشركات المخلة بالتزاماتها مع الدولة”.
وجاءت هذه القرارات كلها تالية لاعتراف الرئيس الغزواني في خطابه بمناسبة الاستقلال “ببطء وتيرة تنفيذ بعض المشاريع”، مؤكداً في خطابه “أنها وتيرة غير مرضية”، ومضيفاً قوله: “وصحيح كذلك، أن ثمة نواقص وصعوبات على بعض المستويات، لكننا مدركون لها، وعاكفون على تصحيحها”.
وكان الرئيس الغزواني، الذي يواجه انتقادات مشددة من معارضيه، صريحاً عندما جدد في خطاب الاستقلال وعده للشعب قائلاً: “أعدكم، مجدداً أنه سيتم، بعون الله، إنجاز ما تعهدنا لكم به، على الرغم من الظروف الاستثنائية التي نعيشها، والعالم، بأسره، منذ أكثر من سنتين”.
“ولذلك، يضيف الغزواني، سنضاعف تركيزنا على إرساء حكامة رشيدة، وعلى محاربة كل أشكال الفساد. فالفساد، بطبيعته، مقوض لدعائم التنمية، بهدره موارد الدولة، وتعطيله المشاريع عن تحقيق أهدافها، وإخلاله بالعدالة التوزيعية للثروة، وهتكه قواعد دولة القانون، بما يضعف ثقة الأفراد فيها، ويصيب النسيج الاجتماعي في الصميم”.
وقال راداً على منتقديه: “نحن لا نريد لمحاربة الفساد أن تكون مجرد شعار، أو أن تتحول، هي نفسها، إلى فساد، بالانتقائية، وتصفية الحسابات، والوقيعة في أعراض الناس دون قرينة أو دليل، بل نريدها عملاً مؤسسياً فعالاً، تصان به موارد الدولة، وينال به المفسدون جزاءهم طبقاً للنصوص السارية المفعول”.
وقال: “لذا سنضاعف العمل عل تعزيز استقلالية السلطتين، القضائية والتشريعية، وتحديث مدونة الصفقات العمومية، وكذلك على تكثيف نشاط أجهزة الرقابة والتفتيش، بنشر فرقها في كل المؤسسات العمومية والقطاعات الوزارية، وسنرتب، فوراً، على التقارير الصادرة عنها كل ما تقتضيه”.
وفي نبرة مزجت الوعد بالوعيد، قال الرئيس الغزواني: “سنواصل التركيز على إصلاح الإدارة، فلم يعد من المقبول إلا أن تكون إدارتنا أقرب إلى المواطن وأكثر إصغاء له وأسرع في الرد عليه وحل مشاكله؛ ويجب أن يكون المواطن قادراً على إجراء معاملاته الإدارية، بسلاسة ويسر، والحصول على ما يحتاجه من إيضاحات، واستيفاء ما له من حقوق، بكرامة وسرعة، وبحكم كونه مواطناً لا غير”.
وتحمل هذه التطورات مؤشرات على انتهاء فترة المهادنة وغض الطرف عن الفساد، وهو ما جعلها تحظى بترحيب واسع.
وعلق القيادي الإسلامي البارز الشيخ عمر الفتح في تدوينة أمس على قرارات الرئيس الغزواني، مؤكداً “أن رئيس الجمهورية لم ير من التنفيذ الميداني لبرنامجه ما يقر العين وينقذ هذا البلد المنكوب بفساد وإرث المفسدين”.
وقال: “حق للرئيس أن يتابع وأن يستدعي أصحاب القطاعات والمشاريع المتأخرة؛ وإن استدعاء هؤلاء وما نقل عن الرئيس سابقاً من حديث واضح وصارم للوزراء مجتمعين عن ضعف الأداء وتأخر الأداء كان رسالة مهمة، وكان من الضروري أن يفهمها المسؤولون الفهم المناسب، وأرى من سياقات هذه الدعوات الرئاسية المختلفة أنها رسالة واضحة ولكن بأسلوب وأخلاق موجهة للمخفقين أن استقيلوا واتركوا المكان لغيركم فما بعد السنة إلا السنة بكسر السين”.