نواكشوط ـ «القدس العربي»: بينما ينفد شيئاً فشيئاً الأطراف السياسية في المعارضة والمولاة، إزاء الإعلان عن تاريخ لانطلاقة الحوار السياسي الموسع الذي وعد به الرئيس الغزواني، تابع عدد من هذه الأطراف أمس تقديم اقتراحاته للموضوعات التي يجب إدراجها في جدول أعمال الحوار، وتحذيراته من القضايا التي يجب أن يسد الباب أمام طرحها.
وارتاحت الأطراف السياسية، وبخاصة الناشطين في مجال الرق وحقوق الأقليات الزنجية في موريتانيا، لتأكيد الرئيس الغزواني مؤخراً “بأن التشاور المرتقب مفتوح أمام الجميع دون إقصاء، ولمناقشة جميع القضايا دون استثناء”.
وأكد النائب البرلماني بيرام الداه اعبيدي، رئيس حركة “إيرا” الناشطة في مجال مكافحة الرق، في مؤتمر صحافي أمس، “أن حركته تثمن تصريح الرئيس محمد ولد الغزواني الذي ورد فيه عدم إقصاء أي شخص وأي موضوع من التشاور الوطني المرتقب”، مشيراً إلى “أن ملفي العبودية والإرث الإنساني يجب أن يفتحا خلال التشاور”.
وأضاف قائلاً: “رغم طفرة القوانين المجرّمة للعبودية في موريتانيا إلا أنها ما زالت تحتاج إلى التفعيل والتطبيق على أرض الواقع، وهو ما يشكل خطراً على الوطن لأن وطناً لا تطبق قوانينه لن يكتب له البقاء”، حسب قوله.
وشدد ولد اعبيدي، التأكيد على “ضرورة انتقال ملف العبودية من مرحلة اللفظ إلى التطبيق من خلال التشاور المرتقب”، مبرزاً “أن إشراك ضحايا الإرث الإنساني وحضورهم للتشاور قبل أي حزب أو منظمة هو أمر ضروري يخدم الملف بشكل فعلي وملموس”.
وأشار النائب “لى أن “هناك منظمات وروابط خاصة بضحايا الإرث الإنساني في موريتانيا رجعوا من المهجر إلى موريتانيا على أساس تعهدات واتفاقيات لم تف بها الحكومة لهم حتى الآن، وهناك آخرون يقيمون في السنغال متمسكون بالجنسية الموريتانية، ويجب أن تشرك منظماتهم في التشاور المرتقب وأن تدرج في خطه الأمامي قبل الأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى”.
وحذر ولد اعبيدي الأطراف المشاركة في التشاور من “السياسيين الباحثين عن مكانة لأنفسهم دون الاهتمام بملف الإرث الإنساني، كما فعل آخرون من قبل”، وقال: “لا أنكر أن الملف شهد إنجازاً في السابق يجب أن يثمن، لكنه ليس كافياً ويحتاج إلى التكميل”.
وطالب النائب ولد اعبيدي “بدعوة المنظمات غير الحكومية كمنظمات أرامل وأيتام ضحايا أحداث 1991، للمشاركة في الحوار، كما دعا لإشراك ممثلي الناجين من أحداث 1989 العرقية، وكذا ممثلي الزنوج المرحلين في نفس الأحداث إلى السنغال ومالي، وممثلي الزنوج العائدين طبقاً للاتفاقية الثلاثية بين موريتانيا والسنغال ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين”.
وقال: “على الدولة أن تعيد الأشخاص الذين ما زالوا يقيمون في مالي والسنغال، فهذا المشكل يجب أن يحل من جذوره بصورة نهائية”.
وطالب النائب ولد اعبيدي “بإدراج ملف الفساد وإصلاح القضاء الذي يسيطر عليه مكون عرقي واحد، حسب قوله، كما شدد على إدراج ما سماه الرق العقاري الذي يعتبر حله -حسب النائب- ضرورياً للتعايش السلمي بين السكان”.
وتحدث ولد اعبيدي مطولاً عن “ضرورة إرساء نظام للحكامة الراشدة في موريتانيا، وبإصلاح المنظومة الانتخابية”.
وأضاف: “أرجو من الرئيس الغزواني أن يحل مشكلة إقرار النسبية في الانتخابات”، متسائلاً عن “استباق مجلس الوزراء مؤخراً للأحداث وإقراره تأسيس مقاطعات جديدة”.
وأضاف: “على الرئيس ألا يقبل بأن يدفعه معاونوه للقضاء على نظام النسبية في الانتخابات البرلمانية، فالحزب الحاكم يسعى للقضاء على هذه النسبية، ونحن نرجو أن تبقى وأن توسع لولايات العاصمة وللبلديات”.
وطالب ولد اعبيدي، في تصريحاته، “بالإبقاء على حرية تصويت أفراد القوات المسلحة وأفراد الأمن خلال الانتخابات، لأن إلزامهم بالتصويت للمرشح المقرب من السلطة يجعل الكفة تميل دائماً لصالحة، وهو أمر يعرقل التغيير وتداول السلطة”، حسب قوله.
هذا وقد شجع تأكيد الرئيس الغزواني على أن الحوار مفتوح أمام الجميع وأمام جميع القضايا، سياسيي الأقليات الزنجية الموريتانية على طرح ملف الإرث الإنساني المتعلق بأحداث 1991 التي أعدم فيها، إثر محاولة انقلابية فاشلة ضد نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وعدد من ضباط وجنود هذه الأقليات.
فرغم إصدار قانون العفو العام عن هذه الأحداث عام 1993، ورغم تنفيذ آلية صرفت الحكومة خلالها تعويضات مالية كبيرة لأسر الضحايا، ما تزال هذه القضية مطروحة من طرف سياسي المجموعات الزنجية الذين يسعون لإدراجها على طاولة الحوار المنتظر إلى جانب قضية المحاصصة العرقية لمراكز الحكم ووظائف الدولة.
وحذر القيادي الإسلامي الشيخان ولد بيبه، النائب عن حزب «تواصل» المحسوب على الإخوان، من “فتح الباب أمام تعديل الدستور في الحوار المرتقب”، مؤكداً قوله في تدوينة تابعها الكثيرون أمس: “أرجو ألا يفتح الدستور أمام الحوار، وأن نكتفي بما دونه من قوانين”.
وأضاف: “تجربة فتح الدستور في ظل المطالبة بالمحاصصة خطر على وحدة البلاد ولحمة الشعب والتعايش السلمي، وليتق الله الجميع، فما أمر لبنان والعراق منا ببعيد؛ فلم تكن المحاصصة على أساس الألوان والأعراق والشرائح حلاً قط”.
يذكر أن التحضيرات للحوار متواصلة حسب المصادر الحكومية، حيث يجري الحزب الحاكم والأحزاب المتعاونة معه في المعارضة، اتصالات مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لضمان انعقاد إجماع وطني حول المشاركة في التشاور.
وفي هذا السياق، طالب النائب الإسلامي الصوفي ولد الشيباني، في تدوينة له أمس “بالمسارعة إلى إزالة نقاط التحفظ المتبقية لدى بعض الأطراف بخصوص المشاركة في الحوار المرتقب، وخصوصاً التطمينات المتعلقة بدور السلطة فيه، وبالتزامها بتنفيذ مخرجاته، وذلك لضمان الخروج بتوافق وطني حول القضايا الأساسية التي تهم مستقبل البلاد ووحدتها الوطنية وديمقراطيتها وإرساء العدالة وتكافؤ الفرص بين أبنائها، وهي الأمور التي من شأنها أن تحصن الجبهة الداخلية، حسب قوله، وتجعل الدولة أكثر قدرة على خدمة المواطن ومواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية”.