نواكشوط- «القدس العربي»: عبر تجمعات حزبية وتنسيقات نشطة بين الأحلاف القبلية، بدأت حمى الترشحات لمقاعد البرلمان ولمجالس الجهات والبلديات تجتاح موريتانيا، البلد الذي يخوص منذ 1991 تجربة ديموقراطية تخللتها عدة انقلابات عسكرية.
وتمكن وزير الداخلية الحالي محمد أحمد ولد محمد الأمين، الرجل القوي في نظام الرئيس الغزواني، والذي يحسب له النجاح في تنظيم انتخابات 2007 عندما كان وزيرا للداخلية، من تحقيق قدر كبير من الإجماع حول مرتكزات تنظيمها، وذلك عبر تشاور مكثف مع الأحزاب الخمسة والعشرين المرخصة.
وتعمل وزارة الداخلية حالياً على تحضير وثيقة نهائية تتضمن النقاط التي تتأسس عليها آلية تنظيم الانتخابات المقبلة، والتي قد تعرض، حسب مصادر مقربة من هذا الشأن، على قادة الأحزاب لتوقيعها.
وأول ما سيبدأ التشاور حوله، الأسبوع المقبل، حسب المصادر نفسها، الاتفاق على تسمية وتنصيب أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات قبل31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، على أن تتولى اللجنة، بالتشاور مع الحكومة والأحزاب السياسية، تحديد الآجال الانتخابية للاستحقاقات المقبلة التي تقرر تنظيمها مبدئيا، خلال شهر إبريل/نيسان المقبل.
ومن المسائل الجديدة في المنظومة الانتخابية الموريتانية انتخاب نواب الجمعية الوطنية، الذين انتقل عددهم خلال التشاور الحالي من 157 إلى 176، وفق نظامين هما نظام النسبية، الذي سيطبق على نسبة 50% من المقاعد، ونظام الأغلبية ذو الشوطين الذي سيطبق على نسبة 50% من المقاعد.
وستباشر اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات فور تنصيبها، بالتشاور مع الحكومة والأحزاب السياسية، تنظيم إحصاء إداري ذي طابع انتخابي يمكن من تحديث القائمة الانتخابية.
وكانت وزارة الداخلية الموريتانية قد تلقت ردود مختلف الأحزاب السياسية على المقترحات التي تقدمت بها خلال التشاور والتي استخلصت منها النقاط التي أعلن الاتفاق عليها.
غير أن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (المحسوب على الاتجاه الإسلامي) قد تميز عن باقي الأحزاب، بتقديم وثيقة تشخيصية مفصلة تضمنت تشخيصا للوضع السياسي القائم وعرضا لمجموعة من الاختلالات في المنظومة الانتخابية الحالية والمقترحة، والتي يرى الحزب ضرورة البدء بتصحيحها.
وأكد الحزب، في وثيقته التي اطلعت “القدس العربي” على نصها اليوم، “أن ملف الانتخابات جزء من إصلاح كلي تحتاجه البلاد بشكل عاجل، وتعتبر الحاجة إليه وخطورة التراخي في تحقيقه محل اتفاق بين أغلب الموريتانيين”.
وأشار الحزب إلى أن “هذا الإصلاح كان موضوع حوار وطني شامل، جرت مراحله التحضيرية بشكل مقبول، وكانت لجانه على وشك الانطلاق قبل أن يتم تعليقه بشكل مفاجئ، وبأسلوب أحادي لا ينتمي لسياق الحوار ولا التشاور، حسب تعبير الحزب.
وأكد حزب التجمع “أن حال موريتانيا، والواقع من حولها، سواء في محيطها الإقليمي المباشر أو على الصعيد الدولي، يدفع الغيورين على مصلحتها للتأكيد على ضرورة استئناف الحوار الشامل لتحصين البلاد من المخاطر المحيطة بها، والتي يظل خير عاصم منها، هو بناء جبهة داخلية قوية، ونقاش الموريتانيين لكل الملفات التي تهمهم، وبناء العقد الاجتماعي على أسس صلبة ومتفق عليها”.
يضيف حزب التجمع: “إن الاختلالات التي طالما عانى منها بلدنا الغالي، والتحديات التي عليه أن يواجهها اليوم وغداً، والتطلعات المشروعة لشعبنا نحو استغلال أمثل لموارده وحكامة أرشد لعائداتها، كل ذلك يجعل من العسير إجراء انتخابات شفافة ونزيهة دون الشروع في معالجة تلك الاختلالات التي تعتبر ضرورية، وأكثر استعجالا من أي ملف آخر، وليس المسلسل الانتخابي سوى عنوان من عناوين كثيرة، حسب تعبير الحزب، ولن يكون كافيا نقاش موضوع الانتخابات بمعزل عن الملفات الكبيرة ذات الارتباط الوثيق به”.
وأكد الحزب في رده على الداخلية “أن أهم محور ينبغي أن يتم نقاشه في هذا السياق، هو تنظيم الحياة السياسية بشكل عام، بما يمنع تغوّل وتحكّم السلطة التنفيذية، ويحول في نفس الوقت دون ميوعة الممارسة السياسية وابتذالها، وهو ما يتطلب، حسب رؤية الحزب، إرساء مرتكزات قانونية تضع حدا لحرمان قوى سياسية ومجتمعية وزانة من حقها الطبيعي والدستوري في الوجود السياسي، وفي التنظيم والتجمع، دون منة من أحد”.
ودعا حزب التجمع إلى “النص على تعارض شغل بعض المواقع الحساسة ذات العلاقة بالخدمات الضرورية للمواطنين كمحافظ البنك المركزي ومديري المؤسسات الخدمية والصحية والإعلامية وهيئات الضبط والرقابة، إلى جانب أصحاب المسؤوليات الإدارية والأمنية من الترشح للانتخابات أو المشاركة فيها”.
في سياق كهذا، وبينما خرج الرئيس الغزواني من نصف مأموريته بتقييمات مختلفة لأداء حكومته، ستشهد موريتانيا عما قريب تنافسا قويا ومحتدما حول مقاعد البرلمان، وحول مستشاري الجهات والبلديات.
والمهم في هذا الأمر هو أن الاستحقاقات المنتظرة ستنبثق عن مشهد سياسي جديد سيكون له تأثيره الكبير على الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف 2024 والتي لا يتشكك المراقبون في أن الرئيس الغزواني سيترشح لها، دون أن يتضح للمراقبين حتى الآن، من سيكون منافسه حول مقعد الرئاسة.