نواكشوط ـ «القدس العربي»: تدخل الحملة السياسية الممهدة للانتخابات الرئاسية المقررة في موريتانيا يوم 29 يونيو/حزيران الجاري، يوم الجمعة أسبوعها الثاني والأخير بعد أسبوع خصصه المترشحون السبعة، بدرجات متفاوتة جداً من القوة واتساع المدى، لعرض برامجهم وتعهداتهم على الناخبين في جو يطبعه الهدوء.
وأعلن تقي الله الأدهم، الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، «عن ارتياح اللجنة لأداء المترشحين، وللأجواء الهادئة للحملة الانتخابية بعد انقضاء ستة أيام على إطلاقها».
وأكد تقي الله الأدهم في مؤتمر صحافي: «رضى اللجنة عن قدرة المتنافسين في الاستحقاقات الرئاسية على إدارة اللعبة الانتخابية بمسؤولية واقتدار».
وأوضح الأدهم «أن اللجنة الانتخابية على أتم الجاهزية ليوم الاقتراع المقرر يوم 29 يونيو الجاري» مشيراً في هذا الصدد إلى «وصول الوسائل اللوجستية والمعدات الانتخابية إلى أماكنها في الولايات الداخلية، وفي ثماني دول سيجري التصويت فيها بالنسبة للجاليات الموريتانية في الخارج».
وأضاف «أن اللجنة عكفت خلال الفترة الماضية على مضاعفة جهودها التحسيسية من خلال وصلات دعائية بالشراكة مع هيئات المجتمع المدني، بغرض الحد من استفحال ظاهرة الأصوات اللاغية أثناء الاستحقاقات الرئاسية المرتقبة».
وفيما ركز منافسو الغزواني في هذا السباق على التحذير من التزوير، أعلن أحمد سالم ولد بوحبيني رئيس اللجنة الوطنية الموريتانية لحقوق الإنسان، في تدوينة له «أنه لاحظ تراجعاً في اهتمام المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والخبراء الدوليين في مراقبة الانتخابات الرئاسية في موريتانيا».
واعتبر ولد بوحبيبي، وهو نقيب سابق للمحامين الموريتانيين، «أن التراجع الذي لاحظه ربما يعكس نوعاً من الطمأنينة والثقة في الآليات الوطنية والمحلية المتعلقة برقابة الانتخابات وبمستوى الديمقراطية في البلد».
وأضاف: «اعتبرنا نحن في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أن عزوف «هيومن رايتس ووتش، وأمنيستي إنترناشيونال، عن التحريات الحقوقية في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة، اعتراف منها بقدرة الآليات الوطنية على رصد انتهاكات حقوق الإنسان ومعالجتها».
وكانت أبرز القضايا التي اشتملت عليها خطابات المترشحين خلال اليومين الأخيرين، ما أعلنه المترشح محمد ولد الشيخ الغزواني في خطاب له أمام سكان مدينة كيهيدي ذات الأغلبية الزنجية من «عزم وتعهد بتسوية ملف الإرث الإنساني بمقاربات توافقية، تداوي جراحات الماضي بشكل كامل» مؤكداً «أنه يريد موريتانيا دولة لا عبودية فيها ولا عنصرية ولا شرائحية».
وحاز هذا التعهد تفاعلاً كبيراً من طرف الحاضرين لتعلقه بقضية حساسة تخص ما قيل إنه «مقتل عشرات من الجنود والضباط الموريتانيين من ذوي الأصول الإفريقية عام 1991» إثر محاولتهم قلب نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.
وفي إطار الأحداث المصاحبة للحملة الانتخابية، أعلن أنصار الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، في بيان نشروه الخميس، عن «اختطاف البوليس السياسي لمحمد الأمين أشريف عضو اللجنة الإعلامية لجبهة التغيير الديمقراطي، وهو حزب غير مرخص يجمع مؤيدي الرئيس السابق ويقود حملة لمقاطعة الانتخابات المرتقبة».
وأكدت الجبهة «أن البوليس اقتاد عضو اللجنة الإعلامية الى مكان مجهول في مخالفة صارخة للقانون وبعنجهية تعكس الوجه الحقيقي لنظام الاستبداد والظلم والترهيب القائم» بحسب تعبير البيان.
«وعليه، يضيف البيان، فإننا في حزب جبهة التغيير الديمقراطي، نندد ونستنكر بشدة، اختطاف وإخفاء الأخ محمد الأمين أشريف خارج القانون ومحاولات النظام المتكررة لقمع شباب الجبهة وقياداتها بكل الوسائل لثنيهم عن التعبير عن آرائهم وعن الدفاع المشروع عن الحقوق وعن الديمقراطية؛ ونطالب بالإفراج الفوري عن السيد محمد الأمين ولد أغربط والسيد محمد فال عبد الله، وعن الشبان هارون أمادو أديا، ويورو أمادو، وأديا صيدو، وديالو صمب، ونرفض تقييد حرياتهم لمجرد تعبيرهم عن آرائهم السياسية أو التزامهم بالدفاع عن الديمقراطية».
وأضاف الحزب غير المرخص: «نلفت انتباه الرأي العام إلى أن مسؤولية الفشل والفساد والتزوير وعدم احترام الدستور والقانون يتحملها رأس النظام ووزير داخليته، وهو ما يحاول الشعب التعبير عنه من خلال رفضه ومقاطعته لأي مهزلة انتخابية من شأنها تشريع مأمورية أخرى للرئيس الحالي».
وفي إطار تقييم مضمون الخطابات والبرامج السياسية للمترشحين، أكد الدكتور ديدي السالك الأستاذ بجامعة نواكشوط، ورئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، في مقال له عن الانتخابات «أنه في الوقت الذي كان من المفروض أن نجعل من الانتخابات الرئاسية المنتظرة فرصة لحوارات عميقة بين مختلف النخب الموريتانية حول الأفكار والبرامج لخلق الوعي بالتحديات الحارقة التي تواجه البلد، وآفاق المستقبل الممكنة للخروج من الحلقة المفرغة للتخلف بمختلف تجلياته، ومواجهة التحديات الماثلة داخلياً وخارجياً التي تهدد البلد في حاضرته ومستقبله وفي مقدمتها انتشار الفساد وانهيار مؤسسات الدولة؛ فإنه من الظاهر أن البعض حولها إلى موسم سياسي «لملء البطون» على رأي «جان فرانسوا بايار» الذي يعتبر أن « سياسية ملء البطون هي المدخل الأنسب لفهم سوسيولوجيا الدولة الإفريقية بعد رحيل الاستعمار».
وقال: «علينا العمل على إنجاح جيل جديد من السياسيين يتولى زمام المسؤولية، وهو ما يفرض على النخب الوطنية المخلصة العمل في المستقبل على خلق الوعي في صفوف الشعب، لعله ينتخب في المواسم الانتخابية المقبلة كفاءات قادرة على تخليص البلد من «جيل الفهود».